كان على الأكاديمي البارز أن يعود إلى الخرطوم بعد أن خاب مسعاه في الالتقاء برئيس وزراء ماليزيا..القصة بدأت حينما اقترح رئيس وزراء ماليزيا مساعدة السودان في إقامة جامعة معيارية بالخرطوم..ذاك الأكاديمي الذي تلقي شطراً من تعليمه بلندن تلقف المبادرة والتقى مسؤولاً رفيعاً جداً بالقصر الجمهوري قبل أن يحزم حقائبه ويسافر إلى هنالك ..قصر الرئاسة في ماليزيا كان قد طلب خطاباً من الخرطوم يطلب اللقاء مع رئيس الوزراء..البيروقراطية وتصفية الحسابات في الخرطوم تمنع إرسال تلك البرقية ..يعود البروفيسور بعد طول انتظار إلى السودان وتتراجع ماليزيا عن مبادرتها. قبل أيام أصدرت وزارة التربية مناشير تحظر تدريس بعض المقررات الدينية ذات العلاقة مع فقه التوحيد..الوزارة بررت رؤيتها بأن الدروس فوق المستوى العمري للتلاميذ..قبل أعوام قليلة كانت ذات الوزارة تحذف مواد تتحدث عن الأدب الشيعي ..عدت تلك المواد في ذاك التوقيت بأنها عبارة عن قلة أدب بعد التقارب مع الخليج وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران. حكاية المناهج كانت حاضرة قبل أيام خلال لقاء جمعنا مع الدكتور جعفر ميرغني ..حاولنا جذب الرجل الصامت إلى ورشة علنية لكنه استعصم بالبعد عن المنابر ..لكن دكتور ميرغني أشار إلى الحاجة الماسة إلى إصلاح في المناهج ..ربما كان العالم الجليل يشير إلى مفاهيم كلية أكثر من مجرد مقررات دراسية ..لكن مثل هذه الإشارة من رجل بمواصفات جعفر ميرغني تستحق التوقف والتدبر. واحدة من المشكلات التي تواجه التعليم العام هو الحمولة السياسية العالية التي تدار بها العملية التربوية ..قبل سنوات جاء وزير تربية وتعليم وسَرِّح ومرح في كل المقررات بدوافع الولاء السياسي.. تحولت المناهج في عهد ذاك الوزير إلى التلقين والتحفيظ ..بل أن الرجل كان يفخر أنه أخرج طه القرشي من المستشفى وفي ذلك إشارة إلى قصة في أحد كتب المدارس الابتدائية كان بطلها يحمل ذاك الاسم..لا أدري إن كان في الأمر مؤامرة أو جاءت التسمية بحسن نية..لكن حصاد تلك السياسة كان بائساً ..اختفت من المقررات حصص الفنون والموسيقى والرياضة والتدبير المنزلي وزادت معدلات التلقين والتحفيظ. منذ سنوات يعيش التعليم في اضطراب..تم من غير دراسة وافية إلغاء المرحلة المتوسطة وخصم عام من التعليم قبل الجامعي..بعد سنوات تحسست الحكومة الخلل ولكن صعب عليها العودة إلى المرحلة المتوسطة بعد أن تم تجفيف المدارس.. الآن كُتب المدارس تُطبع في فيتنام ثم تصل غير مطابقة للمواصفات ..حتى على مستوى التعليم العالي يثار سؤال حول جدوى تعريب التعليم العالي وهل توفرت كل مقومات إنجاح التجربة.. أين موقعنا من التعليم التقني ولماذا انتهى الحماس إليه بمجرد مغادرة بعض الرموز السياسية. بصراحة..مطلوب مؤتمر متخصص لمناقشة صلاحية مناهج التعليم الحالية..لا بأس أن نهتدي بتجارب دول حققت النهضة عبر تجويد التعليم..حينما بات مهاتير محمد رئيساً للوزراء ..أول ما فعله أن أرسل بعثة تعليمية ضخمة إلى دولة اليابان ..نحن بحاجة ماسة إلى جراحة تحرر التعليم من هيمنة السياسة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة