ينظر البرلمان بعض التعديلات الدستورية والقانونية التي قيل لنا بأنها تأتي وفقاً لتوصيات الحوار الوطني، وفي ذلك قولان، وربما أكثر. توصيات الحوار الوطني شملت مجالات عديدة وبلغت توصياتها عدداً فاق المائة، لكن اللجنة المكلفة انتاشت عدداً قليلاً من التوصيات ، تناسب غرضها، كما يقول المثل، وأهملت البقية. شملت التعديلات المقدمة مسألة تعيين رئيس للوزراء لا تزال سلطاته مبهمة، ويعينه ويعزله الرئيس، وفصل منصب النائب العام عن وزير العدل، ثم توسيع المجلس الوطني ومجلس الولايات والبرلمانات الولائية بإضافة أعضاء جدد بالتعيين، بالإضافة طبعاً لمسألة تغيير مسمى الحكومة من حكومة الوحدة الوطنية لتصبح حكومة التوافق الوطني. باقي التوصيات، بما فيها المتعلقة بالحريات العامة وسلطات جهاز الأمن والسياسات الاقتصادية، رأت اللجنة أنها ليست عاجلة، ويمكن بالتالي إرجاؤها لينظر فيها البرلمان القادم، وربما في إطار الدستور الجديد، بجانب إهمال التعديلات المطلوبة على عدد كبير من القوانين. لكن المؤتمر الوطني انتهز الفرصة لتمرير تعديلات أخرى لا علاقة لها بالحوار الوطني ولا توصياته، بل تتعارض معها تماماً. تصريحات السيد محمد الحسن الأمين في صحف الأمس بعد موافقة البرلمان على تعديل قانون القضاء الإداري في مرحلة العرض الثاني تكشف عن مسألة دس السم في الدسم. تنص التعديلات على إلزامية تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم في الطعون الإدارية، هذا أمر جيد، لكنه من البديهيات، فلا معنى لأن تصبح أحكام المحاكم تقريرية غير قابلة وملزمة للتنفيذ، وهو جزء أساسي من مفهوم سيادة حكم القانون. لكن السادة مقدمي المشروع أضافوا له نصاً بتحصين قرارات رئيس الجمهورية الإدارية لتصبح قرارات سيادية غير قابلة للطعن فيها، والمقصود طبعاً وقف الأحكام المتتالية التي صدرت لصالح ضباط الشرطة والجيش المحالين للمعاش. وبالتالي لن يصبح من حق أي فرد مستقبلاً الطعن في هذه القرارات، ببساطة لأن هذا لم يعد من اختصاصات المحاكم. ليس هناك ربط بين التعديلين بالتأكيد، ولا تبرير قانوني لذلك، لكنها سياسة أن نعطيكم شيئاً باليمين، لنأخذ منكم أكثر منه بالشمال. ولم ينس السيد الأمين أن يعلمنا بأن هذه التعديلات " تطور القضاء الإداري وتسد الثغرات في القوانين"...ونسى أن يضيف لها "وتسد الباب أمام الحق في التقاضي ورفع الدعاوى ضد القرارات الإدارية الصادرة من رئيس الجمهورية." هناك عشرات القوانين كان يفترض أن تعدل بعد صدور دستور السودان الانتقالي لعام 2005، لكن وبنفس العقلية، تم اختيار قوانين معينة، وفقاً لهوى السلطة، خضعت للتعديل، وتم ركن الباقي، وبالتالي ظلت هناك قوانين كثيرة غير دستورية. نفس الشيء يحدث الآن، وبدون اجتهاد لتقديم المشروب القديم في قناني جديدة، كما يقول المثل المعروف، بل باستخدام نفس القناني القديمة. لم يبق للسيد محمد الحسن الأمين، بعد تصريحه هذا، إلا أن يغني لمنتظري نتائج الحوار الوطني، مع رئيسة لجنة التعديلات الدستورية السيدة بدرية سليمان، قصيدة الشاعر الراحل أمل دنقل "لا تحلموا بعالم سعيد"...ويالها من أغنية..
واضح لكل ذي لب ان النظام يضع سيناريو الحوار لتتواصل عبر تأويلاته عنه مسيرة نظام كذوب براقماتي مضلل يمشي علي ارجل التضليل والقبضة الامنية باختيار عناصر منزوع عنها الاخلاق والخصائل السودانية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة