بقلم: سعيد أبو كمبال نشرت صحيفة السودانى في يومى الاثنين التاسع من نوفمبر 2015 والثلاثاء العاشر من نوفمبر 2015 حواراً طويلا مع السيد/ على عثمان محمد طه النائب السابق لرئيس الجمهورية والنائب السابق أيضا للدكتور حسن عبدالله الترابى الامين العام للجبهة القومية الإسلامية. وقد تمحور حديث على عثمان حول الحركة الاسلامية وهى كما يعرف القارئ الكريم ذلك التنظيم الذى يضم مجموعة من السودانيين عرفوا بأسم حركة التحرير الاسلامى(1944-1953) وعدل اسمه الى حركة الأخوان المسلمين في 1954 ثم إتخذ واجهة بإسم جبهة الميثاق الاسلامى في 1966 ثم عدل اسم الواجهة الى الجبهة القومية الاسلامية في 1986 .ثم عدل اسم الواجهة الى الدعوة الشاملة في 1990 ثم الى المؤتمر الوطنى في 1991.وربما لاحظ القارئ الكريم الذى اطلع على الحوار ان السيد على عثمان لم يتحدث اطلاقاً عن المؤتمر الوطنى وتحدث فقط عن الحركة الاسلامية.فماذا يعنى ذلك ؟ ولا أريد التكهن بدلالات التجاهل الكامل للمؤتمر الوطنى والحديث عن الحركة الاسلامية و سوف اتحدث عن اهم النقاط التى وردت في حديث على عثمان محمد طه.فما هى تلك النقاط ؟ يقول على عثمان محمد طه: أولاً- الحركة الاسلامية كفكرة هى اقامة الدين بأن يستقيم ضمير الانسان وسلوكه في المعاملات وسلوكه المجتمعى وعلاقاته الداخلية والخارجية مع سلوك وشعائر الدين أو باختصار الالتزام بالدين الاسلامى قولاً وعملاً. ثانياً-الحركة الاسلامية من حيث البناء والتنظيم تعنى الافراد الذين قاموا بتنظيم أنفسهم في كيان اسمه الحركة الاسلامية لأجل تحقيق الفكرة. ثالثاً- يعود فشل واخفاقات الحركة الاسلامية إلى إخفاق الأفراد إما لأنهم لم يكونوا يملكون المعرفة والدراية للقيام بالمهام التى كلفوا بها في ادارة الدولة أو بسبب الضعف البشرى. رابعاً- كان هناك فهم خاطئ لتطبيق مفهوم التمكين جعل من المرافق العامة وكأنها حكر للاسلاميين.والتمكين ينبغى ان يكون للمبادئ والقيم والأهداف. خامساً- تجربة الحركة الاسلامية في مجملها تجربة ناجحة وحسناتها وايجابياتها تفوق نقاط الضعف والتقصير والأخطاء.وقد أصابت الحركة الاسلامية في اقامة النموذج. سادساً- ان أكبر تحدى يواجه الحركة الاسلامية هو التداول السلمى للسلطة مع الآخرين. سابعاً- ان الحركة الاسلامية قد استنبطت ما يسمى بفقه المعاصرة والاجتهاد فى فهم النصوص وتنزيلها على الواقع المعاش.وكانت لها اجتهادات كثيرة هى التى تفسر سر نجاحها في استقطاب قطاعات كثيرة من الشباب والمثقفين في اوساط المجتمع المختلفة. مجافاة الافعال للفكرة يقول على عثمان ان فكرة الحركة الاسلامية هى اقامة الدين وأن القصد من البناء التنظيمى هو تجميع طاقات الأفراد الذين يؤمنون بالفكرة من أجل تحقيقها.وكل هذا كلام جميل ومقبول اذا ما صدر من شخص لم يكن لاعبا أساسيا في ذلك التنظيم لمدة تزيد عن الخمسين عاما.فإن جل ما قام به تنظيم الحركة الاسلامية منذ تأسيسه وحتى اليوم يتناقض تناقضاً صارخاً مع ما تقوله الفكرة. ماذا تقول الفكرة ؟ يقول على عثمان محمد طه ان فكرة الحركة الاسلامية هى اقامة الدين.و الدين الاسلامى كما اعرف أنا وانت ايها القارئ الكريم هو الايمان بالله الخالق وتوحيده وعبادته بالصلاة والصوم والزكاة وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا وعبادته باتباع أوامره والابتعاد عن ما ينهى عنه.فأن الله يأمرنا بأن تقوم حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على قواعد أساسية هى الحرية والشورى والعدل والرحمة والأمانة والصدق والتدافع والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتعاون فى عمل الخير واحترام معتقدات غير المسلمين واحترام خصوصيتهم والسعى في المعايش وعمارة الأرض وتأمين الناس من الخوف واطعامهم من الجوع وينهانا سبحانه وتعالى عن الاستبداد والظلم والفساد والافساد في الأرض. نجاح كبير في تهييج المشاعر ومخضها صعدت الحركة الاسلامية بقوة الى المسرح السياسى السودانى بعد ثورة اكتوبر 1964 باسم جبهة الميثاق الاسلامى.وكان شعارها الاساسى الدستور الاسلامى.وقد اتسم خطابها بالمزايدة والتبسيط المخل والخواء والاسفاف والاستخفاف بالآخرين وتحويل الإختلاف فى الرأى إلى فجور فى الخصومة .وكان تركيزها على تهييج المشاعر الدينية لصغار السن ومخضها لمحاربة اليسار وزيادة اعداد المؤيدين لها.وقد حققت نجاحاً كبيراً في ذلك.ولكن لم يكن لها اية اجتهاد أو مخاطبة جادة لهموم وتطلعات الناس التى تتعلق بتوفير الامن لارواحهم واموالهم واعراضهم ولإقامة العدل بينهم وتسهيل سبل المعايش. الإستبداد المطلق و مآلاته قامت الحركة الاسلامية بالاستيلاء على السلطة في نهاية يونيو1989 عن طريق التآمر وابتدرت حكمها بمصادرة كل حقوق الناس السياسية وعلى رأسها حرية التعبير وحرية التنظيم وحرية اختيار ومحاسبة من يتولون المناصب العامة واقامت نظام للحكم يقوم على الاستبداد المطلق.وحاربت الناس في معايشهم بالفصل من العمل والمضايقة والمحاربة في ممارسة التجارة والعمل الخاص لتمكين الحركة الاسلامية والذين ينتمون اليها سياسيا واقتصاديا.وقد جرى ذلك التمكين عن قصد وبوعى كامل وليس بسبب خطأ في الفهم كما يقول على عثمان محمد طه الذى كان له هو شخصياً دور كبير جداً فى ذلك التمكين.وقد أدى الاستبداد المطلق الذى أقاموا عليه نظام حكمهم الى الظلم المطلق والفساد المطلق. كما أدى إلى الفشل المطلق في القيام بوظائف الحكومة الاساسية فى اية دولة وهى : أولاً توفير الأمن لأرواح الناس وأعراضهم وأموالهم.واليوم الحروب والانفلات الأمنى في اغلبية اجزاء السودان وخاصة كردفان ودارفور والنيل الأزرق. ثانياً اقامة العدل باعطاء كل ذى حق حقه وحماية الضعيف من عدوان وظلم القوى.ولكن في عهد الحركة الاسلامية صار القوى الذى يعتدى على الناس ويسلبهم حقوقهم هو الحكومة نفسها التى صادرت حريات وأموال الناس وحقهم في العمل في أجهزة الدولة وممارسة التجارة بدون محاربة ومضايقة. وثالثاً تسهيل معايش الناس بالتحكم في الاسعار وتوفير فرص العمل وتوفير خدمات التعليم والصحة.ولكن فشلت الحركة الاسلامية بإمتياز فى إدارة الإقتصاد ووصلت أسعار السلع و الخدمات إلى مستويات أدت إلى افقار اغلبية الشعب السودانى وخاصة الذين يعملون مقابل أجر من جنود وعمال وموظفين واصحاب الدخول المنخفضة الذين يعملون لحسابهم. ومعدلات البطالة اليوم و حسب الإحصاءات الرسمية (19%) وسط كل سكان السودان و (34%) وسط الشباب و (48%) وسط خريجى الجامعات. وقد انهارت خدمات التعليم والصحة انهيار شبه كامل .وعلى الرغم من ذلك الفشل المطلق يتجرأ على عثمان محمد طه ويقول ان تجربة الحركة الاسلامية في مجملها تجربة ناجحة وحسناتها وايجابياتها تفوق نقاط الضعف والتقصير والأحطاء.فأين الحسنات والايجابيات التى يتحدث عنها على عثمان ؟ ان النجاح الوحيد الذى حققته الحركة الاسلامية هو الكنكشة في الحكم لمدة تجاوزت ربع القرن وفى المال الذى جمعه رموزها.فقد نجحت الحركة الاسلامية نجاحاً باهراً في الاحتفاظ بكراسى الحكم وفى انتقال اغلبية رموزها من بيوت القش والطين الى العمارات الفاخرة بعد أن رموا بالفكرة (اقامة الدين) فى سلة المهملات.
البناء على شفا جرف هار يقول على عثمان محمد طه ان فشل واخفاقات الحركة الاسلامية يعود الى فشل واخفاق الأفراد اما لأنهم لم يكونوا يملكون المعرفة والدراية للقيام بالمهام التى كلفوا بها في ادارة الدولة أو بسبب الضعف البشرى.وهذا تفسير معقول لان الافراد الذين تولوا المسؤوليات في ادارة الدولة في عهد الحركة الاسلامية لم يتم اختيارهم على اساس التحلى بالنزاهة (الامانة والصدق والعدل) والتحلى بالجدارة المهنية العالية ولكن تم اختيارهم على اساس الانتماء الحزبى والقبلى بعد ان تم طرد واستبعاد كل العناصر التى لا تنتمى إلى الحركة الاسلامية ولا تنتمى إلى قبائل المتنفذين الذين يقومون بالاختيار والتعيين.ولكن التفسير السليم و المنطقى لفشل الحركة الاسلامية في تحقيق الفكرة (اقامة الدين) وفي القيام بأبسط واجبات الحكومة التى أشرت اليها اعلاه هو بناء حكم الحركة الاسلامية عن قصد و بوعى كامل على شفا جرف هار ( حافة بئر متصدعة)- التوبة 109. فرموز الحركة الاسلامية على درجة عالية من التعليم وهم يعرفون قول الله تعالى إن أمر الناس شورى بينهم(الشورى 38) الذى يعنى أن يدير الناس شؤون دينهم ودنياهم بالتشاور والتناصح والتراضى بدون وصاية او استبداد من فرد أو جماعة.ويعرفون قوله تعالى انه لولا دفعه للناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض (البقرة 251) ولهدمت البيوت التى يعبد فيها الله (الحج 40) لأن الانسان كما يقول الله سبحانه و تعالى الله - ضعيف (النساء 28) وظلوم وجهول (الاحزاب 72) وهلوع (المعارج 19) وضعيف الايمان (يوسف 103 و 106) و فاسق (الاعراف 102) وظالم لنفسه (النمل 61 وفاطر 45) وعجول (الانبياء 37 والاسراء 11) ونفسه امارة بالسوء (يوسف 53) وطماع ظالم (ص 23 و 24) و محب للمال ( العاديات 8 ) و يؤثر العاجلة أى الدنيا على الآجلة وهى الآخرة ( الأعلى 16). ولن تجد أيها القارئ الكريم استثناء في كتاب الله لرموز واعضاء الحركة الاسلامية من الصفات التى يطلقها الله على عباده.ولذلك أمر الله في كتابه العظيم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في آل عمران (104و 110و 114) والمائدة (79) والتوبة (71) ولقمان (17).ولكن رموز الحركة الاسلامية الذين ملكوا سلطة إتخاذ و إنفاذ القرارات قد آثروا العاجلة فرموا أوامر الله ونواهيه بعيداً وبنوا نظام حكمهم على الاستبداد المطلق فأنهار بهم فى هاوية الظلم المطلق والفساد المطلق والفشل المطلق.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة