أعرف أن مهنة الكتابة السياسية ليست مهنة علاقات عامة أو رسالة يومية من الترضية والحصول علي حب وسعادة كل القراء وكل الأطراف. وأعرف جيداً أن رأيي الذي سأكتبه اليوم بشأن خلافات المعارضة السودانية قد يفتح النار علي شخصي الضعيف أبواب الجحيم.. ولكن ما أقوله هو تعبير عن قناعاتي للأحداث. إنها مسألة ضمير من دون زيادة أو نقصان! يبدو أن نظام البشير محظوظ بالمبعوثين الدوليين والوسطاء الإقليميين غير الحاسمين، وباتحاد أفريقي غير حاسم، وأيضا بمعارضة متشرذمة مريضة بالخلافات والتناقضات حد العداء. ومن أولي الأولويات ومن البدهيات، أن تتوحد المعارضة السودانية في الموقف السياسي كي تتمكن من مواجهة الهجمة العدوانية الشرسة التي يشنها النظام السوداني ورعاته. والخلافات المشتعلة في أواساط المعارضة هي عبء اّخر علي الثورة السودانية ربما أكثر من هجمة نظام البشير، لان المجتمع الدولي، لا يثق في معارضة متشرذمة يدّب الضعف في اوصالها، مثل المعارضة السودانية، ولا تحظي باحترام المجتمع الدولي، لان المعارضة المتشرذمة، هي مجموعة معارضات، مما يسمح للنظام بتأسيس معارضات تابعة له لتنسف الثورة من الداخل وقد فعل.. بينما يتحتم علي الثوار السودانيين أن يوحّدوا مواقفهم السياسية، ويتركوا خلافاتهم الايديولوجية والشخصية لما بعد سقوط النظام.. فإذا ما استمرت الخلافات تدب في المعارضة فإن الثورة السودانية في خطر.. وهذه الخلافات المؤلمة التي تسور في صفوف المعارضة هي التي منحت نظام البشير المزيد من الحياة والقوة، وليس فقط الدعم القطري الايراني الصيني الروسي... المستمر للنظام. ولو توحّدت المعارضة سياسيا، لاستطاعت هزيمة نظام البشير ورعاته، لأن وحدة المعارضة خلف الثورة السودانية هي العامل الحاسم في تحديد مصير السودان. ولا يفهم المرء أي سبب لإثارة الخلافات في المعارضة، ما دام الهدف واحداً.. خاصة أن هذا الهدف لا يتحقق أبداً في وجود معارضة متشرذمة... وخلافات المعارضة السودانية جعلت المجتمع الدولي يحجم عن تقديم الدعم المناسب للثورة، كما أن هذه الخلافات تضع الدول الداعمة سياسيا للثورة في خرج، لأن كل حزب أو فصيل أو حركة مسلحة يدَعي أنه هو الأخلص وهو زعيم الثورة. ويبدو أنه يتعَين علي الثورة السودانية، الآن، أن تخوض الحرب علي عدة جبهات، فأعداء الثورة هم النظام ورعاته، وعدو ثالث لا يقل خطراً عن العدوين الآخرين هو الخلافات في أوساط المعارضة، إذ إن خلافات المعارضة تؤدي الثورة وتوهنها وتعطي للنظام المزيد من الدعم المعنوي والمادي وتسمح له باللعب في مسرح المعارضة نفسها، وتعطيه الوقت الكافي لممارسة مراوغاته وتكتياته. وتسمح خلافات المعارضة باختراقات عديدة للثورة من شخصيات مصلحية وعصابات إجرامية، ومجموعات تابعة للنظام لرعاة النظام، مما يشوّه الثورة ويخلق شعوراً بالحذر منها في أوساط المجتمع. ويتعين أن تكون هذه الخلافات في إطار وحدة المعارضة وصمود الثورة ومعنويات مقاتلي الحرية، وألا تتطور لتكون نشر غسيل وتخوينات ووهنا للمعارضة في وقت يتحد النظام السوداني ورعاته ويستثمرون كل سقطات المعارضة وأخطائها. وفي الحقيقة فإن أقوي حلفاء النظام السوداني طول السنوات الماضية هو خلافات المعارضة.. وهذا الحليف للنظام السوداني، أقصد خلافات المعارضة، ساهم في تدعيم النظام وتنظيم قواه وتدبير خططه بيسر وسهولة ويسر. وإذا لم تتوحد المعارضة السودانية وإن لم ترسخ وحدتها لتحمي نفسها أولاً من المخترقين والمزايدين والمصلحيين والانتهازيين، فإنه لا أمل بسقوط النظام حتي وإن انشقت عنه كل وحدات الجيش وهجرته كل الميلشيات الأجنبية وتخلت عنه قطر وإيران وتشاد والصين وروسيا... يتعين أن يدرك الثوار السودانيون ويؤمنون أنه لا توجد ثورة بلا وحدة ولا يوجد فصيل بلا وحدة، ولا أمل بدعم دولي او إقليمي قوي بلا وحدة.. بل ان هذه النزاعات والتراشق الإعلامي بين متحدثي أحزاب أو فصائل الثورة زرع الإحباط بين السودانيين وحتي بين المواطنين الأفارقة والعرب المؤيدين للثورة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة