الجميع يتفقون أن التجربة الماليزية في التنمية تعد من أهم التجارب الاقتصادية في العالم ، فماليزيا نجحت في المزج بين اقتصاديات العولمة والاحتفاظ بنهج الاقتصاد الوطني لتتحول خلال فترة قصيرة من بلد يعتمد على تصدير المواد الاولية الى واحدة من أكبر الدول المصدرة للسلع والتقنية الصناعية في منطقة جنوب شرقي آسيا كماهو معلوم . تجربة النهضة في ماليزيا كانت صعبة في بداياتها نظراً لتعدد الأعراق داخل المجتمع الماليزي، ولكن رغم ذلك قرر الجميع أن يضع خلافاته جانباً ويهتم بنهضة ماليزيا. ورغم وجود العديد من الديانات المختلفة بها إلا أن الجميع شارك في التنمية وسياستها وابتعدوا عن الخلافات السياسية، وكان التحالف بين القوى السياسية في ماليزيا من العوامل الأساسية التي أدت إلى نهضتها وكذلك توفير فرص العمل للباحثين عنها والتوجه نحو التصنيع.
الغريب أن استضافة الخرطوم لمنتدى كوالا لامبور ورائد التجربة الماليزية الدكتور مهاتير محمد لم تصب قادة الحكومة وحزبها الحاكم بحرج يبلل وجوههم بماء الخجل جراء الكارثة الاقتصادية التي أدخلوا فيها البلاد والعباد الذين فقدوا الغذاء والدواء والماء والكلأ لخلو الخزينة العامة من الدولار بسبب النهب والسلب والفساد الذي تجلي في مظاهر الثراء الحرام لمحاسيب وأنصار النظام في الداخل والخارج من مصانع وثروات وفلل في آسيا وعواصم الخليج حسبما نشاهد ونرى . لم يتأمل قادة النظام الذين تابعوا باهتمام أحاديث مهاتير حال بلادهم ولم يقارنوا تلك الحال بماوصل إليهم غيرهم من نهضة في ظروف مشابهة . فالتردي الذي تشهده البلاد في شتى المجالات وانعكاس ذلك على المواطنين في كل تفاصيل حياتهم لم يجعل لقادة الإنقاذ واشياعهم من حجة بعد أكثر من ربع قرن أهدروا فيها موارد البلاد وأورثوها مواضع الهلاك بحيث لم يبقى أمامهم إلا وضع السودانيين بين سندان الغلاء وانعدام الدواء ومطرقة الملاحقات الأمنية للناشطين والمعارضين والأطباء والصيادلة والطلاب والنساء المطالبين بأبسط حقوقهم في الحياة فلا حلول غير مواجهة الرافضين والناقمين على سياساتهم بسياسة القمع والتخويف بجلب المليشيات الأمنية لإسكات أصوات المستضعفين . هذا الفشل وتلك الممارسات والملاحقات كشفت بوضوح أكذوبة مخرجات الحوار الوطني التي أسقطت تماما مطلب الحريات الأساسية والعدالة الاجتماعية ومعاش الناس وأبقت على الرشاوى السياسية والمناصب الوهمية والامتيازات المالية للمشاركين في الحوار من طلاب السلطة والمغيبين سياسيا وأصحاب الهوى . لو كانت الرئاسة جادة في توفير العملات الصعبة لمقابلة احتياجات المواطنين الماسة من دواء وغذاء لأقدم الرئيس على جمع كل من أتى السلطة فقيرا معوزا وأصبح ثريا يمتلك الشركات والمصانع والعقارات والمقاولات في دبي وماليزيا والخرطوم وغيرها من العواصم وطالبهم برد قسط من الأموال التي نهبوها من الخزينة العامة والموارد العامة التي وظفوها لمصالحهم الذاتية لتمويل احتياجات دواء المواطنين ببساطة لأنها موارد الشعب السوداني وأمواله التي كان يجب ان تنفق في تلك الحاجة . لوكان الرئاسة جادة في معالجة الأزمة لأمر الرئيس جهازه القضائي في تحصيل كل الأموال التي نهبت بسبب الفساد وفق تقارير المراجع العام . لوكانت الرئاسة جادة في معالجة الأزمة لأمر لرئيس بتقليص كافة الوظائف والامتيازات والمخصصات التي تهدر على أنصار النظام وتقتطع من حقوق الفقراء والأطفال . بعد ثمانية وعشرين عاما من حكم الإنقاذ المطلق الذي استباح كل شيء تحت مظلة التمكين لا يتوقع أهل السودان خيرا من نظام استهلك كل الشعارات واستخدم كل الأسلحة واستنفد كل الوعود ليبقى هو على تل من الخراب والكارثة الاقتصادية بشهادة بعض أنصاره الذين أيقظتهم نذر الأزمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة