هذا المقال للتنبيه وتوجيه الأنظار إلى خطورة إتخاذ الأسر الفقيرة والنازحين أو اللاجئين من ويلات الحروب الأهلية قرارات متسرعة بمنح أطفالهم إلى أفراد أو عائلات لا تتعامل أو تعترف هي أو دولهام بالتشريعات الإسلامية فيما يتعلق بما عرف عليه إصطلاحا بالتبني.
إشتكى "آدم موال" من أنه تعرض لخدعة قانونية كلفته ثمنا فادحا . واتهم مطربة الروك العالمية الشهيرة "مادونا" بأنهما ضحكت عليه وسرقت منه بنتيه التؤام إلى الأبد.
آدم موال مواطن من دولة ملاوي في أفريقيا . وكان قد تلقى عرضا من محامي مادونا بأن هناك مطربة أمريكية شهيرة ترغب في تبني بنتيه . وأنها فرصة نادرة حيث ستتمكنان من مواصلة تعليمهما في أرقى المدارس والجامعات في الولايات المتحدة. وبعد تخرجهما ستعودان للعيش معه في ملاوي.
ويواصل آدم موالي القول أنه لم يسمع بمادونا من قبل . ولم يكن يتوقع أن يكون هذا التبني إلى الأبد . وأنه سيتم حرمانه من إبنتيه أو حتى رؤيتهما إلى الأبد . وإنتزاع إسمه ووالده وعائلته من أوراقهما الثبوتية . وانتقال نسبهما إلى عائلة مادونا وفق ما تسمح به القوانين في الدول الغربية ( على العكس من القوانين الإسلامية) .
وقد برر آدم موال وقوعه في هذه الخدعة بالقول أنه أمي ومزارع قروي فقير بسيط لا يقرأ ولا يكتب . ولم يكن يدرك تفاصيل وبنود الإتفاقية التي وقع عليها ووثقت تخليه التام عن إبنتيه إلى الأبد ... إلخ من بنود قطع العلاقة والنسب تماماً.
وقال آدم أنه لا يوجد قانون يستطيع أن يغير واقع أنه هو والد التؤام . وأنكر الإدعاءات التي ذكرها محامي مادونا أمام المحكمة في ملاوي . وقال فيها أن آدم قرر التخلص من إبنتيه حتى يتمكن من الزواج بإمرأة أخرى بديلة عن زوجته أم الطفلتين التي ماتت.
في نهاية المطاف لم تقتنع المحكمة بدفوعات الأب آدم ملاوي . وحكمت بقانونية تبني مادونا للطفلتين (عمرهن الآن 4 سنوات) . وبعدها غادرت مادونا ملاوي بصحبة التؤام مستقلة طائرتها الخاصة ، وعادت إلى الولايات المتحدة.
وينبغي الإشارة هنا إلى أن ملاوي دولة جنوب شرق أفريقية فقيرة حبيسة . تعتبر الأقل نمواً من بين دول العالم . إحتلتها بريطانيا عام 1891م ومنحتها إستقلالها عام 1964م. كان الإسلام هو دين الأغلبية قبل الإستعمار .... ولكنه تراجع بعد ذلك تحت ضربات معاول التبشير الشرس ؛ حتى أصبحت نسبة عدد السكان المسلمين (تعداد حكومي رسمي) 13% فقط . في حين بلغت نسبة تعداد المسيحيين 80% من جملة 16 مليون نسمة تقريباً.
كان من الضروري إيراد هذه القصة حتى يتم تثقيف الناس (خاصة المسلمين) بأن قوانين التبني في الدول الغربية تختلف عن المعمول بها في بلادنا وفق الشريعة الإسلامية . وحتى يتم توخي الحذر عند قبول الأهل بتبني الغرباء لأطفالهم ؛ وخاصة عندما يكون المتبني غير مسلم . لا تسمح الشريعة الإسلامية بأن يلحق الإنسان نسب شخص غريب بنسبه . ويترتب على هذا التشريع جوانب كثيرة غاية في الأهمية والإتساق مع مجمل الشريعة الإسلامية السمحاء . ومنها على سبيل المثال لا الحصر تفادي إختلاط الأنساب وعدم المساس بقوانين الإرث. ولعلنا نستذكر هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد تبنى (قبل نزول الوحي) وعلى عادة الناس في تلك الفترة . تبنى زيد بن حارثة بما معناه أنه صار إبنه له ما له من حقوق الإبن البيولوجي . وبعد الهجرة النبوية الشريفة تزوج زيد بن حارثة من السيدة زينب بنت جحش بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكن السيدة زينب لم تطيق هذا الزواج . وأصرت على زوجها زيد أن يطلقها . فذهب زيد رضي الله عنه يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلاقها . ولكن أشرف الخلق كان يحثه على الصبر عليها وعدم طلاقها .. في نهاية المطاف حدث الطلاق بين الزوجين زيد بن حارثة والسيدة زينب بنت جحس رضي الله عنهم. وبعد أن أتمت السيدة زينب بنت جحش عدتها نزل الوحي الطاهر بالأمر الإلهي الكريم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها . فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم عظيم بسبب هذا الإبتلاء لكون أنه جاء على غير ما تعارف عليه العرب . ولكن الله عز وجل شاء أن يقضي على هذا العرف والقانون الجاهلي قضاءاً مبرماً لا مجال فيه للفتنة والفتوى بعدها ؟ فلم يكن من سبيل لذلك سوى أن يأتي البيان القاطع الشارع على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكان أن نزل الوحي بقوله عز وجل من سورة الأحزاب (الآية 37): [وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ] لاحظ هنا قوله عز وجل [فلما قضى زيد منها وطراً] ... وهو ما يفيد أن زيداً قد دخل بها وعاشرها معاشرة الزوج لزوجته . ولم يكن زواجه منها إسميا على الورق فقط . كما لم يكن زواجه منها مجرد عقد قران .... وبذلك يكون الأمر واضحاً جليا لعامة المسلمين إلى يوم الدين. ثم وجاء قوله عز وجل : (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا) ...... وتفسير ذلك أن المسلمين في تلك الفترة يجوز لاحدهم أن يتزوج من طليقة إبنه بالتبني حتى لو دخل بها المتبنى هذا وأنجب منها... وبذلك تم القضاء نهائياً في حينه على مسألة "التبني" وفق الشروك والإلتزامات التي كان عليها في الجاهلية. وفيما يتعلق بمصطلح "التبني" الذي يتداوله العامة اليوم فالمقصود به "الكفالة" دون إلحاق للطفل بنسب كفيله .... وعلى هذا النسق يجوز "كفالة اليتيم" أو "كفالة اللقيط" .. ولكن لا يعتد شرعاً أو قانوناً أو عرفاً بتبنيه على النحو الذي ساد في الجاهلية العربية أو المعمول به حتى يومنا هذا في غير الدول الإسلامية. وأما زيد بن حارثة فقد تزوج من إمرأة أخرى وأنجب منها ولده أسامة رضي الله عنهم أجمعين وظلا كلاهما على القرب والمودة والحنان الأبوي الذي أفاضه عليهما أشرف الخلق نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم .... وبذلك قضى الإسلام على عادة التبني نهائياً . وأصبح يطلق على "الكفالة" مسمى "التبني" مجازاً ... وأحياناً يطلق عليها "رعاية" و "تربية" شريطة أن يحتفظ الطفل بإسم أبيه وأمه . وأن لا يرث متبنيه ميراثا شرعيا . كما لا يجوز شرعاً أو قانوناً إعتباره/ إعتبارها واحداً من المحارم سواء في داخل المنزل أو خارجه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة