في السادسة عشر من عمري ؛ ساقني الفضول لدراسة السحر ، طبعا كانت دوافع المراهقة معروفة ، فتعلم السحر يعني أن كل الأبواب ستفتح أمامك ، المال والعاطفة على وجه الخصوص ، والسبب الجوهري الذي قدح في ذهني هذا الدافع هو أنني وجدت في مكتبة والدي الضخمة كنابا متوسط الحجم عن السحر ، كان عنوانه الجواهر اللماعة ﻹحضار ملوك الجن في الوقت والساعة ، هذا الكتاب يعتبر كتابا شاملا لعلوم السحر فهو يعلمك كتابة الطلسم وضرب المندل والتوافقات الفلكية مع أسرار الحروف وروابطها بالجن العلوي والسفلي والأدعية الموجهة إلى كبار ملوك الجن ومن أهمهم إبليس ، والكشف عن خدام الحروف والآيات القرآنية وعير ذلك، كان كتابا شيقا ، قضيت أشهر في قراءته ، وبعد أن أتممت فهمه ، اقتنيت أدوات السحر ؟ خاصة البخور بأنواعه الدمعة السائلة ، دم الأخوين ، العود ، الحزنبول ، ...الخ ، وبدأت في ممارسة السحر حتى أنني حصلت على إجازة من أحد الشيوخ ، في الواقع كانت الممارسة محبطة جدا ، فاكتشفت أن هذا السحر ليس في الواقع سحرا بل خزعبلات ، وأن القدر الإلهي هو الحقيقة المطلقة ، أما المفاهيم التي تثير فكرة كسر الناموس الكوني فهي ليست سوى أوهام طفولية ساذجة ، وبعد صبر وتأني توصلت إلى نتيجة حاسمة وهي أنه لا يوجد ما يسمى بالسحر ولا الجن ولا إبليس ، وأن هذه الكلمات جاءت كرمزيات في الطرح الديني كالرمز إلى الشر ، والظلمة والقبح وخلافه ، وفي أحسن الفروض والأحوال ، من الممكن أن تتجسد واقعا لقدرة إلهية في العالم الآخر أي عالم الحساب ، كما تتحدث أرجل الإنسان ويديه كاشفة عما اقترفه من جرم وظلم في الأولى. توصلت إلى هذه النتيجة بعد سنتين من تجربتي السحرية ، وألقيت الأمر وراء ظهري ، ملتفتا إلى دراستي القانونية ، قضيت أربعة عشر عاما في القاهرة وعدت راشدا ، وقد أفصحت الحقائق كلها عن وجهها أمام ناظري ، واستبانت السبيل في المسائل الميتافيزيقية ، وتحللت من ربقتها . ولكنني لاحظت بعد عودتي أن الشعب السوداني لا زال مرتبطا بتلك المفاهيم البالية ، ساقتني ظروف معينة إلى أحد الفكيا المشهورين مع أحد أصدقائي ، فوجدت قاعة فسيحة حشيدة بالخلق ، فمنهم من يعتقد بأنه ممسوس ، ونساء منهم من تعتقد أن امرأة أخرى عملت لها عمل ، وعوانس يبحثن عن الزواج ، ومجانين ، وخلقا كثيرا شاهدته فمنهم من يمشي على رجلين ومنهم من أعاقته الأقدار ومنهم المبصر ومنهم الأعمى ، وكانت الصالة تعج بأنواع البخور الذي أعرفه جيدا من تجربتي القديمة ، كان كل واحد من الناس يتقدم إلى الفكي فيضع بعض المال تحت خرقة تغطي الطاولة فيستمع له الشيخ باهتمام ثم يمنحه لفافة ورقية بها بخور وماء مقروء عليه ، ثم (يعزم) ، على رأسه ، أي ان يتلو بعض القراءات ، وهو يتفل على يديه ويمسح بها رأس الممسوس ، بعملية حسابية بسيطة فإن دخل هذا الفكي اليومي لا يقل عن عشرة آلاف جنيه (عشرة ملايين بالقديم) وثلاثمائة ألف في الشهر ، فتحسرت أيما حسرة على تركي للسحر وأوهامه فكم من موهوم لا يعالجه سوى مزيد من الوهم في هذا البلد المنكوب سياسيا وعقليا واقتصاديا وثقافيا وعلميا بل وحتى رياضيا ، لكن الأدهى من ذلك والأمر أن طبقات عليا من المجتمع من رجال السياسة والعلم تتشبث بأعطاف هذا الفكي الدجال وتستدعيه لقضاء حوائج ضد القدر الرباني ، وتحاول كسر الناموس الإلهي الذي تم تسطيره في الأزل ، وجدت أساتذة جامعات وأطباء ومهندسين ورجال دولة ، يتبعون الدجل ، بل بلغ الأمر ذؤابته برأس الدولة الذي ليس فقط يؤمن بهذه الأوهام بل يتبني السحرة ، والفكيا ، ويسجن بعضهم اعتقادا بأنه قد عمل له عملا سلبيا. لا أعرف يا سادة هل أضحك أم أبكي من هذا الجهل المستشري ، فكما يقول المثل ، القلم ما بزيل بلم ، كانت الشائعات تقول بأن جعفر نميري أيضا كان مؤمنا بهذه الخزعبلات ويجمع حاشية من الفكيا والسحرة ، ويقال بأن عصا البشير هذه مقروء عليها فإذا رفعها خضعت له الحشود والجماهير. يا سادة نحن في الألفية الثانية ، حيث وصلت المسابر الفضائية إلى كوكب المريخ ، وانتشرت التكنولزجيا فبتنا نحدث بعضنا البعض وملايين الكيلومترات تفصل بيننا ، وصار ما يحدث في دولة ما نراه عيانا بيانا في التو واللحظة ، وغير ذلك مما يكشف عن أن عقل الإنسان قد تجاوز حتى قدرات الشياطين ، ومع ذلك يعيش المجتمع السوداني بأغلبية ساحقة في عهود الظلام والإظلام العقلي ، حتى أن اقبح فتاة عندنا تعتقد بأنه قد تلبسها جن هندي ، ولا أعرف في الواقع لماذا ترك الجن الهندي الشقراوات الروسيات والأوكرانيات وجاء إلى فريق من فرقان الصحراء السودانية ثم تلبس هذه الفتاة من دون نساء العالمين (جن معندوش نظر) ، إن العالم اليوم في صدام غير متكافئ بين العقل والماورائيات ، حتى الفلسفة المثالية فقدت أوجها وصار أفلاطون من ذكريات التاريخ الفلسفي الآفل ، وكل ما هو مضاد للعقل يتآكل ، فالعلم هو المنتصر لا محالة في هذه الحروب والمعارك كما أكد ذلك نجيب محفوظ في أولاد حارتنا ، لا ظال رئيسنا يتبع الفكيا ، ووزيرنا يتبع الفكيا ، واستاذنا يتبع الفكيا والدجالين بل حتى أصغر خفير يؤمن بالدجل والشعوذة، بالله عليكم هل هذه أمة يرجى منها رجاء. قوموا إلى عقولكم يرحمكم الله. ************* 6ديسمبر2016 أبرز عناوين سودانيز اون لاين صباح اليوم الموافق 06 ديسمبر 2016
جميل أن تعود إلى هذا النوع من المقالات لأنك تبرع فيه ودع تخذيل الشباب والتكلم عن العصيان فمعظم هؤلاء الشباب ولدوا بعد الانقاذ في ظل كبت كبير للحريات حتى في الملبس والآن انتفضوا وأدركوا أن مستقبلهم في خطر وهذا اول الغيث حتى إذا لم ينجح مثل هذا النوع من المقاومة فعندها سيتبنون دعوتك وسيلجاون إلى الخطة (ب ).....أي عمل حتى لو يسقط شلة الحرامية ولكنه سيضعفهم ويرعبهم واجب علينا دعمه بشتى الوسائل المتاحة. شكرا المقال أعلاه حقيقة رائع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة