أكيد مررت بهذه التجربة من قبل ؛ أن تتغنى بصوت عال في الحمام ..ومع رجع الصدى يأتيك اعتقاد بأنك فنان عظيم .. وبأنك قادر على الغناء أفضل من أم كلثوم ... أو تشاهد مباراة كرة قدم فتغلي دماؤك بسبب لاعب سيئ ويأتيك اعتقاد بأنك لو نزلت الى الملعب فستقدم عرضا أفضل من هذا اللاعب .. كذلك المراهقون يعتقدون بما لا يدع مجالا للشك أنهم قادرون على أن يخرقوا الأرض ويبلغوا الجبال طولا .والفتاة في مرحلة المراهقة تعتقد أن كل الناس تلاحظ جمالها.. كل هذه طبعا أوهام في أوهام .. لكن أغلب الناس لا يلاحظون ذلك.. هناك بعض ممن أعرفهم لديه وهم أن يصبح رئيسا للجمهورية ، وأعتقد ان نسبة 99% من هذا الشعب يعتقدون بأن من حقهم أن يشغلوا مناصب دستورية كوزراء وبرلمانيين .. بغض النظر عن حقيقة قدراتهم .. عن حقيقة مفاهيمهم وملكاتهم الادارية والتنفيذية والعملية والنظرية ..يعتقدون بأنهم سيصبحوا أفضل ممن يتولون العمل العام حاليا ، تسع وتسعون في المائة لديهم هذه الطموحات ونسبة منهم تحمل السلاح ونسبة أخرى تخطط لانقلابات عسكرية فتنجح أو تفشل وأخرون يريدونها باردة في انتظار انتفاضة شعبية عارمة ، وبالفعل يحقق بعضهم هذه الأوهام ويوضعوا امام فوهة المدفع .. فيسقط في أيديهم ويكتشفوا بأن إدارة دولة ليس بالسهولة التي كانوا يتخيلونها ..وتظهر محدودية امكانياتهم ، وضحالة أفقهم وتدني سقفهم المعرفي .. فلا يتبق أمامهم سوى أن يتشبثوا بالكرسي وأن يحولوا المؤسسة الى ضيعة ملاكي .. ملكية خاصة تدر المال عبر مشاريع وهمية وانشاءات لا تطابق المواصفات وغير ذلك من أنواع الفساد ..يشمخ الواقع المؤلم أمامهم ويدركوا ان خروجهم من السلطة مسألة زمن .. وأن مغارة علي بابا ستغلق عما قريب فيزداد هلعهم لاختلاس المال وتكديسه في البنوك العالمية والداخلية .. إننا نعاني معاناة شديدة من الضعف الفكري لمن يحكموننا بدءا من رئيس الدولة إلى اصغر وزير .. ولذلك تبدو الدولة وكأنها تسير بلا سياسات بل تتخبط كمن يتخبطه الشيطان من المس ، علاقات خارجية متوترة اقتصاد منهار تعليم فاشل صحة مريضة ، أمن مفقود ، امل ضائع ..فقر طبقية ، موت في كل مكان جراء المرض والحرب... عقلية من يديرون الدولة عقلية عقيمة جدا ولعقمها ولادراكها لجهلها يتعنت أصحابها في قراراتهم التي يتخذونها ولا يتراجعوا عنها الا بعد أن يقع الفأس في الرأس ويتم تدمير كل شيء .. فتكون العودة أكثر مرارة من البداية ومهينة تماما للحاكم والمحكوم .. عقود قضيناها في التهديد الأجوف لأمريكا وروسيا ودعم الارهاب وبناء تحالفات مشبوهة وخروج عبثي عن منظومة المجتمع الدولي واختلاق أعداء موهومين .. وغير ذلك.. والآن بعد ان نال الخراب من كل أركان الدولة يريدون العودة على بدء وارجاع الساعة إلى الوراء..طبعا هذا مستحيل .. والكارثة الأكبر ان كل من يطرحون أنفسهم كبدلاء عن النظام هم أسوأ من النظام وأشد جهلا وانتهازية وفسادا .. مما ينبئ بأننا سنقضي عقودا أخرى خاضعين كفئران تجارب لمن يجربوا فينا أوهامهم عبر السلطة والحكم. لا مانع إذن من أن تحلم بأن تكون مطربا مشهورا ما دمت تغني جيدا في الحمام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة