عرض وقراءة في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) وتعقيب مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير عليها (1- 18)
بقلم بدر موسى
كنت عندما نشرت سلسلة مقالات بعنوان: " رؤية الأستاذ محمود محمد طه تجاه التنمية تثير حراكاً واسعاً: مقاربة د. عبد الله الفكي البشير بين آراء الأستاذ محمود محمد طه والبروفيسور أمارتيا سن تجاه التنمية تلهم المتخصصين في التنمية وتدفعهم لفتح باب المقارنات دون الاعتراف بالفضل"، في صحيفة التيار الغراء، خلال الفترة (24 مارس- 31 مارس 2022)، كنت قد وعدت القراء ببعث النقد الذي قدمته البروفيسور فدوى عبد الرحمن على طه، أستاذة تاريخ السودان الحديث والمعاصر، ومديرة جامعة الخرطوم سابقاً، لكتاب: (صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ)، 2013. سأشير له لاحقا بـ (محمود محمد طه والمثقفون)، وتعقيب المؤلف الدكتور عبد الله الفكي البشير عليها. وهأنذا اليوم أوفي بوعدي من خلال هذا الاستعراض والقراءة لذلك السجال المهم والعلمي والمتميز. وستكون هذه القراءة عبر (18) حلقة. وفي الواقع أني عندما وعدت القراء بذلك، لم يكن في خلدي أن كتاب (محمود محمد طه والمثقفون) سينشر في هذه الأيام في طبعته الثالثة. ولهذا فإن هذه الحلقات الـ (18) تكون، من حيث لا أدري، قد جاءت لتكون بمثابة الاحتفاء بالطبعة الثالثة للكتاب، التي ستصدر عن دار بدوي للنشر (ألمانيا) في جزئين، وكانت الطبعة الأولى للكتاب قد صدرت عن دار رؤية للنشر بالقاهرة عام 2013 في مجلد واحد وقع في (1278) صفحة. وقد وسمه البعض وقتها بأنه أكبر كتاب صدر في تاريخ السودان. فقد كتب عنه الأستاذ صديق محيسي، قائلاً: " أزعم أن الكاتب الباحث عبد الله الفكي البشير قدم للمكتبة السودانية مالم يقدمه كاتب وباحث سوداني قبله في تاريخ الكتابة في السودان ". (صديق محيسي، "أركيولوجية البحث في قضية محمود محمد طه 1-3"، صحيفة الراكوبة، 9 فبراير 2014).
ما هي مناسبة الوعد؟
كنت في سلسلة المقالات المشار إليها أعلاه، قد تناولت موقف الدكتور قصي همرور العدائي، بلا حق، من كتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير الذي صدر مؤخراً بعنوان: (أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، وقد شاركه في العداء، بلا حق كذلك، الدكتور عمر القراي والدكتور محمد جلال هاشم. وقد بينا عدم أحقيتهم في ذلك العداء، وشا ركنا البعض في الرأي، كما عبر الكثيرون عن احتفائهم بالكتاب، وزاد الاهتمام بالكتاب، على عكس ما كان يهدف إليه الثلاثي: القراي ومحمد جلال، وقصي. لقد كان تقييمهم للكتاب "مجلياً"، وكان الكتاب أكبر من تصوراتهم وتوقعاتهم، كما أنهم لم يمنحوه استحقاق القراءة قبل الحديث عنه، وكان هذا واضحاً عندما تحدثوا عنه. فلقد اكتفوا بتبادل التشاور حوله والشراكة في التقييم، وقد أشار الدكتور محمد جلال لذلك، قائلاً: إن كل ما قاله (في أولى ندوات تدشين الكتاب) تم بالتشاور مع الدكتور قصي. وكان واضحاً أنهم جاءوا لندوة التدشين في 15 أكتوبر 2021 دون قراءة الكتاب. الأمر الذي أوقعهم في خطأ فظيع، وهو أنهم، ويا للأسف، نقدوا الكتاب بما جاء فيه. وبعد أن تبين كل هذا، كنت أتوقع منهم أن يتقدموا بالاعتذار للدكتور عبد الله، ولكنهم لم يفعلوا، وآثروا المكابرة والتعالي، وفي تقديري، من يتعالى على الاعتذار تذهب أنواره، فالاعتذار من شيم الكبار، ومن سمات المنحازين للحق. بل الأدهى، أن الكتاب وبعد أن وجد الاحتفاء والاهتمام الكبير، وتجري الآن طبعته الثانية، فإن منهم من طمع الآن في الاستحواذ على الكتاب، والغرف منه، وترسم طريقه، بدون أن يعطي الكتاب أو مؤلفه الدكتور عبد الله ميزة الذكر. وهذا فعل مشين. في تناولي لعداء الدكتور قصي لكتاب (أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية) أشرت إلى أن عداءه ليس جديداً، فقد بدأ مع صدور كتاب (محمود محمد طه والمثقفون). وهو الكتاب الذي أحدث انقلاباً في الدراسات السودانية. ففي الوقت الذي وصف البروفيسور عصام البوشي، مدير جامعة ود مدني الاهلية، السودان، كتاب عبد الله الفكي البشير، قائلاً: "الكتاب الذي بين أيدينا كتاب عظيم وجليل وخطير.. وهو كتاب يقف بنا في مفترق الطرق، ويؤرخ لمرحلة جديدة وفريدة في كتابة وصناعة التاريخ".. مضيفًا بان: "هذا الكتاب ذو طبيعة موسوعية غطت ما أهمله المؤرخون، عمداً أو سهواً، وما أخفاه أو تخطاه الأكاديميون والباحثون جهلاً أو خوفاً أو حسداً. وهو بذلك حرِيٌ بأن يكون "المرجع" (المعرف بالألف واللام) لكل من يود الكتابة عن الأستاذ محمود محمد طه منذ اليوم". ووصف البروفيسور عبد الله علي إبراهيم للكتاب، قائلاً: "هذا كتاب فحل"، علاوة على قوله: "هذا الكتاب هو ثورة"، وتعليق البروفيسور يوسف فضل حسن عندما استلم نسخته من الكتاب، قائلاً: "هذا ليس بكتاب، هذا انقلاب". وإشادة واحتفاء الدكتور حيدر إبراهيم بالكاتب، قائلاً: "يعطي المؤلف درساً في التوثيق المحكم واليقظ والمتابع. إذ يبدو وكأنه يريد أن يقول: لن أفرط في الكتاب من شيء... إن الكتاب في حقيقته هو محاكمة للمثقفين السودانيين، والأكاديميين، والإعلاميين، وكل من ساهم في تجاهل الأستاذ محمود، أو تعمد إخفاء سيرته، ومساهمته المقدرة والمميزة". فما هو موقف قصي من كتاب عبد الله: محمود محمد طه والمثقفون؟ لقد أوضحت مقالي السابق بأننا لم نقرأ للدكتور قصي ولم نسمع منه شيئاً عن كتاب عبد الله (محمود محمد طه والمثقفون)، إلا بعد أن نشرت البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه نقداً للكتاب، جاء بعنوان: "نقدٌ وتوضيح لما ورد عن بعض الأطروحات الجامعية في كتاب الأستاذ عبد الله الفكي البشير: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، رؤية للنشر والتوزيع القاهرة 2013"، ونشرته في 7 يناير 2015. فما أن نُشر النقد للكتاب، إلا وحضر الدكتور قصي في الساحة، وكأنه كان ينتظر النقد والنيل من الكتاب، والتخطئة لعبد الله، فكتب متعجلًا يقول: "لم أقرأ للبروفيسورة فدوى عبد الرحمن قبل اليوم، لكني أرى مقالها أعلاه غاية في الأناقة والدّرَبة المنهجية، ولست على دراية بصحة ودقة محتوى التوثيق فيه، لكني أفترض فيه الصحة حتى الآن، فليس عندي أي سبب الآن لافتراض العكس... إلخ". وأضاف قصي، قائلاً: "بعد مرحلة الإشادة بالكتاب، وبالمجهود الضخم الذي بذله أخانا عبد الله الفكي البشير، تأتي مرحلة التفاعل النقدي الجاد في مثل هذا المستوى... إلخ". ثم ألتفت معلناً تشوقه لقراءة تعقيب عبد الله، إذ كتب، قائلاً: "أتشوق لقراءة تعقيب أخي وصديقي عبد الله الفكي، فما أراه أن هذا المقال يخاطب عبد الله في مستوى الاحترام الأكاديمي الذي يستحقه بجدارة، وعليه أتوقع أن يكون عبدالله سعيدا بهذا المقال ومتحمسا للتجاوب معه بنفس القدر من الأناقة المنهجية". سأواصل في الحلقة القادمة...
عرض وقراءة في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) وتعقيب مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير عليها (2-18)
بقلم بدر موسى
الكشف عن الجهل بدور الأستاذ محمود في تاريخ السودان
إن قول الدكتور قصي همرور: "لم أقرأ للبروفيسورة فدوى عبد الرحمن قبل اليوم، لكني أرى مقالها أعلاه غاية في الأناقة والدّرَبة المنهجية، ولست على دراية بصحة ودقة محتوى التوثيق فيه، لكني أفترض فيه الصحة حتى الآن، فليس عندي أي سبب الآن لافتراض العكس"، قول يكشف عن جهل كبير بدور الأستاذ محمود في تاريخ السودان، وعن جهل بحجم وطبيعة العمل الذي قام به. كما يكشف القول كذلك عن عجلة قائلة ومكابرته، بل يعبر عن قصر نظره وانخفاض سقف تصوره تجاه الفكرة الجمهورية، وتجاه الكتاب ومستقبله، كون الكتاب أحدث انقلاباً في الأكاديمية السودانية، وفجر ثورة في العديد من المجالات، منها على سبيل المثال، لا الحصر، تاريخ السودان السياسي، والعلوم السياسية، والعلوم الاجتماعية، والدراسات الفكرية، ودراسات المرأة، ...إلخ. بل جعل من دور الأستاذ محمود محمد طه ورؤيته تجاه السودان، بمثابة البوصلة التي تحدد مسار القراءة للتطور السياسي والفكري في السودان. وأذكر أن العديد من المثقفين عبروا عن أنهم بعد صدور كتاب عبد الله هذا، قد صاروا لا يقدمون على الكتابة عن الأستاذ محمود أو عن الفكر الجمهوري، أو عن مسار السودان السياسي، أو الفكري، إلا والكتاب بجوارهم، يستشيرونه، ويدققون معلوماتهم على ضوء ما جاء فيه. للأسف لم يكن الدكتور قصي مدركاً لكل هذا، بل ظل يكابر حتى بعد تعقيب الدكتور عبد الله على البروفيسور فدوى. الشاهد: لم تمر أيام قليلة، إلا وجاء تعقيب عبد الله على نقد البروفيسور فدوى، فكان ، في تقديري، زلزالاً هز كل أركان العلوم السياسية والفكرية والدراسات التاريخية والعلوم الاجتماعية، والمؤسسات الأكاديمية والبحثية. وفي تقديري الخاص، أن عبد الله بكتابه وتعقيبه على البروفيسور فدوى، قد أشعل الثورة في سماء السودان، وفي عقول شبابه ومثقفيه. جاء رد عبد الله في ثلاث حلقات بعنوان: "تعقيب على البروفيسور فدوى عبد الرحمن على طه: التنقيب عن (ما بعد التاريخ المعلن) في صحائف المؤرخين وإرث الأكاديميا السودانية". ولقد كان تأثير التعقيب، الذي وعدت بعرضه وبعثه كاملًا، كبيراً وأحدث دوياً عاتياً، وسأكتفي هنا بشهادة أكبر أستاذ لتاريخ السودان الحديث والمعاصر، البروفيسور حسن أحمد إبراهيم، أستاذ كرسي تاريخ السودان بكلية الآداب، جامعة الخرطوم، والذي ظهر، في تقديري، بأكبر قامة للتواضع أمام كتاب عبد الله. (لقد سبق وأن نشر الدكتور عبد الله شهادة البروفيسور حسن وتعليق البروفيسور عصام البوشي عليها في صالون الإخوان الجمهوريين بصورة خاصة لحين نشره في صدر الطبعة الثالثة التي ستخرج من المطبعة خلال اسبوعين). فبعد أن أطلع البروفيسور حسن على حلقات عبد الله في الرد على البروفيسور فدوى، كتب إلى الدكتور عبد الله، قائلاً: "أطلعت بِحِرْصٍ شدِيدٍ علي المقَالات الثلاث التي أَجدها محقة في ما ذهبت إِليه من قُصورٍ في الدراساتِ السُّودانيَّةِ وفجوة لابد من الاعتراف بِها والتداعي لسدها بدلا من دفن رؤُوسِنا في الرمال. ولا أَدرِي لماذَا يُكَابِر الناس حيث أَن ما قلته في سفرِك القيَّم عين الحقيقَة. أَشكرك علَي لفت نظَرِنا جميعاً لهذا الأَمر المهم. لك الود والتقدير". وهذه شهادة كبيرة ومن عالم كبير، وقد علَّق البروفيسور عصام عبد الرحمن البوشي، مدير جامعة ود مدني الأهلية، السودان، على شهادة حسن أحمد إبراهيم أعلاه، قائلاً: "قِلَادَةُ شَرَف لك، وَاِعْتِرَاف عَالِم انْحنَى للحق". وقد جاء تعليق الأستاذ عصام على شهادة البروفيسور حسن أيضاً في صدر الطبعة الثالثة. وبعد كل هذا جاء الدكتور قصي، وبعد أن قرأ تعقيب عبد الله "المزلزل" على البروفيسور فدوى، فكتب، قائلاً: لا أزال عند موقفي بأن الحزب الجمهوري اختار هيكل الحزب السياسي العام... إلخ. وقد أدهشني قول قصي في ذلك الوقت، ولا يزال يدهشني، لشدة المكابرة والتعالي على الحق. لقد ظللت أردد بأننا في حاجة لبعث فضيلة الرجوع إلى الحق في المجتمع الجمهوري. فمن يستعصى عليه الرجوع إلى الحق يكون قد فقَد الكثير، كون عدم الرجوع إلى الحق يسلب الفضائل، كما أن أنوار الحق لا تصدر من المتعالي غير المتواضع، الناكر للحق. كان ما سبق في تبيين لمناسبة وعدي ببعث نقد البروفيسور فدوى وتعقيب الدكتور عبدالله عليها، وتقديم عرض وقراءة وملاحظات حوله. إلى جانب ذلك سأحاول الوقوف على مدى استفادة البروفيسور فدوى من تعقيب عبدالله، وإلى مدى ساهم تعقيب عبدالله في كشف ما عبر عنه البروفيسور حسن أحمد إبراهيم، وبكل تواضع، وهو "قُصورٍ في الدراساتِ السُّودانيَّةِ وفجوة لابد من الاعتراف بِها والتداعي لسدها بدلا من دفن رؤُوسِنا في الرمال..."، وشكر عبدالله، وهذه شيمة العلماء والكبار، على لفته الانتباه لهم على ذلك. ففي تقديري، نجح عبدالله في الكشف عن دور الأستاذ محمود في الحركة الوطنية، ونضاله ضد الاستعمار، وفي مسار السودان السياسي والفكري، وفي بيان موقفه كذلك من قضية جنوب السودان. فإلى أي مدى استفادة البروفيسور فدوى من تعقيب الدكتور عبدالله على نقدها؟ وحتى أجيب عن هذا السؤال، فإنني سأركز على مساهمتين قدمتهما البروفيسور فدوى، بعد نشرها للنقد وتعقيب الدكتور عبدالله عليها. وقد قدمت البروفيسور فدوى المساهمتين في منبرين مختلفين، وكانتا مبثوثتان في الفضاء:
المساهمة الأولى: كانت عبارة عن لقاء تلفزيوني في برنامج الوراق تم في حلقتين مع البروفيسور فدوى، وكان موضوعه: "قراءات نقدية في تاريخ السودان الحديث مع البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه":
المساهمة الثانية: استضافة المنبر الصحفي بطيبة برس للبروفيسور فدوى عبدالرحمن علي طه في ندوة صحفية حول الأسباب التاريخية لانفصال جنوب السودان، وذلك تحت عنوان (حتى لا نفقد جنوبا آخر)، وعقب علي الندوة كل من: المهندس عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني، و دكتور محمد الامين خليفة، القيادي بالمؤتمر الشعبي، وذلك في يوليو 2019. من خلال هاتين المساهمتين سأقدم قراءة توضح إلى أي مدى استفادت للبروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه من نقدها لكتاب: محمود محمد طه والمثقفون، وتعقيب مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله عليها. سأواصل في الحلقة القادمة...
عرض وقراءة في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) وتعقيب مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير عليها (3-18)
بقلم بدر موسى
نشرت البروفسور فدوى عبد الرحمن علي طه نقدها بعنوان: "نقدٌ وتوضيح لما ورد عن بعض الأطروحات الجامعية في كتاب الأستاذ عبد الله الفكي البشير: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، رؤية للنشر والتوزيع القاهرة، 2013"، ونشرته في صحيفة سودانايل الإلكترونية (7 يناير 2015)، وفي صحيفة الرأي العام السودانية (11 يناير 2015)، كما نشرته مواقع أخرى على شبكة الانترنت. كما وسم الدكتور عبد الله الفكي البشير تعقيبه بعنوان: "تعقيب على البروفيسور فدوى عبدالرحمن على طه: التنقيب عن "ما بعد التاريخ المعلن" في صحائف المؤرخين وإرث الأكاديميا السودانية". وجاء في ثلاث حلقات، نشرت في صحيفة الرأي العام وفي صحيفة سودانايل الإلكترونية خلال الفترة ما بين 25- 30 يناير 2015. استهل عبدالله تعقيبه على نقد البروفيسور فدوى بالترحاب الحار، معبرًا عن سعادته، وأمله في أن يكون نقدها فاتحة لحوار جديد، فكتب قائلاً: وقفت، بسرور كبير، على مقال البروفيسور فدوى عبدالرحمن على طه، الموسوم بـ: "نقدٌ وتوضيح لما ورد عن بعض الأطروحات الجامعية في كتاب الأستاذ عبد الله الفكي البشير: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، رؤية للنشر والتوزيع القاهرة، 2013"، والذي نشرته، بموقع سودانايل على الإنترنت. في 7 يناير 2015، ونشر المقال كذلك في صحيفة الرأي العام، بعنوان: الفهم الجديد للإسلام.. قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، في يوم 11 يناير 2015. إن أهمية المقال وقيمته، لا تكمن في كونه قدم نقداً لكتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، فحسب، وإنما تكمن، كذلك، في أن كاتبته، أكاديمية متخصصة في التاريخ الحديث والمعاصر، ولها منشورات: كتب وأوراق...إلخ، وإسهامات مقدرة في الإشراف على طلاب الدراسات العليا في تاريخ السودان السياسي.
دعوة عبدالله إلى حوار جديد عن الأستاذ محمود محمد طه ومشروعه
شكر عبدالله البروفيسور فدوى، على اهتمامها بالكتاب، وحرصها على اقتنائه، وإنفاقها الوقت في قراءته وتأمله ونقده، ووصفها له، بأنه "يشكل إضافة مهمة للمكتبة السودانية لما ورد فيه من توثيق للمفكر الراحل الأستاذ محمود محمد طه". وأكد عبدالله إن كتابة البروفيسور فدوى لهذا المقال، تؤكد أن دخول الأكاديميين، في الساحة بالنقد والتوضيح، لما ورد في كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، والكتابات التي على شاكلته، أننا أمام حوار جديد عن الأستاذ محمود ومشروعه. وقوام هذا الحوار الجديد كما ذكر: الانفتاح على الإرشيف، وبعث الوثيقة واستنطاقها، واعمال الحس النقدي، والخيال التاريخي. واشكرها أيضاً، كونها بهذا المقال النقدي، اتاحت الفرصة لفتح مواجهات علمية بشأن الكتاب، وهي مواجهات مطلوبة، ومستحقة، وندعوا لتوسيعها، في سبيل خدمة التنوير وتنمية الوعي والتحرير والتغيير. بالطبع ليس الغرض من المواجهات العلمية، شخوص الأساتيذ والأستاذات والطلاب والطالبات، وإنما بناء شراكات لإجراء المراجعات النقدية، والنظر وإعادة النظر، في تاريخ السودان، خاصة تاريخ الحركة الوطنية السودانية، وإنتاج وإرث الأكاديميا السودانية.
ولم ينس عبدالله أن يشكر كذلك الأخت إسراء أحمد علي قنيف، التي لم يكن قد تشرف بمعرفتها، على تكبدها مشاق البحث عن الكتاب، والحصول عليه، وتحملها لنفقته، كما أشارت البروفيسور فدوى. فقد ساهمت إسراء، بذلك في إثراء هذا الحوار.
اعتذار عبد الله للقراء والقارئات من خلال ملاحظة أولية
استبق عبدالله رده باعتذار لقرائه بأن هذا التعقيب سيكون مطولاً نسبياً، لهذا فسيأتي في ثلاث حلقات. معللًا بأن ذلك يعود إلى أن البروفيسور فدوى، في نقدها وتبريرها بأنها: أطلقت أحكاماً، لا تتماسك أمام الوقائع والأحداث الموثقة. كما أطلقتها بدون احتراز منها، بأن تقول مثلاً: (حسب علمي as far as I know). ولهذا يقول الدكتور عبد الله كان لابد من تفنيد تلك الأحكام وفقاً للأسس العلمية، للتصحيح، ولتنقية المناخ العام منها. وهذا ما تطلب منا الإتيان بالوقائع والأحداث الموثقة، بشيء من التفصيل.
حجج البروفيسور فدوى ودفوعاتها
ثم تساءل عبدالله عما إذا كانت حجج، البروفيسور فدوى، ودفوعاتها: (دقيقة وواضحة، وشافية، ووافية، وعلمية، كما يتبدى، من الوهلة الأولى، للقارئ غير المختص، أو للقارئ المختص الذي لا يعلم، أو للقارئ المختص المُسلِّم بما هو معلن من التاريخ)؟ أم أن المقال نفسه، لم يكن إلا تأكيد لما ذهب إليه كتابه: "الأستاذ محمود والمثقفون"، وتأكيد حقيقة أن: (التهميش والتغييب وبتر المعارف، واقع ماثل في إرث الأكاديميا السودانية)؟ والحق أن المقال، بدفوعاته وأطروحاته، ما هو إلا تأكيد، لما خلص إليه الكتاب. بل إنه، وبما تضمنه من دفوعات واطلاق أحكام، وكما قال عبدالله: (شهد بنفسه على نفسه، بدون قصد أو عمد، بأنه حلقة من حلقات التغييب)، كما سنرى تفصيله لاحقاً.
التغييب والتجاهل والتهميش عمليات تراكمية ومتداخلة
كتب عبدالله يقول: (لامس مقال البروفيسور فدوى، موضوعات ناقشها كتاب: "الأستاذ محمود والمثقفون"، في ستة فصول، من جملة ثمانية عشر فصلاً، والفصول الستة هي: الفصل الثاني "قراءة في الدراسات السابقة: مرحلة الفقهاء (تعطيل الطاقات الحيوية وتجميد حركة التغيير والتحرير)"، والفصل الثالث عشر: "الأستاذ محمود والأكاديميا السودانية: قراءة في نماذج من الرسائل الجامعية- الدكتوراة والماجستير (التهميش والبتر للمعارف والعزل عن ميدان البحث العلمي)"، والفصل الرابع عشر: "قراءة في كتب تاريخ الحركة الوطنية وكتب أخرى- دراسة في 18 نموذجاً من الكتب- (الطريق نحو ما بعد التاريخ المعلن)"، والفصل الخامس عشر "الأستاذ محمود في التراجم والمعاجم وموسوعات الأعلام السودانية"، والفصل السادس عشر: "الأستاذ محمود في مذكرات معاصريه"، والفصل السابع عشر : "الأستاذ محمود والمفكرون الإسلاميون: محمد أبو القاسم حاج حمد نموذجاً".وخلص الكتاب في دراسته من خلال هذه الفصول الستة، بأن الأصل في الموقف من الأستاذ محمود ومشروعه، هو التغييب والتجاهل، مع التفاوت في أسباب التغييب وفي طبيعته وتجلياته، إلى جانب التغييب مع الانتحال والنهب لأفكاره، في حالة الفصل السابع عشر. ويمكن مراجعة تفاصيل ذلك في الكتاب).
الطلاب ضحية ونتيجة علينا البحث في جذور الأسباب لا النتائج
أكد عبدالله في تعقيبه أن التغييب والتهميش والبتر للمعارف قد تسرب إلى إنتاج وإرث الأكاديميا السودانية، من روافد عديدة، منها، كما قال: (المذكرات والسير الذاتية للقادة والساسة، ومن كتب مؤرخي الحركة الوطنية، وتاريخ السودان السياسي، فكان الطلاب ضحية لعملية تراكمية في إطار ما هو معلن من التاريخ، وهم أيضاً آخر حلقة من حلقات تلك العمليات. إن أمر تغييب الأستاذ محمود وكتبه وبياناته وندواته ومحاضراته... إلخ، وكتب (الإخوان الجمهوريين)، وتغييب نضاله ومواقفه وتهميش القضايا المركزية التي واجهها، في مصادر ومراجع أطروحات الدراسات العليا، واقع ماثل ومتوارث. فكتب السير الذاتية ومذكرات القادة والساسة، وهي من أهم مصادر دراسة التاريخ السوداني، ويعتمد عليها الأساتذة والطلاب بشكل أساسي، غيبت الأستاذ محمود وغيبت دوره الكبير في الحركة الوطنية، ونضالاته وسجونه في سبيل طرد الاستعمار، كما غيبت المحاكمات التي واجهها، لا سيما محكمة الردة، نوفمبر 1968، وهي من أخطر القضايا في تاريخ السودان. إن تغييب محكمة الردة ليس أمراً ثابتاً، في السير الذاتية ومذكرات القادة والساسة بصورة عامة، فحسب، وإنما غابت محكمة الردة في السير الذاتية لطاقم الحكومة الديمقراطية خلال الفترة ما بين 1965- 1969، والتي في عهدها تمت محكمة الردة، في نوفمبر 1968، إذ لم يرد ذكرٌ لها في مذكرات رئيس الوزراء، محمد أحمد المحجوب وهو القاضي والمحامي السابق، أو في مذكرات نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، الشيخ علي عبدالرحمن الأمين، أو في مذكرات وزير العدل عبدالماجد أبو حسبو، الذي كان وزيراً للإعلام والشؤون الاجتماعية أيضا، ولم يرد لها ذكرٌ في مذكرات عضو مجلس السيادة السيد خضر حمد، وغيرهم. تسرب التغييب إلى جل كتب تاريخ الحركة الوطنية وتاريخ السودان السياسي، وتسرب كذلك إلى كتب التراجم والمعاجم وموسوعات الأعلام السودانية. سأواصل في الحلقة القادمة...
عرض وقراءة في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) وتعقيب مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير عليها (4- 18) بقلم بدر موسى
أكثر نماذج التغييب والبتر للمعارف نصاعة في سجل الأكاديميا السودانية
فصل عبدالله وبين كيف أن التغييب، والتهميش، وبتر المعارف، والتنميط للصورة، قد وجد طريقه إلى عقول الأساتذة والطلاب، مع غياب الانفتاح على الإرشيف، وعدم اعمال الحس النقدي، ثم التسليم لما هو معلن من التاريخ،. فغاب لكل ذلك اسم الأستاذ محمود، مثلما غابت كتبه وبياناته ومحاضراته ومقالاته... إلخ، وكذلك غابت كتب الإخوان الجمهوريين، في معظم كتب الأساتذة وأطروحات الطلاب. أكثر من ذلك، كمًا أثبت عبدالله: (فإن التغييب والتهميش وبتر المعارف في جامعة الخرطوم، أعرق الجامعات في السودان، بلغ مرحلة أن اشترطت إحدى لجان الامتحان، المكونة من كبار أساتذة الجامعة، على أحد طلاب الماجستير (1998)، بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، تغيير الإهداء الذي كتبه الطالب للأستاذ محمود، والغاء ما جاء عن الأستاذ محمود في متن أطروحته، كشرط أساس لقبولها. ولم يكن أمام الطالب، وهو تحت رحمة سلطة أكاديمية - لجنة الامتحان- جائرة ومفارقة للقيم الأخلاقية والالتزام الأكاديمي، إلا أن يستجيب لتلك الشروط، حتى تجاز الأطروحة ويمنح الدرجة العلمية، فاضطر الطالب مجبراً غير راضٍ، إلى تغيير الإهداء والغاء ما جاء عن الأستاذ محمود في متن أطروحته، فقبلت أطروحته، ومنح الدرجة العلمية). هذه القصة بكل تفاصيلها الموثقة، يمكن الاطلاع عليها، في الفصل الثالث عشر المشار إليه أعلاه.
الأستاذ محمود وموقف الأكاديميا السودانية والأسئلة المركزية
في الفصل الثالث عشر من كتابه تناول في دراسته موقف الأكاديميا السودانية من الأستاذ محمود ومشروعه، من خلال نماذج من الرسائل الجامعية - الدكتوراة والماجستير، وبين الخطوات المنهجية التي اتبعها في الدراسة،والتي حددها بالتعريفات، واختيار العينات... إلخ. فكتب في تعقيبه يقول: اخترت جامعة الخرطوم نموذجاً للأكاديميا السودانية لأسباب عددتها. كما حددت وفصلت المجالات التي سأدرسها، وهي المجالات التي قدم فيها الأستاذ محمود محمد طه إسهامات عملية وعلمية ومواقف وعطاءات وطنية موثقة في كتبه وبياناته ومقالاته ومحاضراته.. إلخ، وكتب الإخوان الجمهوريين وبياناتهم، وفي إرشيف السودان. وأوضحت بأن معالجتي لموقف الأكاديميا السودانية وأساتيذها من الأستاذ محمود ومشروعه، تنطلق من عدة أسئلة، منها: هل كان الإنتاج الفكري للأستاذ محمود وإسهاماته في الحركة الوطنية، والفكر الإسلامي، المرأة...إلخ، ميداناً للدراسات الأكاديمية؟ ما هو موقف الأكاديميا السودانية من محاكمة الأستاذ محمود بالردة عن الإسلام في عام 1968م وفي عام 1985م؟ هل كانت أي من المحاكمتين موضعاً للدراسة من قبل الأكاديميين أو موضعاً للدراسات الأكاديمية أو الدراسات العليا؟ وما هو موقف الأكاديميا السودانية من تنفيذ حكم الإعدام على الأستاذ محمود عام 1985م، هل كان الحكم موضعاً لدراسة الأكاديميين أو موضعاً لتوجيه طلابهم لدراسة المحاكمة أو تنفيذ حكم الإعدام؟ هل كانت الدراسات الأكاديمية تشير أو تستشهد بآراء الأستاذ محمود في المجالات التي كانت له فيها إسهامات منشورة؟ هل تضمنت قوائم مصادر ومراجع الدراسات الأكاديمية إشارة للأستاذ محمود في المجالات التي كانت له فيها إسهامات منشورة، أم أنها خلت من الإشارة إليه؟... إلخ، كما هو مفصل في الفصل الثالث عشر.
الأطروحات الأربع وخلط الأوراق وتداخل المعلومات
على ضوء ما تقدم ذكره، درس عبدالله (32) أطروحة جامعية، وقد تضمنت بالطبع، أطروحات في مجال تاريخ السودان السياسي، كان من بينها أربع أطروحات أشرفت عليها البروفيسور فدوى، الأمر الذي دفعها لنشر مقالها، وبيَّنت، قائلة: "يتناول هذا المقال بالنقد والتوضيح ما ذكره مؤلف الكتاب عن أطروحات أشرفتُ عليها وأجيزت في كلية الدراسات العليا تطرق لها بين الصفحات 774 – 828 من الباب الرابع الفصل الثالث عشر، الأستاذ محمود والأكاديميا السودانية قراءة في نماذج من الرسائل الجامعية (الدكتوراه والماجستير)". يقول عبدالله: (كانت الأطروحات التي أشرفت عليها البروفيسور فدوى، والمشار إليها، أربع أطروحات في مجال تاريخ السودان السياسي، بيد أن البروفيسور فدوى، داخلت بين المعلومات وخلطت بين الأمور، بما يخدم موضوعها، خلطاً عقد الأمر على نفسها وعلى القراء وعليَّ، لهذا لابد من التبيين والتوضيح والفرز لما ورد في المقال). وأضاف بأن البروفيسور فدوى، وهي تناقش في أمر الأطروحات الأربع التي أشرفت عليها، (استدعت، وفي اطار نقدها وتوضيحها، الدكتور محمد سعيد القدال، والدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه، وما ورد لدى كل منهما في كتاب من كتبه عن الحزب الجمهوري والأستاذ محمود، واستدعت كل ما يمكن أن يسعف، مما جاء في الأطروحات الأربع، على ندرته، عن الحزب الجمهوري والأستاذ محمود، بما في ذلك إضافتها لأطروحتين أخريين في تاريخ السودان السياسي، كانت قد أشرفت عليهما، ولم يكونا ضمن العينات التي درستها. واستدعت كذلك ما قالته في المؤتمر السنوي للدراسات العليا والبحث العلمي، جامعة الخرطوم، 25 - 28 فبراير 2013، فهل ساعد الاستدعاء لكل هذه الأطراف، في دحض ما خلص إليه كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، بشأن التغييب)؟ أجاب بأن كل ذلك لم يساعد إلا على تأكيد التغييب. فقد دفعت البروفيسور فدوى، بما قالته تلك الأطراف عن الحزب الجمهوري والأستاذ محمود، ومزجت بين هذه الأقوال مع معلوماتها، عن الحزب الجمهوري والأستاذ محمود، على قلتها، فدفعت بها ضمن دفوعاتها وتبريرها، فأوحي كل ذلك في ساحة المقال بأن هناك حضوراً كبيراً للأستاذ محمود والحزب الجمهوري في أطروحات الطلاب، والأمر غير ذلك، وسنرى. الأطروحات الأربع والحاجة لعمليات فرز الحقائق والمعلومات
كتب عبدالله يقول: (لن ألجأ إلى الخلط وإنما سأسعى لتبيين الأمور حتى ننجح في بناء شراكة بين المختصين والقراء من أجل النظر وإعادة النظر فيما هو مطروح في ميدان النقد. تهيكلت مجادلتي بشأن الأطروحات الأربع،بناء على ما جاء في مقال البروفيسور فدوى، في أربعة محاور، هي: أولاً: الأطروحات الأربع والإشارات للأستاذ محمود والحزب الجمهوري. ثانياً: الأطروحات الأربع وغياب المصادر الأولية Primary Sources ثالثاً: استدعاء البروفيسور فدوى للدكتور القدَّال والدكتور فيصل. رابعاً: الأطروحات الأربع وتجليات التغييب.
أولاً: الأطروحات الأربع والإشارات للأستاذ محمود والحزب الجمهوري
نظر عبدالله في أربع أطروحات جاءت ضمن العينات التي درسها كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون. والأطروحات الأربع، كما جاء في مقال البروفيسور فدوى: 1. أطروحة أشارت للأستاذ محمود والجمهوريين، نقلاً عن آخرين، وليس استناداً على المصادر الأولية. 2. وأخرى خلت من ذكر الحزب الجمهوري لعدم ممارسة الحزب للعمل السياسي وضآلة وضعف دوره في الحركة السياسية السودانية، حسب رأي المشرفة. 3. وأطروحة ثالثة لم يرد فيها ذكر للحزب الجمهوري، لأن الأطروحة، حسب المشرفة، تناولت مداولات الأعضاء الجنوبيين في برلمانات ولجان ومجالس محددة ولا تتحدث عن دور الزعماء السياسيين ورؤيتهم لمشكلة الجنوب ولم تورد أي رأي لحزب آخر وموضوعها محدد. 4. والأطروحة الرابعة لم تذكر الحزب الجمهوري - حسب المشرفة - لأن الأطروحة ذكرت فقط الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية التي تناولتها في بحثها ولا يوجد دور للحزب الجمهوري في ما تناولته. سأواصل في الحلقة القادمة...
عرض وقراءة في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) وتعقيب مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير عليها (5- 18)
بقلم بدر موسى
الأطروحات الأربع وغياب المصادر الأولية Primary Sources
هنا لابد من الإشارة لبعض الأمور: الأمر الأول: الحقيقة التي لا جدال فيها، كما جاءت في كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، أن قائمة مصادر ومراجع الأطروحات الأربع، قد خلت تماماً من أي ذكر لأي كتاب أو بيان أو محاضرة أو ندوة... إلخ باسم الأستاذ محمود محمد طه، أو باسم الإخوان الجمهوريين. والحقيقة التي لا جدال فيها أيضاً، هي أنه ليس هناك أطروحة واحدة من تلك الأطروحات اعتمدت على مصدر من المصادر الأولية. الأمر الثاني: دفعت البروفيسور فدوى في المقال، بأطروحة خامسة، لم تكن من ضمن العينات التي درسها كتاب: "الأستاذ محمود والمثقفون"، وكتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "كما لم يذكر المؤلف أطروحة الباحث هاشم بابكر محمد أحمد علوب، المصالحات الوطنية في السودان في الفترة مابين 1972-1985م، ماجستير غير منشورة، جامعة الخرطوم، 2010م، إشراف فدوى عبد الرحمن علي طه، أورد فيها الباحث هاشم في الصفحات من 116 – 117 رأي الحزب الجمهوري في المصالحة الوطنية ولم يعزله من رأي الأحزاب الأخرى. وقد نجد له عذراً في أنها لم تكن من بين العينة كما أنها لم تكن بين مصادر ومراجع عبد العظيم". (انتهى) الحقيقة التي لا جدال فيها، فإنه حتى هذه الأطروحة، والتي لم تكن من ضمن العينات التي درستها، خلت قائمة مصادرها ومراجعها أيضاً من أي ذكر لأي كتاب أو بيان أو محاضرة أو ندوة... إلخ، باسم الأستاذ محمود، أو باسم الإخوان الجمهوريين. الأمر الثالث: كتبت البروفيسور فدوى، في إطار تبريرها لغياب المصادر الأولية Primary Sources، بأن الأطروحات: "استقت من مصادر أخرى، وهو أمر معروف ومشروع في أبجديات البحث العلمي".هذا التبرير، في تقدير عبدالله، لا يتماسك في ميدان الدراسات الأكاديمية، أمام توفر المصادر الأولية. خاصة وأننا أمام حركة نشر مرشدها الأستاذ محمود محمد طه، خلال الفترة ما بين 1945- 1985، (34) كتاباً، وأشرف على نحو (300) كتاب أعدتها الأخوات الجمهوريات والإخوان الجمهوريون، وأذاع المئات من البيانات والمناشير والمقالات، وأقام المئات من المحاضرات والندوات العامة... إلخ. ففي تقديره أننا أمام حركة فكرية وسياسية، حرصت على التوثيق وحفظ النسب للأحداث والوقائع بصورة مدهشة، وفي غاية الاتقان والعلمية. وتساءل عبدالله: (لكن السؤال المهم، حتى لا نظلم الباحثين والطلاب، هل هذه المصادر متوفرة؟ وهل مصادر بهذا الحجم والكم، كما ورد أعلاه، متاحة للباحثين والطلاب ويمكن الوصول إليها بسهولة؟ والإجابة على هذا السؤال المركزي تقودنا للأمر الرابع). أجاب عبدالله على السؤال في تناوله للأمر الرابع قائلا: (الإجابة: نعم هذه المصادر، ومن واقع تجربتي، متوفرة ومتاحة ويمكن الوصول إليها والرجوع إليها بكل سهولة. فجل كتب الأستاذ محمود، وجل كتب الإخوان الجمهوريين، التي وقفت عليها موجودة في مكتبة السودان، بجامعة الخرطوم، وبدار الوثائق السودانية بالخرطوم. ففي مكتبة السودان، جمعت تلك الكتب في مجلدات متينة ونظمت بطريقة لا ينقصها سوى تنقيب الباحثين والطلاب. وكانت آخر نظرة ألقيتها على تلك المجلدات في نهار الخميس 25 ديسمبر 2014م. كما أن دار الوثائق السودانية. تحتوي على عدد كبير من كتب الأستاذ محمود والإخوان الجمهوريين، وتضم عدداً ضخماً من البيانات والمناشير والمقالات، سواء في المكتبة، كما هو الحال بالنسبة لبعض الكتب، أو ضمن الوثائق، المحفوظة في صناديق تحوي بعض الكتب إلى جانب البيانات والمناشير، وبعض الحوارات مع الأستاذ محمود، وبعض الوثائق عن الحزب الجمهوري. يضاف إلى ذلك أن جل بيانات الحزب الجمهوري، وبيانات الأستاذ محمود منذ عام 1945 وحتى 1985 (هنا أتحدث عن مئات البيانات)،وبيانات الإخوان الجمهوريين، وجل مقالات الأستاذ محمود، والحوارات معه، يجدها الباحث، كما وقفت على عدد كبير منها، منشورة في صحف: الرأي العام، وصحيفة النيل، وصحيفة السودان الجديد، وصحيفة الأمة، وصحيفة الشعب، وصحيفة الاستقلال، وصحيفة صوت السودان، وصحيفة أنباء السودان، وصحيفة الزمان، وصحيفة الأضواء، وصحيفة الصحافة، وصحيفة الأيام، ومجلة الحياة، ...إلخ. ونسبة لظروف الطلاب، لن أتحدث عن موقع الفكرة الجمهورية على الإنترنت http://http://www.alfikra.org،www.alfikra.org، والذي يتضمن: كتب الأستاذ محمود والكثير من محاضراته وندواته واللقاءات الصحفية والإذاعية معه... إلخ، إلى جانب بعض كتب الإخوان الجمهوريين. وبرغم أن الموقع طرح خدماته للزوار قبل ستة أعوام من تاريخ أقدم أطروحة من بين الأطروحات الأربع، وقبل ثلاثة عشر عاماً من تاريخ أحدث أطروحة من الأطروحات الأربع، إلا أنني لن أتحدث عنه، تقديراً للظروف أو للصعوبات التي، ربما، تواجه بعض الطلاب في التعاطي مع الإنترنت في السودان، ولذلك سأركز فقط على المصادر الأولية المتوفرة في دار الوثائق السودانية ومكتبة السودان بجامعة الخرطوم. الشاهد أن هذه المصادر الأولية وقفت عليها بنفسي في دار الوثائق القومية بالخرطوم، ومكتبة السودان بجامعة الخرطوم. ولا حاجة، أيضاً، للحديث عن ما هو متوفر خارج السودان، من المصادر الأولية، ربما وجد الطلاب بعض الصعوبات في الوصول إليها.
ثانياً: استدعاء البروفيسور فدوى للدكتور القدَّال والدكتور فيصل
فصل عبدالله في استدعاء البروفيسور فدوى الدكتور فيصل عبدالرحمن على طه، والدكتور محمد سعيد القدال، حين كتبت قائلة: "أشار المؤلف في صفحات من كتابه إلى ما أورده الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه عن الحزب الجمهوري في كتابه: الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني... وما أورده بروفيسور محمد سعيد القدال عن الحزب الجمهوري في كتابه: تاريخ السودان الحديث 1820 – 1955"، وأضافت معلقة: " لم تكن مصادر ومراجع فيصل ولا القدال مباشرة عن الأستاذ محمود محمد طه. فعندما تحدث فيصل عبد الرحمن عن الحزب الجمهوري في كتابه (ص 229 - 232) لم يستند إلى أي كتب أو منشورات للحزب الجمهوري أو الأستاذ محمود محمد طه بل استقى المعلومة من مصادر أخرى هي جريدتا النيل والأهرام، وخلت مصادر ومراجع كتابه تماماً من ذلك. وينطبق ذلك أيضاً على مصادر ومراجع محمد سعيد القدال في كتابه، أي عدم الرجوع إلى مصدر أو مرجع مباشر للأستاذ محمود محمد طه أو تلاميذه. ولم ينتقد المؤلف ذلك بل احتفل بالكتابين فلماذا يحلل لهما ذلك ويحرمه على طلابي الذين أورد بعضهم عن الحزب الجمهوري في مواقف معينة مناسبة لأبحاثهم استندوا فيها على مصادر أخرى غير كتابات الأستاذ محمود". وهنا دعا عبدالله البروفيسور فدوى، إلى مراجعة ما كتبته أعلاه، بشأن الدكتور فيصل، والدكتور القدال. حيث أكد بأنه رأي غير دقيق، وقد استعجلت البروفيسور فدوى في ابدائه. فقد كتب عبدالله في كتاب: "الأستاذ محمود والمثقفون"، بشأن الدكتور القدال والدكتور فيصل، قائلاً: "سار معظم المؤرخين وأساتذة العلوم السياسية والكُتاب على نهج معاصري الأستاذ محمود من طلائع المتعلمين فأغفلوا الحديث عن الأستاذ محمود وتجاهلوا دوره في جلاء الاستعمار. ولم ينفرد من بين هؤلاء إلا عدد قليل، منهم محمد سعيد القدَّال الذي تضمنت معظم كتبه الإشارة للأستاذ محمود وإلى نضاله والحديث عن حزبه. بل يرى القدَّال أن الحزب الجمهوري، كما وردت الإشارة آنفاً: "...أخرج دعوة الاستقلال من محيط المناورات وطموح السيد عبد الرحمن، إلى نقاء العمل السياسي الحقيقي من أجل الاستقلال فألبسها دثاراً ناصعاً جعل منها دعوة يمكن أن تلهم جيلاً بأكمله. كما أخرج العمل السياسي من دائرة المناورات والتكتيك، إلى رحاب العمل الفكري القائم على البرنامج الملزم المحدد الجنبات والآفاق" (ص 494-495). ومنهم كذلك التجاني عامر، ومنصور خالد، وفرانسيس دينق، وفيصل عبدالرحمن علي طه، وآخرون غيرهم". وأضاف عبدالله: (فبرغم أن حديثي عن الدكتور فيصل والدكتور القدال كان في إطار مقارنتهم بالمؤرخين وأساتذة تاريخ السودان السياسي، وبرغم أنني لم احتف بالكتابين، كما أشارت البروفيسور فدوى، وإنما جاء تخصيصي للدكتور فيصل والدكتور القدال، مع آخرين، وليس هما فقط، في اطار المقارنة مع المؤرخين، وبرغم أن الاطار الزمني لكتاب الدكتور فيصل هو الفترة ما بين 1936 – 1953 والاطار الزمني لكتاب الدكتور القدال هو 1820 – 1955، وبرغم أنني كنت أتحدث عن "معظم كتبهم" وليس كتاباً واحداً لكل منهما، إلا أنه لا مانع لدي من مناقشة الأمر على ضوء ما جاءت به البروفيسور فدوى). سأواصل في الحلقة القادمة...
عرض وقراءة في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) وتعقيب مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير عليها (6- 18) بقلم بدر موسى
الدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه
أولاً أشكر البروفيسور فدوى على أنها لفتت نظري للخطأ المطبعي في مفردة (البريطاني) في عنوان كتاب الدكتور فيصل، فقد رسمتها (السوداني)، وللخطأ في تاريخ ائتلاف حزب الشعب الديمقراطي مع الحزب الوطني الاتحادي عام 1967 فقد ورد عندي 1965، وقد سجلت الملاحظتين لتعديلهما في الطبعة الثانية القادمة. وفصل عبدالله بشأن الدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه، وبين أن قولها (ليس صحيحاً البتة، ما ذهبت إليه البروفيسور فدوى، من أن الدكتور فيصل لم يعتمد على مصدر أولي. لقد اعتمد الدكتور فيصل في كتابه، على مصادر أولية، وليس مصدراً واحداً، بل لم يعتمد الدكتور فيصل في هذا الكتاب أو في كتابه الآخر الموسوم بـ: السودان على مشارف الاستقلال الثاني (1954م-1956م)، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، أم درمان، ط1، 2010م، فيما أورده عن الحزب الجمهوري والأستاذ محمود، إلا على مصادر أولية. وهذه حقيقة. لقد خصص الدكتور فيصل الفصل الثامن من القسم الثاني من كتابه: الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني، للحزب الجمهوري، وجاء الفصل بعنوان: "الإعلان في 4 نوفمبر 1945 عن قيام حزب استقلالي آخر: الحزب الجمهوري".وتناول الفصل قيام الحزب الجمهوري، ومبدأ الحزب وغرضه، وعلاقة الحزب بمؤتمر الخريجين، وعلاقة الحزب بالأحزاب الأخرى، ورؤية الحزب للعلاقة بمصر... إلخ. اعتمد الدكتور فيصل في كتابه هذا على العديد من المصادر الأولية، وليس مصدر اً أولياً واحداً، منها على سبيل المثال لا الحصر: بيان الحزب الجمهوري عن "دستور الحزب الجمهوري" وتضمن البيان "مذكرة تفسيرية"، صدر البيان في يوم 26 أكتوبر 1945، ونشر في صحيفة النيل يوم 4 نوفمبر 1945. واعتمد الدكتور فيصل كذلك على بيان الحزب الجمهوري الذي أصدره في 9 نوفمبر 1945 ونشر موسوماً بـ: "موقف الحزب الجمهوري من المؤتمر ومن وثيقة الأحزاب المؤتلفة"، بتاريخ 22 نوفمبر 1945 بصحيفة النيل. واعتمد الدكتور فيصل على منشور الحزب الجمهوري رقم (20)، بعنوان: "نداء من الحزب الجمهوري" وهو نداء موجه للمصريين.. تكررت فيه عبارة: "أيها المصريون"، ونشر البيان بصحيفة الأهرام، في يوم 5 فبراير 1947. كذلك اعتمد الدكتور فيصل في إشارة أخرى عن الأستاذ محمود، ضمن كتابه، في غير ذلك الفصل، على مصدر مباشر. فقد أورد تصريح الأستاذ محمود عن رحلة وفد الجبهة الاستقلالية إلى مصر، ونشر التصريح في يوم 8 يونيو 1952، بصحيفة السودان الجديد... إلخ.مع التذكير بأن الاطار الزمني لكتاب الدكتور فيصل الذي أشارت له البروفيسور فدوى هو الفترة ما بين 1936- 1953).
الدكتور محمد سعيد القدال
وتناول عبدالله ما كتبته البروفيسور فدوى، وهي تتحدث عن مؤلف كتاب الأستاذ محمود والمثقفون، قائلة: "لكنه كان انتقائياً فيما أورده واكتفى فقط بعبارة: وفصل القدَّال في ذلك (ص 371)، علماً بأن ما كتبه المؤرخ القدَّال عن الحزب الجمهوري يتجاوز الصفحة الواحدة بقليل وكان في معظمه نقد للحزب الجمهوري. فضمن طائلة ماذا يقع تغييب المؤلف لنقد القدَّال؟ طائلة تزوير التاريخ أم عدم الالتزام الأكاديمي والأخلاقي". مؤكدًا بان من المهم الإشارة إلى أنه لم يطالب بأن لا ينقد الناس الحزب الجمهوري، وليس عنده أن القدَّال فوق النقد، مع كامل احترامه له، بل زاد في التأكيد على ان النقد مطلوب، وأن (والنقد هو إحضار وحضور للمغيب، كما أنني أرى أن لا تطور بدون نقد). مضيفًا (إن الذي طالبت به ليس عدم النقد، وإنما عدم التغييب والتهميش وبتر المعارف. فذكر الحزب الجمهوري حتى لو كان بالنقد، ذكر مطلوب ومحمود. أما حديثي عن الدكتور القدال، لم يكن عن كتاب واحد وإنما قلت "معظم كتب القدَّال"، وهذا ما يفسر أن القدال حينما خصص عنواناً للحزب الجمهوري في كتابه: تاريخ السودان الحديث 1820 – 1955، اعتمد على كتابه: الإسلام والسياسة في السودان 1651- 1985، وقد كان ضمن قائمة مصادره، وقد تحدث فيه عن الحزب الجمهوري والأستاذ محمود، حديثاً مطولاً اعتمد فيه على مصادر أولية منها كتب وبيانات وتصريحات، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر كتاب الأستاذ محمود: زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان: 1. الثقافة الغربية2. الإسلام من كتابه: أضواء على المشكلة الدستورية، و كتاب: "الإخوان الجمهوريون، حيثيات المحكمة العليا في قضية الأستاذ محمود محمد طه: انتصار للحق، ودحض للحكم المهزلة"، إلى جانب أنه أورد كلمة الأستاذ محمود في محكمة المهلاوي يوم 7 يناير 1985، واعتمد على بيانات وحوارات وتصريحات للأستاذ محمود بشأن محكمة الردة الأولى، ونشر بعضها في صحيفة الأيام خلال الفترة: 17- 18- 19- 20 -21 نوفمبر 1968. وغطى حديث القدال في كتابه صفحات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر، صفحة: 157، 158، 159، 160، 226، 227، 228، 229... إلخ. الشاهد أن القدال، ليس فوق النقد، ولم أقل أنه فوق النقد، فقط قلت أن معظم كتبه، تضمنت الإشارة إلى الأستاذ محمود، وهذا ما قصدته بقولي عن المؤرخين: "ولم ينفرد من بين هؤلاء إلا عدد قليل، منهم محمد سعيد القدَّال الذي تضمنت معظم كتبه الإشارة للأستاذ محمود وإلى نضاله والحديث عن حزبه".وقد أشرت إلى آخرين غيره، كان منهم فيصل عبدالرحمن علي طه، ومنصور خالد، وفرانسيس دينق، والتجاني عامر، وقلت وهناك آخرون غيرهم. الشاهد أن تخصيص الدكتور فيصل، فصلاً في كتابه عن الحزب الجمهوري، وتخصيص الدكتور القدَّال، عنواناً باسم الحزب الجمهوري في كتابه، أمر، حسب علمي، لم يأتِ به أحد غيرهما، إلى جانب الذين أشرت لهم معهم، ممن كتب عن تاريخ الحركة الوطنية، أو تاريخ السودان السياسي، ولم يسبقهما فيه أحد، سوى أحمد خير المحامي في كتابه كفاح جيل. مع التأكيد على أن كليهما استخدم مصادر أولية).
الأطروحات الأربع وتجليات التغييب الأطروحة الأولى: قضية إسلامية الدستور والقوانين وتأثيرها على الاستقرار السياسي
وقال عبدالله أن البروفيسور فدوى قد بدأت نقدها وتوضيحها برسالة الباحث عبد العظيم محمد حمد أبو الحسن: قضية إسلامية الدستور والقوانين وتأثيرها على الاستقرار السياسي 1955- 1985م، ماجستير غير منشورة، جامعة الخرطوم، 2010م. وقد قال عبدالله في كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون: "فما كنت أعتقد أن هذه الرسالة ستكون قائمة مصادرها ومراجعها خالية من كتب الأستاذ محمود وبياناته ومناشيره". السؤال: هل خلت قائمة مصادر ومراجع هذه الأطروحة من كتب الأستاذ محمود وبياناته ومناشيره... إلخ؟ وهل ورد في قائمة مصادرها ومراجعها كتاباً واحداً من الكتب التي تصدر باسم الإخوان الجمهوريين؟ الإجابة: لقد خلت قائمة مصادر ومراجع هذه الأطروحة من أي كتاب باسم الأستاذ محمود أو بيان أو منشور... إلخ، كما لم يرد ذكر في قائمتها لأي كتاب من كتب الإخوان الجمهوريين. هذه حقيقة لا جدال فيها). وعن قول البروفيسور فدوى، بأن المعلومات في الأطروحات "استقت من مصادر أخرى، وهو أمر معروف ومشروع في أبجديات البحث العلمي". علق عبدالله بأن: (هذا صحيح ولكنه ليس صحيحاً كل الصحة. فمن المعلوم كذلك في أبجديات البحث العلمي، ولعل البروفيسور فدوى تتفق معي، أن الاستقاء من المصادر الأخرى في ظل توفر المصادر الأولية Primary Sources يمثل نقطة ضعف أساسية في البحث العلمي، كما ورد آنفاً. الشاهد أن النقد هنا نقد مستحق، وأعتقد أن هذه الجزئية كان يمكن للبروفسير فدوي، أن تقدم لنا فيها، نقداً ذاتياً مستحقاً ومطلوباً في الدوائر العلمية. فاعتماد الباحث، على كتاب: عبداللطيف البوني، في ظل وجود وتوفر المصادر الأولية أمر يمثل نقطة ضعف جوهرية، تحتاج منا لإعمال الحس النقدي). سأواصل في الحلقة القادمة...
عرض وقراءة في نقد البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه لكتاب (محمود محمد طه والمثقفون) وتعقيب مؤلف الكتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير عليها (7- 18) بقلم بدر موسى
أما عن قول البروفيسور فدوى: "تناول الباحث عبد العظيم بين الصفحات 112 – 113 أموراً تتعلق بالحزب الجمهوري وابتدر حديثه عن معارضة لجنة مراجعة القوانين التي كونت عام 1977 بمعارضة الحزب الجمهوري..." إلى أن تقول مشيرة للمرجع الذي اعتمد عليه الباحث، قائلة: "... نقلاً عن عبد اللطيف البوني: تجربة نميري الإسلامية في السودان مايو 1969م- أبريل 1985م، الخرطوم، 1995م. وهذا الكتاب لا يوجد له أثر بين مصادر ومراجع المؤلف". فقد رد عبدالله بأن (مصدر الباحث هو الدكتور عبداللطيف البوني نفسه، مع كامل احترامي للبوني، ويغطي كتابه الفترة ما بين 1969- 1985، والإطار الزمني لأطروحة الباحث 1955- 1985).
وعن قول البروفيسور فدوى: "وأورد عبد العظيم الآتي: "انتقد الجمهوريون لجنة مراجعة القوانين السارية وتعديلها لتتماشي مع الشريعة منذ تكوينها إذ قاموا بإصدار كتيب في أغسطس 1977 عنوانه "الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي"، وأورد الباحث بعض ما جاء في هذا الكتيب...". واضافة البروفيسور فدوى قائلة: "وكان مصدر عبد العظيم الذي أورده في الهامش "الإخوان الجمهوريون، الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي، ص 37" نقلاً عن عبد اللطيف البوني: تجربة نميري الإسلامية في السودان مايو 1969م- أبريل 1985م، الخرطوم، 1995م. وهذا الكتاب لا يوجد له أثر بين مصادر ومراجع المؤلف". (انتهى). وأوضح عبدالله بأن (الإشارة لكتاب الإخوان الجمهوريين: الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي ، بما يشبه أن الباحث قد اعتمد على مصدر أولي، إشارة غير دقيقة، فالأمر وبرغم استخدام البروفيسور فدوى، لجملة: "وكان مصدر عبد العظيم الذي أورده في الهامش "الإخوان الجمهوريون، الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي، ص 37 نقلاً ..."، فهذه الجملة لا تغير شيئاً بشأن غياب المصدر الأولي، ذلك لأن ما جاء كان نقلاً عن عبداللطيف البوني).
الاعتماد على المصادر الأخرى في ظل توفر الأولية منها يكلس الأدوار، ويقزم المواقف، ويتحكم في الإطار الزمني: أطروحة قضية إسلامية الدستور نموذجاً
تناولت الأطروحة: قضية إسلامية الدستور والقوانين وتأثيرها على الاستقرار السياسي 1955- 1985م، وإسلامية الدستور كان من أكثر الموضوعات التي فصل في تناولها الأستاذ محمود، ولهذا كتب عبدالله في كتاب: "الأستاذ محمود والمثقفون"، قائلاً: "وما كنت أعتقد أن هناك رسالة جامعية أنسب من هذه الرسالة للاستشهاد بأقوال الأستاذ محمود ومواقفه وكتاباته، ذلك لأن أمر إسلامية الدستور كان من أكثر الموضوعات التي انتقدها الأستاذ محمود نقداً باكراً ونشر نقده، كما لم يبلغ أذى تأذاه أحد في السودان من قضية إسلامية الدستور مثل ما تأذى الأستاذ محمود وتلاميذه وتلميذاته، بيد أن الرسالة كانت لا تختلف عن الرسائل الجامعية التي تجاهلت الأستاذ محمود وأهملته، فلم يرد كتاب واحد من كتب الأستاذ محمود أو منشور أو بيان في قائمة مصادرها ومراجعها، في تقديري أن هذا الأمر لا يستقيم علمياً وأخلاقياً. فالإطار الزمني للرسالة يبدأ بعام 1955م وينتهي بعام 1985م...". فالأطروحة موضوعها: قضية إسلامية الدستور والقوانين وتأثيرها على الاستقرار السياسي، ففي تقديري، هي الأنسب لتناول القضايا المركزية الكبرى، التي كان يقود مواجهتها الأستاذ محمود، وهي قضايا عديدة. لكن استناد الباحث على الدكتور عبداللطيف البوني، مع غياب المصادر الأولية: كتب الأستاذ محمود وبياناته ومحاضراته وكتب الإخوان الجمهوريين، تحكم في الإطار الزمني لما قدمه في الأطروحة. فالإطار الزمني لكتاب البوني هو 1969- 1985، بينما كانت هناك مواقف وقضايا عديدة خلال الفترة ما بين 1955- 1985 وهي الفترة التي تمثل الإطار الزمني لأطروحة الباحث. كان هناك نشاط كبير قام به الأستاذ محمود، منذ عام 1955، وقد أوردت البروفيسور فدوى، بعضه ضمن حديثها كمعلومات منها، ولم يكن ضمن ما جاء في الأطروحات موضوع الدراسة، منها كتاب: محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري يقدم أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية، وعضوية الأستاذ محمود في اللجنة القومية للدستور وسبب انسحابه منها، وعضويته في اللجنة الاستقلالية الثانية 1955، ودوره في مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية نوفمبر 1965م، ...إلخ وغيره مما سنكشف عنه في تناولنا للأطروحة التالية. إلى جانب أن هناك قضايا كبرى ومركزية، لا يستقيم فيها الأمر إلا بالاستناد على المصادر الأولية، ويجب ألا يتم تهميش القضايا المركزية بالاستناد على غير المصادر الأولية، خاصة وأن صاحب القضايا المركزية، كتب وتحدث ونشر ووزع المناشير... إلخ، من تلك القضايا المركزية: محكمة الردة نوفمبر 1968، وقضية الردة يناير 1985، وقضية الاستتابة، التي وسمها الدكتور القدال بمحكمة الاستتابة، وقد تحدث عنها بتوسع في كتابه: الإسلام والسياسة في السودان (1651م-1985م)، ط1، دار الجيل، بيروت، 1992م، ص227-228، وكتب القدال قائلاً:"وكونوا محكمة الاستتابة... وكانت جلسة مفتوحة بثتها أجهزة الإعلام، انحدر فيها القضاة إلى درك العصور الوسطى".إلى جانب قضية الردة الثانية 7 يناير 1985، وكلمة الأستاذ محمود في المحكمة، وتنفيذ حكم الاعدام، ... إلخ. وكل ذلك موثق بالكتاب والبيان والمقال والندوة والمحاضرة. فقد كتب الأستاذ محمود سلسلة من الكتب وأقام العديد من الندوات بعنوان: بيننا وبين محكمة الردة، ونشر مع تلاميذه وتلميذاته، 27 بياناً، وفقاً لمقتنياتي، جاءت متسلسلة (الحزب الجمهوري- بيان رقم: "1"... وهكذا) وبعناوين عديدة: مهزلة القضاة الشرعيين، وتصفية المحاكم الشرعية، وتصفية المحاكم المليّة، وأكثر من 20 بياناً، وفقاً لمقتنياتي، وعشرات الندوات وأسابيع كثيرة عن مناهضة الدستور الإسلامي خلال الفترة ما بين 1968 وحتى مارس 1969، وجاءت البيانات متسلسلة (الحزب الجمهوري- بيان رقم: "1"... وهكذا) وبعناوين مختلفة منها: الحزب الجمهوري- بيان رقم: (14) "بمناسبة اسبوع مناهضة الدستور الإسلامي المزيف"، الحزب الجمهوري- بيان رقم (16): "لا دستور ولا ديمقراطية إلا بكفالة الحقوق الأساسية"، الحزب الجمهوري- بيان رقم (17) "تدخل علماء الفقه المصريين في السياسة السودانية"... إلخ. كما نشر الأستاذ محمود كثيراً عن الدستور الإسلامي، ففي عام 1968م نشر كتاباً بعنوان: الدستور الإسلامي؟ نعم.. ولا!!، ونشر في عام 1969م كتاباً بعنوان: أسس حماية الحقوق الأساسية، هذا إلى جانب كم هائل من المناشير والمحاضرات التي تحدث فيها الأستاذ محمود عن الدستور الإسلامي وآثاره السياسية وظلاله على بناء الأمة. وقد فصلت ذلك في كتاب: "الأستاذ محمود والمثقفون". وجل هذه المصادر متوفرة في دار الوثائق السودانية، بما في ذلك أقوى بيان في مواجهة القضاة الشرعيين، والذي أصدره الأستاذ محمود بعد أن أصدرت المحكمة المهزلة حكمها بالردة في 18 نوفمبر 1968، وهو البيان نمرة (1): مهزلة القضاة الشرعيين"، ووزعه يوم 19 نوفمبر 1968م، ونشر في صدر الصفحة الأولى من صحيفة السودان الجديد بتاريخ 20 نوفمبر. الشاهد إن تهميش القضايا الكبرى والمركزية في دراساتنا وبحوثنا، يضخ مناخات هزيمة الوعي والانكسار في التاريخ ولدى الأجيال. الخلاصة إن الأطروحة نقلاً عن الدكتور عبداللطيف البوني أشارت لطرف من مواقف الأستاذ محمود والجمهوريين من حل الحزب الشيوعي واتفاقية أديس أبابا 1972، والمصالحة 1977 والموقف من قوانين سبتمبر 1983، بينما كان الإطار الزمني للأطروحة ما بين 1955- 1985. فهل انعدم نشاط الأستاذ محمود والحزب الجمهوري خلال الفترة ما بين 1955 وحتى تاريخ إشارات الباحث القليلة المنقولة من مصدر غير أولي؟ أم أن الأكاديميا السودانية، بما فيها مشرفة الباحث نفسها، على قناعة تامة بما ورثته من صورة منمطة، قوامها أن الأستاذ محمود والحزب الجمهوري لم يكن لهما نشاط في تلك الفترة؟ يمكننا الكشف عن ذلك، والإجابة عن تلك الأسئلة من خلال ما أطلقته البروفيسور فدوى من حكم على الأستاذ محمود والحزب الجمهوري في تبريرها لخلو الأطروحة التالية من ذكر الحزب الجمهوري والأستاذ محمود. سأواصل في الحلقة القادمة
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 04/26/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة