سنحت لي الفرصة أن اطلع على قصة الأديب القاص الأستاذ يوسف عزت بعنوان "مساويط الرماد" على منبر سودانيز اون لاين وتعليق مقتضب عليها من الأديب فضيلي جماع. غصت القصة بالمفردات الدارفورية العميقة، والتي وصفت بعمق رحلة بحث امرأة تدعى مريم عن مسواط "شيء يساط به العصيد كالملعقة او ما شابه"، وخلال هذه الرحلة تم اجترار ماضي لتلك القرية التي امتلأت برماد الموت. حيث فقدت مريومة زوجها وجيرانها جراء الحرب.. ولم يبق سوى سبعون رجلاً من ضمنهم كشوم الذي نهبت إبله، وبات محل تندر وسخرية النساء، (العار). وانتهت القصة بأن مريوم أطعمت الرجال بعصيدة ساطتها بماسورة البندقية، وأطعمت ما علق بتلك الماسورة رضيعها، في رمزية على استمرار شر الحرب متوارثة في الأجيال القادمة والتي لا تبقي لهذه الأرض إلا الرماد والجوع بدل التنمية والرفاهية. لكنني شخصياً ظللت مهتماً باللوحة الفنية للسرد، واللوحات الفنية في القصة ليست رمزيتها فقط، ولكن كونها عكست ايضاً لغة تلك الثقافات، وأسلوب حياتها وطريقة تفكيرها، والحق يقال بأن القصة كانت ثرية من هذه الناحية -رغم قصرها- فهي أشبه بفيلم وثائقي. كان ذلك ما يهمني أكثر من رمزية القصة التي تشير بوضوح إلى شر الحروب، رغم عبقرية استخدام ثلاث عناصر رمزية جوهرية: المسواط(كرمز للجوع والرفاهية)، ماسورة البندقية (كرمز للحرب)، الطفل (كرمز لموروث العنف والحرب). رغم ذلك كنت مهتماً بأشياء مختلفة منها: مفردات تلك الثقافات، أسلوب الحياة، وطريقة التفكير، أي انني قرأت القصة للمرة الثالثة بعين سوسيولجي وليس بعين ناقد أدبي. وتمنيت في الواقع لو أن كل مفردة تم التأشير عليها برقم في المتن وبشرح لمعناها في الهامش، كما فعل أغلب شراح ومترجمو النصوص الملحمية مثل ملحمة جون ميلتون "الفردوس المفقود" أو الكوميديا الآلهية لدانتي أليجيري وغيرهم. غير أن هذه في الواقع ليست مهمة الكاتب بل مهمة شخص آخر غير الكاتب، وإن كان لا ينتقص من قدر الكاتب لو قام بها بنفسه. غير أن أبناء تلك الثقافة عليهم مسؤولية الاهتمام بأدبها، لنقلها للعالمية عبر مثل تلك القصة القصيرة العبقرية، والتي رغم قصرها كانت ثرية جداً. وإني اقترح على أبناء تلك الثقافة -وكل ثقافة- الاهتمام بتوثيقها لغوياً ككتابة الشروحات والقواميس الإشارية وسوسيولوجياً بدراسات وأبحاث استكشافية. وأتذكر بأنني اقترحت ذات الأمر على صديق من جنوب السودان ليوثق للغات المحلية التي أوشكت على الإنقراض بعد تمدد الحضارة في جنوب السودان. للأسف تبرع الخواجات ببعض تلك المهام الجليلة بدلاً عن أبناء تلك الثقافات، فأصبحنا نستقي تاريخنا من الآخر لا منا نحن، وهذه منقصة القادرين على التمام.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق August, 28 202
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة