الذكرى الخامسة بعد المائة . معركة دروتى 1910-09-11تاريخ دارمساليت !! التى شكلت حدود السودان الغربية حديثاً فى القرن ال 20 بقلم/امانى ابوريش.
حدث فى مثل هذا اليوم 09-11 من كل عام، انتصر جيش المساليت على الجيوش الفرنسية فى العام 1910، هذه الايام تحتفل دارمساليت بالذكرى الخامسة بعد المائة لمعركة دروتى التى شكلت الخارطة الجديدة لحدود السودان الحديث غرباً، و التى احدثت تغييراً كبيراً فى تأريخ السودان و افريقيا فى القرن العشرين، فى ملحمة تأريخية دامية، و التى التقى فيها الجيشان، جيش دارمساليت بقيادة السلطان محمد تاج الدين، و الجيوش الفرنسية بقيادة الكولونيل مول، بعدما التحم الجيشان و دار رحى المعركة فى ارض دروتى الطاهرة التى ارتوى ترابها بدماء شهداء دارمساليت الشجعان، استمرت المعركة حوالى نصف يوم، و فى ذلك اليوم استشهد حوالى عشره الف مناضل من ابناء المساليت. انذاك كانت فرنسا تحتل غرب افريقيا، و ارادت توسيع مستعمراتها بالزحف نحو دارمساليت لضمها الى مستعمراتها و ثم يشمل ذلك دارفور، ثم التوغل الى داخل السودان كما حدث و ان وغلت فى النيل، فاستطاع جيش المساليت من دحر الجيوش الفرنسية فى معركتى درجيل، و كريندينق، فهذا الامر استفزَّ القوات الفرنسية عند استلامها برقية هزيمة قواتها فى دارمساليت، فى كل المعارك كانت القوات الفرنسية تستخدم الاسلحة الحديثة الرشاشات، البنادق، مقابل جيش المساليت الذى كان يستخدم الاسلحة البيضاء، و بعضاً من الاسلحة التى استولوا عليها عند هزيمة الجيوش الفرنسبة فى معارك كريندينق، و درجيل، فى الوقت ذاته بدلاً من اتحاد سلطنة الفور مع سلطنة المساليت لمواجهة الاستعمار الفرنسى، خاض المساليت حروب من ثلاثة جبهات حرب الفور مع المساليت من جهة بسبب الارض، و كانت الحرب بقيادة على دينار سلطان الفور، فهزم جيش المساليت جيوش الفور ، بعدها عزز السلطان على دينار جيوشه و اعاد ترتيب صفوفه من جديد، ثم ارسل جيشه بقيادةِ وزير دفاعه و صهره زوج اخته تاجه، الوزير قمر الدين وهو من قبيلة البرتى ، فهزم جيش المساليت جيش الفور، و تم اسر قائد جيش الفور الوزير قمرالدين، و كان السلطان تاج الدين على علمٍ بان والدهِ السلطان ابكر اسماعيل عبدالنبى وقع اسيراً لدى السلطان على دينار ، و ذلك بنهاية المعركة المعركة الاولى التى هزم فيها جيش المساليت جيش الفور، عندما سقط السلطان ابكر من جواده ارضاً ، فكان جواده فى قمة الهيجان و الطرب، و لم تتثن له فرصة امتطاء جواده مجدداً، هكذا وقع فى شباك الاسر، قام على دينار باقتياده بالسلاسل و الجنازير الثقيلة على يديه و رجليه، كان السلطان تاج الدين يود تبادل الاسرى وفقاً لما اوصى به الدين الحنيف، تبادل الوزير بالسلطان ابكر، لكن عندما كان يجلس الوزير قمرالدين اسيراً تحت الشجرة امر السلطان تاج الدين باطعامه و معاملته بصورةٍ انسانيةٍ، لكن انقض عليه احد الجنود القاضبين فارداه قتيلاً، و هنا وصل خبر ااغتيال قمرالدين الى زوجته تاجه اخت على دينار، فامرت بان يقطع جزءاً جزاً، فكان فى كل مره يقطع منه جزءاً كان يقول اولاد مساليت (تبيان)بمعنى (صبيان)، و هكذا استمر التقطيع فى مشهدٍ رهيبٍ الى ان لفظ انفاسه الاخيره ، فالى حرب الداجو و المساليت من جهةٍ اخرى ، حيث جاء السلطان ابوريشه من داره بتشاد الى دارمساليت و عسكر فيها حوالى ثلاثة اشهر ، بعدها دحره المساليت الى تشاد، و ايضاً سلطان البرقو الذى شن هجوماً على دارمساليت، لكنه بحكم الدين و علاقات الجوار تراجع و رأى ضرورة تبليغ سلطان دارمساليت ان الفرنسيين يزحفون نحو سلطنته ايضاً، و عليه مقاومة الفرنسيين، استمر جيش المساليت فى الحرب ضد الفرنسيين الى ان تمت هزيمة الجيوش الفرنسية مجدداً، و هذا ما نسترسله فى السطور ادناه.
الفرنسيين و الحرب النفسية.
الحرب استراتيجة عسكرية، و الحرب خدعة، شن جيش المساليت الحرب النفسية التى نفذها ضد القوات الفرنسية الغازية، و كان ذلك بحرق جثث الغزاة الفرنسيين بعد قتلهم و ترك البهارات بجانبهم، ثم يراقبون الجيوش الفرنسية عن كثب عندما كانوا يتفقدون موتاهم و عندها عثروا على بعضاً منهم محروقون و بجانبهم البهارات، فاصابهم الهلع و تملكهم الخوف، فولَّوا هاربين تاركين جرحاهم و موتاهم و اطلقوا اشاعة (المساليت يأكلون الناس)، لكن هذه حقيقة الحرب النفسية، و هزيمة جيش المساليت للجيوش الفرنسية بنهاية المعركة و استولت جيوش المساليت على العتاد الحربى من الاسلحة و مؤن الجيوش الفرنسية الذين كانوا يريدون النجاة بارواحهم فقط، هذه حقيقة قصة الحرب النفسية التى استخدمها جيش المساليت ضد الغزاة الفرنسيين، بعدها انتشر خبر هزيمة الجيوش الفرنسية فى ارض دارمساليت، فعند وصول خبر الهزيمة للمرة الثالثة جنت الحكومة الفرنسية جنونها آنذاك ، و ارسلت الدعم اللوجستى و الاف الجيوش من مختلف مستعمراتها بغرب افريقيا من السنغال، تشاد، الكمرون، و دول افريقية اخرى لتعزيز قواتها الموجودة بغرب افريقيا فى دولة تشاد، لتجديد الهجوم المحكم و غزو دارمساليت مجدداً. فأعد السلطان تاج الدين و وزير الدفاع استراتيجية دفاع عسكرية محكمة، فهكذا تناثرت جثث الشهداء فى مشهدٍ رهيب فى كل شبر من ارض دروتى، فكثرت جثث الشهداء، و اصبح مكان المعركة لا يطاق نسبة للعدد الكبير الذى استشهد فى معركة دروتى و التى انتهت بهزيمة الجيوش الفرنسية على ايدى جيش المساليت فى معركة غير متكافئة من حيث العتاد بقيادة السلطان تاج الدين أبكر إسماعيل عبدالنبى، بنهاية هزيمة الفرنسيين فى معركة دروتى، بعدها كان السلطان تاج الدين يتفقد جيشه، و أثناء ذلك قام احد الجنود السنغاليين الجرحى الذين يقاتلون الى جانب الجيوش الفرنسية، ما ان رأى السلطان سرعان ما سحب مسدسه الذى اصاب السلطان تاج الدين الذى سقط شهيداً فى نفس يوم معركة دروتى، و لكن المناضل القائد الشجاع داوؤد بوبلى قد اجهز على الجندى السنغالى انتقاماً لمقتل السلطان تاج الدين الذى خلفه بعد ذلك اخيه السلطان محمد بحرالدين، الذى عرف بقوته و شجاعته، و حنكته السياسية. بعدها اخذ البريطانيين الدروس و العِبر لما حدث لنظرائهم الفرنسيين الذين هزمهم جيش المساليت فى عدةِ معارك، فبادروا ببناء العلاقات السياسية مع سلطان دارمساليت الجديد، لكسب ود المساليت، و بالتالى يجنبهم الحرب و اراقة الدماء، و تم توقيع اتفاقية قلانى الشهيرة فى عام 1922، بين السيد/ محمد بحرالدين سلطان عموم دارمساليت، و البريطانيين، و من اهم بنودها دارمساليت لها الحق فى ان تقرر الانضمام الى السودان بعد خمسين عاماً (50) اى فى العام 1972، او تظل مستقله كما كانت عليه من قبل، كما توجد وثائق تاريخية فى متحف اللورد ودار الوثائق البريطانية، دارالوثائق الفرنسية، دارالوثائق السودانية، و المصرية، و سلطنة دارمساليت نفسها، ففى نفس 1972( علماً بانه قام الرئيس الراحل محمد جعفر نميرى بإلقاء قانون الادارات الاهلية، و بهدف الانتقام من دارمساليت التى لقنه فيها السيد سلطان عموم دارمساليت السلطان عبدالرحمن الدروس و العبر عندما كان يخدم بالعسكرية آنذاك) و لكن بحكم الدين تلقائياً كان السودان اقرب الى دارمساليت، بدلاً من الجارة تشاد التى اصبحت مسرح و قاعدة عسكرية للقوات الفرنسية التى تدير منها حملاتها الى مستعمراتها بغرب افريقيا، الى الان تظل الاتفاقية قائمة يؤمن بها كل ابناء دارمساليت، الحق قائم بإعلان دارمساليت منطقة حرة مستقلة، و تشكل حدود دولة دارمساليت ناحية غرب حدود السودان الجديدة ، ام لا!!
هنالك حوالى خمسة سلطنات و مماليك فى افريقيا لم و لن يستطع المستعمر الاوروبى ان يستعمرها فى فظلت حرة الى يومنا هذا وهى:-
1-الامبراطورية الحبشة، التى تتمثل فى دولة اثيوبيا، و اريتريا حالياً. 2-مملكة قبيلة البوغندو التى ينتمى اليها كوفى عنان الامين العام السابق للامم المتحدة. 3-مملكة الزولو. 4- مملكة التوتسى. 5- سلطنة دارمساليت. كان و مازال الاحباش يحتفظون بكرسى سلطان دارمساليت عند احتفالهم بذكرى دحر المستعمر. هنا السؤال المطروح !! لماذا يغض البشير الطرف عن تأريخ دارمساليت؟ و لماذا قام عمر البشير بازالة دارمساليت من الخارطة السودانية؟ فى حين انه يُمجد الجبناء امثال المك نمر الذى فر بجلده الى متمه عند الحدود الاثيوبية السودانية، و مازال يمجد كبطل، اكتسح كل الابطال الحقيقيين زيفاً و زوراً.
هنالك الكم الهائل من أبناء السودان، و خاصة المناطق المهمشة كلهم سطروا صفحات جلية فى تأريخ السودان امثال البطل عبدالفضيل الماظ، على عبداللطيف، عبدالقادر ودحبوبه، و الامام السحينى بنيالا، و ابطال كثر لهم تحية المجد و الخلود لارواحهم شهدائنا الطاهرة. لكن نؤكد ان دروتى كانت و مازالن ستظل محل انتباه العالم اجمع، ستظل دروتى حاضرة فى آذآن كل الأوفياء، و الشرفاء من أبناء دارمساليت، رغم انف كل المتآمرين و المتخاذلين، ستظل دارمساليت شامخة كشموخ اهلها، و عالية راية عزها و اعلامها ترفرف و تصدح بتأريخها المجيد،فكانت التضحيات على رمال وادى كجا العملاق، وادى بارى، وادى راتع، و اراضى المعارك فى درجيل، كريندينق، و دروتى التى بموجبها تشكلت حدود السودان غرباً و سطرت انصع صفحات تأريخ السودان الحديث فى أفريقيا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة