بحكم المهنة لدي تعاطف طبيعي مع الصحفيين الذين يعملون في مناطق النزاعات، ويحاولون خدمة القارئ والمشاهد في ظروف صعبة ومعقدة، وغالبا ما يتعرض الصحفيون إلى تجارب قاسية ومؤلمة، وقد يفقدون حياتهم وهم يؤدون واجبهم المقدس، وكنت- وما زلت- جزءا من حملة عالمية تحاول الضغط على الأمم المتحدة لرفع درجة اهتمامها بحماية الصحفيين، وتعيين مقرر خاص لذلك. معظم حكومات العالم الثالث- التي هي مهد النزاعات- تتعامل مع الصحفي مصدر خطر أو جاسوس، ببساطة؛ لأنه يعمل على كشف ما تحاول الحكومات جاهدة التغطية عليه، ولا تمنحه تسهيلات الدخول أو الوصول إلى مناطق النزاع، مما يضطره للجوء إلى اطرق أخرى، ومنها التسلل والاختباء، وأحيانا ما يقع الصحفي في قبضة أحد أطراف النزاع؛ فيتم التعامل معه بقسوة شديدة، وغالبا يتم تصنيفه عنصرا معاديا ما لم يتبنَ وجهة نظر هذا الطرف. لكن دعونا نكون واضحين- هنا- فإن الصحفيين المنتمين إلى دول كبرى يجدون حماية أفضل من غيرهم، بل ومعاملة تفضيلية تثير الغيظ- أحيانا- فحكومات بلادهم تعلن حالة التعبئة العامة، وتسخر كل إمكانياتها وقوتها للدفاع عنهم، وإخراجهم سالمين من قبضة الحكومات التي تعتقلهم، أما لو كان الصحفي من نفس البلد الذي يدور فيه النزاع، أو من بلاد أخرى ضعيفة فسيجد التجاهل التام، سواء من التغطية الإعلامية، أو الاهتمام الحكومي لإطلاق سراحه. لو افترضنا أن صحفيا سودانيا تسلل مع المهاجرين إلى بريطانيا أو فرنسا ليروي قصصهم، ويكون شاهد عيان على معاناتهم، ثم وقع في قبضة السلطات البريطانية، أو الفرنسية، فماذا سيكون مصيره؟، أعرف أنه لن يتعرض إلى القتل، أو الضرب، لكن سيتم التعامل معه بالقانون بلا مجاملة، وسيودع السجن لمخالفته قوانين تلك البلاد، وأشك كثيرا أن تهتم به سفارة بلاده، أو حكومته، أو تطلب إطلاق سراحه، هذا إن لم تطلب من البلد الأوروبي أن يشدد عليه العقوبة، أما إن كان في ساحة حرب فالقتل احتمال كبير، ودون محاسبة، أو محاكمة لقاتليه، وسجلات الصحفيين العرب الذين قتلوا في حرب العراق بأيدي قوات التحالف موثقة وشاهدة. هناك بشر عالميون درجة أولى، وبشر درجة رابعة، وكذلك الأمر بالنسبة للصحفيين، وما لم ينته هذا التعامل المزدوج في العالم فستبقى مثل هذه الأمور من مثيرات الغيظ، وربما الحسد، ولا نبرئ أنفسنا، ولدينا مواطنون حصلوا على تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة، وبعضهم يحمل إقامة دائمة، تعرضوا إلى ما تعرضوا له من تعنت، وإهانات، ومعاملة تحط من الكرامة الإنسانية في المطارات الأمريكية، وتم إرجاع بعضهم إلى محطة السفر. صحيح أن هناك حالة تعاطف شعبية كبيرة معهم في الشارع الأمريكي، لكن الموقف الرسمي- حتى من السفارة التي منحتهم التأشيرة- يبقى متوافقا مع الموقف الرسمي للحكومة الأمريكية، حتى الحكومات الغربية سعت إلى الحصول على إعفاءات لحاملي جوازاتها مزدوجي الجنسية من الدول السبع، وليذهب الباقون إلى الجحيم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة