تقدم حسين وهو طالب متميز حاصل على درجات رفيعة لوظيفة في مؤسسة تجارية ، وتقدم عبيد إلى ذات الوظيفة وهو يدرك بأنه اقل تاهيلا من حسين ، في المقابل كان هناك سؤال من ضمن الأسئلة وهو : لماذا اخترت مؤسستنا بالذات لتعمل فيها ؟، كانت إجابات حسين قوية وواضحة الراتب في مؤسستكم مرتفع جدا وهذا سيغطي تكاليفي الدراسية ، اما عبيد فأجاب: لأن مؤسستكم ذات سمعة عالمية جيدة ، واحسست بأنها منظمة تنظيما إداريا ومحاسبيا عالية ، ووجود شخص في مؤسستكم هذه يعد فخرا له ويكسبه خبرة ومهارات عديدة . انتهت المقابلة وتم استخدام عبيد وذهب حسين في حال سبيله رغم انه الأكثر تأهيلا ، لا يهم إذا لم يكن عبيد مقتنعا بكل ما قاله ، المهم أنه أجاد الكذب . هذا هو النظام العالمي الجديد ؛ لا يمكن ان تعيش فيه سوى بالكذب ، المؤسسات تدعوك لتكذب ، الحكومات تدعوك لتكذب ، الأحزاب السياسية ، النقابات ، الشعب ، الشعب نفسه يدعوك لتكذب ، لتقول أشياء ضد قناعاتك ويضغط عليك لكي تناوره عبر الكذبات المتواصلة ، وهذا يعني انك ستزداد نجاحا كلما اتقنت الكذب بحيث يكون محققا حتما لنجاح أكيد ، تماما كالتجار الذين يكذبون كما يتنفسون من أجل تسويق السلعة ، ولذلك فإن هذا النظام يقمع الصدق ، يقمع قناعاتك الحقيقية ويفرض عليك استبدال القناعة بالقناع ، ويفرض عليك أن تتلون بألوان قوس قزح ، وأن ترفض المواقف الحدية وأن تزداد مرونة ، أي ان تكون حاذقا في الكذب . العالم يسير بسرعة ، التكنولوجيا تؤسس حياتنا ، وتقيد حرية حركاتنا كل يوم اكثر وأكثر إلا عبرها ، والعولمة الاقتصادية تفتح أسواق العالم أمامك ، وأنت تعيش كمروج كذاب لسلعة أو لخدمة أو تلعب دور المستهلك الغبي ، وتقوم بتبادل هذين الدورين لتتمكن من ملاحقة التطور الانساني قبل ان تجد نفسك خارج الصندوق الزمني ، وفي خضم فكرة الصعود الاقتصادي للفرد ، ولاشباع كافة احتياجاته ، فإن عليه ألا يتقيد باسلوب واحد للكذب بل أبواب الكذب كلها مفتوحة على مصراعيها للولوج منها إلى الفائدة المادية ، السياسة ، الثقافة ، الدين ، وحتى الرياضة ، والعلوم الحقيقية والزائفة ، كلها يمكن أن تكون بابا للكذب المفيد والمنتج ، والاكثر أهمية هو ان تفهم الخط الرئيسي الذي يلتزم به الاشخاص الطبيعيون ام المعنويون ، فمعرفة هذا الخط يعني ان تدلف عبر الكذبة الكبرى إلى المناطق ذات الحساسية لتتمكن من السيطرة على كامل الجسد والعقل . إن الآباء يخطؤون حينما يعاقبوا الطفل لأنه كذب ، على العكس ، يجب أن يطوروا هذه الخاصية في الطفل ، وأن ينقحوها بحيث يدرك الطفل أن الكذب من أجل الوصول لغاياته مهم في معركة الحياة ، لأن الكذب هو الذي تؤسس له العولمة بكل مضامينها ومفاهيمها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة