كان قد سبق لي وتكلمت عن لقائي بالحبيب إلامام الصادق المهدي وكيف كنت من أشد الناقدين له سياسيا بالتأكيد وليس فكرياً أو إنسانياً لاني كنت مركزه علي شخصية المهدي السياسية في المقام الأول، أما من الناحية السياسية كانت تلامس ذهني أفكار السيد عرمان في حلم إقامة سودان جديد يحتوي الجميع والمواطنة بلا تمييز وغيرها من الأفكار علما بأني لست حركه شعبيه ولا حزب أمه وإنما شابه مستقله ليس لي أي إرتباط حزبي . وفي مقالي هذا أتطرق مرة أخرى لتجربتي القصيرة جداً مع الإمام لكي يستفيد منها الشباب من أجيالي . لقائي بالمهدي غير مسار حياتي فمن خلال حديثي معه وبعد أن إرتحت له في الكلام ووجدت أنه تمكن بكل سهولة من فهم شخصيتي التي إستعصت علي الكثير فطاب لي المقام والحوار والجلوس معه لما وجدته من تقارب فكري وذهني وقدرته الشاسعه في في إختراق عالمك والتعمق فيه والإندماج والتأقلم السريع، فأخرجت كل ما بصدري وكل ما يؤرقني والأسئلة الحارة في ذهني، فبدأت سؤالي عن قضية دارفور وكان قد نورنى بكل شفافية ومصداقية بعد ذلك لم أريد أن أطيل فيما يخص السياسة لأني أردت إنتهاز هذه الفرصة للإستفادة من آرائه ونصائحه فيما يخصني في المجال المهني والشخصي فحكيت له عن مواهبي وعن المجالات التخصصية التي تجذبني وعن بعض تخبطاتي المهنية في أنى أريد دراسة أشياء كثيرة في نفس الوقت ولست قادرة علي الثبات علي مجال واحد ومن ثم تكلمت معه عن النواحي العاطفية وكيف أني لم أجد حتى اليوم الشخصية التي يمكن أن تكون المناسبة لي ومن خلال كلامنا قال لي :أنا لدي بنات مثلك وأن علاقتي بأولادي وطيدة جداً لذلك صرت أخا وصديقا لهم قبل أن أكون أبا وأهتم بمشاكل الشباب جداً لذلك ألفت كتب في هذا المجال سوف يرسلها لكي الحبيب محمد زكي، وبعد ذلك أعطاني الوصفات السحرية ومفاتيح النجاح وكان أهم ما تعلمت منه في هذه الجلسة القصيرة هي أهمية تنمية وتطوير الثقة بالنفس وبالذات أهمية الإنتاج والعطاء من المهد إلى اللحد وأهمية الزمن وفي ماذا أصرفه ؟ والتمييز والإبداع في ما أفعله أو كما نقول بالدارجي (النوعية ولا الكمية) لمسة الإبداع والتمييز والابتكار فيما يفعله الإنسان أهم بكثير من كمية المنتج وقال لي: أنا لا يمر علي يوم واحد إلا واكون قد استفدت منه لأصيب هدفي في إفادة المجتمع لذلك أكتب في كل شئ أتصور أنه يخدم مشاكل المجتمع والإنسانية وأطرح أطروحات وحلول لذلك علمت أبنائي أن يكون هدفهم وإنتاجهم وعطاءهم جماعي أي يفيدون به المجتمع والإنسانية أي بمعنى عندما تختارى مجال عملكى وتخصصكى المستقبلي لا تنسى ماذا سيتفيد به العالم والمجتمع من حولك، وما إستفدته أنا شخصياً من خلال مراقبتي لشخصيته وطريقة تعامله، الكياسة والمرونة والهدوء لا أقول إنه قليلا ما ينفعل هو لا ينفعل نهائيا، له قدرة كبيرة علي ضبط الأعصاب يفتقدها العرب والافارقة ويمتاز بها الغربيون وتجلت هذه الصفه في المؤتمر الصحفي الذي أداره بكياسة ومرونة وهدوء ال (black English man) وهذه الصفة يحاول الغربيون برمجتنا نحن الشباب لكي نتمكن من إتقانها لأن الهدوء وضبط الأعصاب حتى في المواقف الصعبة يعتبر من أهم الصفات المهنية في الحياة الخاصة والعامة ولكي لا تخسر جولاتك عليك بضبط النفس فى أصعب اللحظات لذلك لم أطرح أسئلة أخرى ، واكتفيت بمراقبة هؤلاء السياسيين أتمعن فيهم جيداً وبالأخص المهدي لأني أريد أن أعرف سر النجاح وبالأخص شعبيته الشئ الآخر الذي أضافه المهدي لي هو تحبيبي في اللغه العربيه فأنا منذ صغري كنت أحب اللغة العربية ولكن دراستي لها توقفت عند المرحلة الابتدائية لكن في ذلك الوقت كنت أعشق كثيراً الشعر وما زالت تلك القصائد التي درستها عالقة في ذهني وأعرفها عن ظهر قلب وفي حواري الإجتماعي والإنساني كان قد سرد لى العديد من أبيات الشعر التي نالت إعجابي وكان من ضمنها أحد أبيات الشعر التي قالها رجل قد تقدم لخطبة أمرأة إسمها عزة والذي لفت إنتباهي أن الإمام عندما بدأ سرد القصة نبهنى إلى أن المرأه إسمها عزه ولكن في بيت الشعر يناديها أعز، ولم يطل في الشرح وذهبنا إلى الموضوع الثاني ولكن أعجبني بيت الشعر هذا لأنه يشابه أبيات الشعر التي كنت قد إطلعت عليها في الماضي ولأن ذاكرتي قويه عرفت لماذا قال الإمام أعز؟ مع الضمه على ز وليس عزة لأن موقعها من الإعراب والنحو منادي مقرب إلى القلب لذلك في قصيدتين إطلعت عليهما في الماضي تمثل فيهما هذا الوضع وهما بيتا الشعر : أزين نساء العالم أجيبى دعاء مشوق بالعراق غريب، وهنا الشاعر يستخدم أزين بدلا من زينة نساء العالمين، وفي بيت الشعر الآخر : إلا ليت ريعان الشباب جديد ودهر تولى يا بثين يعود، وهنا أيضاً أستخدم الشاعر يا بثين بدلاً من إستخدام يا بثينة لأنه منادي مقرب من القلب . وهكذا عاد الإمام بذاكرتي إلى الوراء وصح فيني هذا العشق للغة العربية التي إعتبرها من أجمل اللغات وأغناها فقد درست الإنجليزية والإسبانية بالإضافة إلى لغتي الرئيسية الفرنسية التي أكملت بها دراستي وأعجبتني أيضا طريقة الإمام الموسيقية في سرد الشعر فهو يسرده بطريقة فنيه وموسيقية وكأنه يشعر بجميع كلماته ويتعمق فيها فالشعر بالنسبة له ليس مجرد سرد أو حفظ لكن معنى وإحساس بكل كلمة لذلك صرت في المساء أستمع للشعر وهنا لابد أنبه الجميع لميزة السمع فأنا أسمع ولا أقرأ لاني إكتشفت أن في الاستماع إستمتاع وتذوق وإحساس بالشعر بصورة أكبر وأجمل ووجدت نفسي في الشعر الجاهلي أكثر من الحديث، وهكذا أضاف لي الإمام شئ مفيد فعسى ولعل أقوم يوماً بكتابة أبيات شعري الخاصة،ومن خلال حواري مع المهدي تعلمت منه أشياء كنت بحاجه لها، في إجابته علي سؤال العوده الى السودان كان في ضمن الكلام قد قال لي أن العمل السياسي لا يخلو من المخاطرة ويجب المخاطرة، وهنا إستنتجت أهمية إتخاذ القرار الحاسم والمخاطرة من أجل أن نخطو خطوة إلى الأمام لا بد من المغامرة وإلا فلن نتقدم وسنظل في أماكننا إذا أردنا إتخاذ القرارات الهامة والحاسمه وهذه الصفه أعتقد أنه اكتسبها من ثقافته الإنجليزية لأن في دراستي للمنجمنت يقولون من أحد أسباب نجاح الأمريكان والإنجليز في عالم البيزنس وإدارة الأعمال وإبتكار المشاريع المربحة هي عقلية المخاطرة أو المغامرة التي يفتقدها الفرنسيين الذين يفضلون الابتعاد عن المغامرات أو بالأحرى اللعب في المضمون وبما أن ثقافتي فرنسية فكنت قد تربيت علي عقلية إتخاذ القرارات الآمنة ولكن بفضل المهدي غيرت وجهت نظري وسأتبع عقليته الإنجليزية في هذا المنطلق، أم الشئ الأهم الذي تعلمته منه عندما قال لي : يجب علي الإنسان أن يكون جريئا بصفة خاصة وعامة، ولا يترك حاجزا أمامه في تحقيق هدفه أي إن كان مهنياً أو عاطفياً فالجرأة شيء مهم، فقلت له أنا جرئيه في المجال المهني بصورة كبيرة لذلك لم أتردد في إختراق سيادتكم لكن في الصعيد العاطفي أفتقد لهذه الصفه فقال لي :لا عيب في أن يكون الإنسان جرئيا إذا وجد الشخص الذي يناسبه والذي تتجمع فيه الصفات التي تبحث عنها وضرب مثل السيده خديجة وخطبتها للرسول صلى الله عليه وسلم وأنا أعتقد أن الجرأة من الصفات الجيده التي يتمتع بها الإنجليز والأمريكان ونفتقدها نحن كسودانيين ويفتقدها أيضا الفرنسيون حتى في المجال المهني يفتقدون الجرأة وأنا أعتقد أن تمتع الإمام بالعقلية السودانيه العربية الأفريقية الإسلاميه وفي نفس الوقت العقليه الإنجليزية هو أحد أسرار نجاحه هذا الكوكتيل الانجليزي السوداني العجيب ، المهم أن سردي لهذا الموضوع كان من أجل تقاسم هذه التجربة مع جيلي من الشباب فلقد استفدت أنا من الإمام وأتمنى أن يستفيدوا هم أيضا منهاً ويظل المشوار طويلا والأمل كبيراً ، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة