كنا قد تناولنا في الأسبوع الماضي تطلب معقولية القانون لمنع التعسف في الأحكام، وفق مبدأ سيادة حكم القانون. وننظر فيما يلي لبعض أهم الصور التشريعية التي تخرق ذلك المبدأ في القانون السوداني. وهي مجرد نماذج لعدد كبير من النصوص التشريعية التي تفتقد المعقولية، وبالتالي المشروعية في القوانين التي صدرت تحت تأثير الدولة الرسالية. تحتوي المنظومة القانونية السودانية على نماذج عديدة لأفعال تم تجريمها بشكل يفتقد المعقولية، يضيق المجال عن عرضها جميعاً في مقال واحد. ونتعرض اليوم لبعض منها يجمع بينها الرغبة في ضبط المسائل الأخلاقية بالعقوبة القانونية دون أن تكون حدود سلطة الدولة في توقيع العقاب واضحة في ذهن المشرع، مما أدى لإنفلات في التجريم لا تبرره مصالح الدولة الآنية ولا البعيدة. الدعارة وفقاً للقانون الجنائي لا يكاد يوجد قانون جنائي في أي نظام قانوني لا يعاقب على ممارسة الدعارة، والتكسب منها بإعتبارها ممارسة مرذولة، تتحلق حولها كثير من الممارسات الإجرامية، كالإتجار بالبشر، والإتجار بالمخدرات، وتتكون حولها عصابات الجريمة المنظمة. الدعارة التي نعنيها، والتى يفهمها الجميع، هي مبادلة الجنس بالمال، وهي تتمثل عادة بممارسة رجل للجنس مع امرأة لقاء مبلغ من المال، ولكن ليست بالضرورة كذلك. فهنالك أشكال أخرى للدعارة تقع بين أعضاء الجنس الواحد، أو تتغير فيها الأدوار بين الرجل والمرأة، ولكنها تتفق جميعها في أن أحد طرفي العلاقة يدفع مالاً لقاء الحصول على خدمات ذات طبيعة جنسية من الآخر. ويقال عن الدعارة أنها أقدم مهنة في التاريخ. غموض الفعل المكون للجريمة إذاً فلا غرو أن يتصدى القانون الجنائي لتلك الممارسة. وهذا ما فعلت المادة 154 أو ما ظن مشرعوها أنها تفعله. يصعب تحديد ما تقصده المادة 154 من كلمة دعارة، فهي لم تعرفها، وإنما عرفت محل الدعارة، وعاقبت على التواجد فيه. ومحلات الدعارة أو بيوت الدعارة في مفهوم الكافة ـوليس المادةـ هي بيوت مخصصة لممارسة العمليات الجنسية لقاء أجر. وهي ما يطلق عليها الفرنجة Brothels ، وقد أصبحت إدارة هذه المحلات جريمة في أغلب البلاد. يؤخذ على هذه المادة عدم ضبط اللغة بحيث أصبحت محاولة ضبط الجريمة تسبب هلعاً أشد من إرتكابها لدى المواطنين الملتزمين بأحكام القانون. تنص الفقرة (1) من المادة 154 على مايلي :- (يعد مرتكبا جريمة ممارسة الدعارة، من يوجد في محل للدعارة، بحيث يحتمل أن يقوم بممارسة أفعال جنسية، أو يكتسب من ممارستها، و يعاقب بالجلد بما لا يجاوز مائة جلدة، أو بالسجن لمدة ثلاث سنوات.) والمادة كما هو واضح من نصها لا تعاقب على ممارسة الدعارة، بل على التواجد فى محل للدعارة. وقد تم تعريف محلات الدعارة فى الفقرة الثانية من المادة والتي سنتعرض لها لاحقاً، ولكن القانون لا يعاقب ولا حتى يُعرِّف ممارسة الدعارة. الخطأ في التشريع الفعل المعاقب عليه في المادة، هو أن يتواجد الشخص في محل للدعارة، بحيث يحتمل أن يقوم بممارسة أعمال جنسية، أو يكتسب من ممارستها. ويلاحظ هنا أن احتمال حدوث أعمال جنسية لا صلة له بقصد التواجد لدى الجاني، بل هو متعلق بفعل التواجد نفسه. وهذا خطأ فني في التشريع. فمعيار الإحتمال هو معيار معروف في القانون، يتعلق بتوقع الجاني للنتيجة التي يحدثها فعله، و يستخدمه القانون دائماً للتعرف على الحالة الذهنية للجاني وقت إرتكاب الفعل، ولكنه لا يتصل أبداً بإحتمال إرتكاب الفعل نفسه، لأن أساس سلطة العقاب هو إرتكاب الفعل لا إحتمال إرتكابه. فإذا أخذنا جريمة القتل مثالاً نجد أن القانون يُجرِّم إزهاق روح إنسان حي. وهذا يتطلب إثبات أن الجاني إرتكب الفعل الذي سبب الوفاة، وأنه قصد من ذلك تسبيب الوفاة. والأولى يسهل إثباتها أو نفيها، والثانية يُستدل عليها لأنها تستلزم الغوص في نفس الجاني. فإثبات أن المتهم ضرب القتيل بعصاه يتم بالشهادة المباشرة عن ذلك ممن حضر الواقعة. أما إذا كان الجاني قد قصَد تسبيب الوفاة نفسها أم مجرد إحداث الأذى، فهذا يُستدل به من الوسيلة التى إستخدمها. هنا تدخل مسألة إحتمال حدوث النتيجة، فدرجة قوة الضربة، وغلظة العصا، تحددا ما إذا كان الموت نتيجة محتملة، فيكون القتل شبه عمدي، أم راجحة فيكون عمدياً، أم هي ضربة لا يتوقع عنها إلا الأذى. فالقانون لعجزه عن الغوص في نفس الجناة يستدل على قصدهم بما إذا كانت النتيجة التي سببها الفعل الذي إرتكبوه هي تتيجة محتملة أو راجحة لذلك الفعل . أي أن مسألة الإحتمال في القانون تتصل بنتائج فعل الجاني، ولكن الإحتمال المتطلب فى المادة 154 لا صلة له بنتائج ما قام به الجاني من أفعال، بل بما يحتمل أن يقوم به. وهذا لعمري إنفلات في التجريم، يورث الهلع فى النفوس. فإذا حوكمنا على إحتمال ما يمكن أن نقوم به من أفعال، وليس ما قمنا به بالفعل فما هو العاصم لنا من العقاب؟ فليس هنالك ما يمنع من الناحية المنطقية أي شخص من القيام بأي فعل تمكنه قدراته الجسدية على القيام به. تجريم أفعال لا ضرر منها ولنأخذ مثل بائع الهامبرجر، أو فني الإلكترونيات، والذي أتى لتوصيل سلعة أو إصلاح جهاز إليكتروني، لمحل للدعارة، هل هناك ما يمنعه من القيام بممارسة جنسية رغم أنه لم يحضر لهذا الغرض؟ لغة المادة تعني أن مجرد تواجد الشخص فى محل الدعارة، يكفي لإدانته بموجب الفقرة الأولى من المادة. ولكن ذلك التواجد في واقع الأمر لايشكل ممارسة للدعارة بل هو لايصل حتى للشروع في ممارستها، فالشروع هو إتيان فعل يدل دلالة ظاهرة على قصد إرتكاب جريمة إذا لم تتم الجريمة بسبب خارج عن إرادة الفاعل. (م19 جنائي ) ومجرد وجود الشخص في محل للدعارة، لا يدل دلالة ظاهرة على قصد إرتكاب الجريمة، فصاحبنا فني الإلكترونيات كان تواجده في محل الدعارة بغرض إصلاح أحد الأجهزة الموجودة في المنزل، وإن كان ذلك لا ينفي إحتمال ان يقوم بممارسة جنسية. المادة بهذا الشكل تحمل خلطاً بين كل الأسس التي يقوم عليها القانون الجنائي فهذا الشخص المسكين ليس له أي رغبة في مخالفة القانون ولم يفعل ما يعتقد أن به مخالفة للقانون، فقد تم استدعاؤه لإصلاح تلفزيون بمنزل يدار للدعارة، فحضر لسوء حظه وقت مداهمة الشرطة للمنزل، ليجد نفسه وهو الذي لم تنصرف نيته لمخالفة القانون أصلاً، قد إرتكب جريمة ممارسة الدعارة. إنعدام المعقولية هذه المسألة هي نتاج الخلط بين أشياء عديدة، الأولى هي عدم التفرقة بين الأفعال المكونة للجريمة والأفعال التحضيرية. الفعل المكون للجريمة بالنسبة لممارسة الدعارة هو الممارسة الجنسية لقاء المال، وبالنسبة للتكسب من الدعارة هو اقتضاء المال لقاء الممارسة. وهذا الفعل تسبقه أعمال تحضيرية، لا عقاب عليها، منها الحضور إلى محل الدعارة. وبين الأعمال التحضيرية وارتكاب الجريمة توجد مرحلة معاقب عليها هي مرحلة الشروع، وهو البدء في انفيذ الفعل المعاقب عليه متى ما أوقف أو خاب أثره، لسبب لا يد لإرادة الجاني فيه. ومثال ذلك أن يخلع الجاني ملابسه، أو أن يهم بشريكته في الفعل، ولكن تدخّل الشرطة يحول دونه ودون تحقيق النتيجة الإجرامية. أما أن يتم التواجد في المحل فقط بحسبانه ممارسة للدعارة، فهذا ظلم للناس وعقاب لهم على أفعال لا سبب في العقاب عليها. إحتمال القيام بأفعال جنسية كسبب للتأثيم أيضاً لا يجعل من هذه المادة أكثر معقولية، فماذا يعني إحتمال القيام بأفعال جنسية؟ أليس هذا الإحتمال قائماً في كل الأحوال؟ إن الممارسات الجنسية وقعت في البيت الأبيض من قبل، وتقع في وسائل المواصلات يومياً، وبالتالي فهي دائماً وأبداً إحتمال وارد الحدوث، فما الذي يمكن لذلك العامل المسكين أن يستدل به، ليقنع القاضي بأنه لم يكن هنالك أي احتمال بأن تحدث منه هو ممارسة جنسية؟ إننا نزعم أنه ليس هنالك إستحالة منطقية تمنع وقوع ممارسة جنسية في أي موقف يجمع بين شخصين، طالما إننا نتحدث عنها منسوبة للفعل المادي وليس للحالة الذهنية. تعريف مخل ومختل تنص المادة مادة 154 (2) على(يقصد بمحل الدعارة أي مكان معد لإجتماع رجال أو نساء أو رجال ونساء لا تقوم بينهم علاقات زوجية أو صلات قربى وفي ظروف يرجح فيها حدوث ممارسات جنسية.) وهو تعريف مخل من حيث المعنى، لأنه يغفل تبادل المال لقاء الجنس وهو أساس الدعارة. وهو مختل أيضاً لأنه تعريف غير منضبط من حيث اللغة بشكل يحدد على وجه القطع ماهو ذلك المحل في نظر القانون، فالأماكن المحددة لإجتماع رجال، أونساء، أو رجال ونساء، لا تجمع بينهم صلات قربى، أو علاقات زوجية، هي أماكن عديدة تبدأ بدورالعبادة، ومحلات العمل، والجامعات، وغيرها. إذاً ماهو معيار التفرقة بين كل تلك المحلات، وبين محلات الدعارة، في نظر القانون؟ المعيار الذي إختاره القانون هو (في ظروف يرجح فيها حدوث ممارسات جنسية)، ويحمد للقانون هنا أنه رفع الدرجة من إحتمال لترجيح، ولكننا ما زلنا في الخلط المريع بين المعايير التي قصد منها التعرف على القصد، وبين إحتمالات وقوع الفعل. فالأصل هو أن القانون يستدل بمعيار النتيجة الراجحة، على القصد من الفعل الذي تسبب فيها، ولكنه لا يتدخل بالعقاب لمجرد إحتمال وقوع الفعل. المادة هنا لا تتحدث عن فعل وقع أصلاً، فقد لا تقع أي ممارسة جنسية، ولكن مجرد ترجيح وقوعها يحول مؤسسة كاملة لمحل دعارة، يوقع كل من يتواجد فيه تحت طائلة العقاب. والسؤال هو كيف يمكن لأي شخص أن ينفي إحتمال أو ترجيح وقوع ممارسة جنسية في المؤسسات التي أشرنا إليها، فلننظر إلى داخليات الطلاب أو الطالبات، وهي محل معد لإجتماع رجال أو نساء لا تربط بينهم علاقات قربى أو زوجية، هل تحدث ممارسات جنسية بينهم؟ من يستطيع القول بأن ذلك لا يحدث، فالمادة لا تتحدث عن وقوع عملية جنسية، بل فقط عن إحتمال وقوع ممارسة جنسية، فماذا يعني ذلك؟ الثابت هو أن إلتصاق شخص بآخر للحصول على متعة جنسية يكفي للقول بأن ممارسة جنسية قد وقعت. إذا كان ذلك صحيحاً واللغة المستعملة تسمح به، هل تخلو داخلية لمراهقين، أومراهقات، أو مدرسة منه؟ هل يجعل ذلك من الداخليات والمدارس محال للدعارة ؟! من حيث اللغة ليس هنالك ما يمنع ذلك. إفتقاد المعقولية في قانون النظام العام يعرف كل من له إتصال بالقانون، أن قانون النظام العام لولاية الخرطوم، هو قانون مؤسس على ذهنية الإسترابة في الأنوثة، وأنه يتعامل مع حالة الأنوثه بإعتبارها شر لابد منه، وأنها تشكل وفقاً لتلك الذهنية مصدراً لخطورة كامنة يجب حفظها في أضيق نطاق لإستحالة التخلص منها. وقد رما القانون عن طريق ما يتضمنه من أحكام تمييزية لتحقيق هدف لا يجوز للدولة أن تسعى لتحقيقه، وهو تقييد حياة النساء الإجتماعية، وممارستهن لأعمالهن. ونكتفي هنا بثلاث أمثلة على تلك الأحكام. رقص النساء تنص المادة 7 (1) على أنه (يجب على كل شخص صدر له تصديق حفل غنائي مراعاة الضوابط التالية :- (ب) (عدم السماح بالرقص المختلط بين النساء والرجال أو السماح برقص النساء أمام الرجال.) وهذه المادة العقوبة على مخالفتها كسائر المخالفات الواردة في القانون، تصل إلى السجن الذي لا يجاوز خمس سنوات، أو الغرامة، أو العقوبتين معاً، أو الجلد. وهذا يمنع رقص النساء تماماً في الحفلات التي يحضرها الرجال، حتى ولو رقصن مع بعضهن البعض، لأن رقص النساء في حضور الرجال ممنوع. ولما كانت أغلب المناسبات والحفلات العامة يحضرها الرجال، فإن هذه المادة من شأنها في واقع الأمر حصر رقص النساء على مناسبة " رقيص العروس"والتي أصبح يُحظر فيها حضور الرجال مؤخراً. وهذه المادة ليست فقط مخالفة للمنطق، ولكنها أيضاً مخالفة لتقاليد هذا الشعب المسلم، والذي يعرف الرقص المختلط في كافة أنحاء القطر. هذه المادة تعبير عن تعامل المشرع مع المرأة بإعتبارها مصدراً لغواية الرجل، دون أي إعتبار لشعورها. فالرجال غير ممنوعين من الرقص فى حضرة النساء، ولو كان الرقص فى حضور الجنس الآخر يقود للغواية، ومن ثم الرذيلة فى نظر المشرع، لكان الأولى به أن يمنع الرجال أيضاً من الرقص فى حضرة النساء. أما الإقتصار على منع النساء من الرقص في حضرة الرجال فينطوي على تمييزغير دستوري ضدهن. ورغم وجود هذه المادة فما زال الرقص المختلط، ورقص النساء مع بعضهن البعض، في حضور الرجال، يشكل مشهداً عادياً في المناسبات، والحفلات الخاصة، دون إستهجان من أحد. وما نسمع به من حين لآخر حول محاكمة مخالِفات للقانون لا ينفي ما ذكرناه عن عدم توقف النساء عن الرقص فى الحفلات المختلطة، بل يؤكد التطبيق الإنتقائي للقانون. أماكن تصفيف شعر النساء لعل ما يلفت النظر هو أن الذهنية الذكورية لم تنس حق الرجال في المساواة، بالنسبة لأرباح محال تصفيف شعر النساء دون أن تغفل عن حمايتهم من التعرض لغواية النساء. فنصت المادة 15من قانون قانون النظام العام في الفقرة الأولى منها على أنه (1) يجوز للرجال إمتلاك محل لتصفيف شعر النساء وفقاً للشروط والضوابط التي تحددها السلطة المحلية المختصة. والفقرة الثانية التي أنتجتها ذهنية الإسترابة في الأنثى تذكر. في حالة منح الترخيص وفقاً لأحكام البند (1) من هذه المادة يجب ان يدار المحل بواسطة إمرأة. وفقاً لتلك الذهنية فقد منع القانون تواجد الرجال في محلات تصفيف شعر النساء ، و تحوط لذلك بعدة تحوطات، أدت لتحويل محلات تصفيف الشعر إلى قلاع محصنة ضد الرجال. فتطلب أن يكون لتلك المحلات باب واحد، و أن يكون ذلك الباب مطل على الشارع الرئيسي، حتى لا يتسرب رجل من الباب الخلفي. و يجب ألا يسمح ذلك الباب لمن بالخارج أن يعاين من بالداخل. و يجب أن لا يقل عمر مديرة المحل عن 35 سنة، وهو عمر يفوق العمر المتطلب لعضوية الهيئة التشريعية. ولا يجوز إستخدام أي عاملة بالمحل إلا بعد التأكد من إستقامتها، وحسن سيرها. وذهب القانون بعد ذلك لإستباحة تلك المحلات، بعد تحصينها، فأجاز الدخول فيها في أي وقت بغرض التفتيش، والتأكد من تطبيق أحكام هذا القانون. كيف يمكن تفسير هذا الحكم ؟ إن المعنى الوحيد أنه ليس للنساء حرمة، فبعد أن أبعد القانون الرجال عن محل تصفيف الشعر، رفع عنه أي حرمة متعلقة بالخصوصية، فالأصل هو عدم تفتيش الأماكن إلا وفقاً لقواعد محددة، موجودة في قانون الإجراءات الجنائية، والذي يجيز لوكيل النيابة أو القاضي، أن يصدر أمراً بإجراء التفتيش الخاص لأي مكان أو شخص، متى رأى أن ذلك يساعد في أغراض التحري أو المحاكمة أو التنفيذ، بحسب الحال. كما ويجيز للقاضي في أي وقت بناء على طلب من الجهة المختصة أن يصدر أمراً بإجراء التفتيش العام لأي أمكنة أو أشخاص، متى رأى أن ذلك يساعد في أغراض إكتشاف الجريمة. ورغم أن هذه القواعد لا تشكل حماية كافية لحق الخصوصية، وهي بذلك مخالفة للدستور، و للشريعة الإسلامية، إلا أن قانون النظام العام لم يشغل نفسه حتى بتلك القواعد غير الكافية، بل ألغاها تماماً، إذ لا حاجة للقوة التي تدخل في مكان تصفيف الشعر للحصول على إذن أو أمر بتفتيش المحل. الفصل بين الرجال والنساءفي المركبات العامة من المواد التي لا يحفل بها أحد رغم وجودها في القانون المادة (9) من قانون النظام العام، والتي تلزم أصحاب البصات العامة بتخصيص أحد الأبواب، وعشرة مقاعد للنساء، وبالعدم تخصيص ربع المقاعد لهن. وتمنع المادة (9) تواجد النساء في المكان المخصص للرجال، و تواجد الرجال في المكان المخصص للنساء، وعاقب القانون على ذلك بالسجن والغرامة والجلد أو أياً منهم. لم يعرف القانون كلمة بص وهي كلمة عند العامة تعني العربة المخصصة لنقل الجمهور بشكل جماعي من مكان لآخر وفق خط محدد للسير. ولا يوجد تحديد لحجم تلك العربات، ولا سعتها في القانون. وبالتالي فإن أغلبها لايستطيع تخصيص العشرة مقاعد للنساء ويعني عدم تخصيص تلك المقاعد أن تلزم بتخصيص ربع المقاعد للنساء وهي جريمة فهل يعقل هذا؟ ويبدو إفتقاد القانون للمعقولية واضحاً من التحديد العشوائي لعدد عشرة مقاعد، أو نسبة الربع، فمن أين جاء القانون بذلك العدد؟ هل قرر مجلس تشريعي الولاية ذلك العدد وهو على علم بأن تلك النسبة تمثل نسبة راكبي البصات من النساء إلى مجموع ركاب البصات العاملة في الخطوط الداخلية؟ هل هنالك أصلاً إحصائية في بلد مازالت غير موقنة من عدد سكانها بعد أكثر من عقدين على صدور القانون؟ إذا كان المشرع لا يعلم تلك النسب، ومع ذلك فهو يقيد المقاعد المتاحة للنساء في البصات العامة، هل يكشف ذلك عن أي إحترام للنساء؟ أو حتى للعقول مجردة من حالتي الأنوثة والذكورة؟ لا شك أن الفصل بين الجنسين في البصات، مع تخصيص مقاعد للنساء، لا تزيد عن نصف المقاعد المخصصة للرجال، دون أن يكون ذلك متصلاً بأي إحصائية معلومة عن عدد الرجال الذين يستخدمون المواصلات العامة بالمقارنة مع عدد النساء، من شأنه أن يؤدي إلى عرقلة تحرك النساء، ومنعهن من أداء عملهن، وهو أمر من شأنه أن يميز ضدهن عن طريق تحديد عددهن في المركبات العامة بشكل يفتقد المعقولية. وحسنا فعل الناس والسلطات حين تجاهلوا هذه المادة. نبيل أديب عبدالله المحامي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة