:: خرج الفاروق عمر رضي الله عنه ذات ليلة إلى شوارع المدينة وأزقة الحواري، لا ليتلصص على رعيته ولكن ليتفقد الأحوال.. وتفاجأ بإعرابية تناجي زوجها الغائب و تنشد - في ذكراه - الشعر الرصين : (طاول هذا الليل وإسود جانبه، وأرقني إذ لا حبيب ألاعبه / فلولا الذي فوق السماوات عرشه، لزعزع من هذا السرير جوانبه)..ويقترب الفاروق ويسترق السمع، ثم يسألها من خلف الدار : ( ما بك يا أختاه ؟)، فترد الإعرابية بشفافية عالية : (لقد ذهب زوجي بأمرك - يا أمير المؤمنين - الى ساحات القتال منذ أشهر، وإني إشتاق إليه)..!! :: ويرجع الفاروق الى دار إبنته حفصة، ويسألها : (كم تشتاق المرأة الى زوجها؟)..وتستحى الإبنة وتخفض رأسها، ليوضح الفاروق الأمر : ( إن الله لايستحي من الحق، ولولا انه شئ أريد أن أنظر به في أمر الرعية لما سألتك).. فتجيب الإبنة : ( أربعة أشهر أو خمسة أو ستة).. ويعود الفاروق عمر الى داره سريعاً، ويكتب لأمراء الجيش القرار الآتي : (لاتحبسوا الجيوش فوق أربعة أشهر)..!! :: ويصبح الأمر قانوناً في الدولة، بحيث يحفظ للكل النساء أهم حقوقها..تابع مسار القانون، وتأمل الشركاء في صياغته..لم تصغه قمة الجهاز التنفيذي والتشريعي للدولة ثم تفرضه على المجتمع، بل صاغه المجتمع - الإعرابية وحفصة - وإعتمدته قمة الجهاز التنفيذي والتشريعي للدولة، لتعمل به في تنظيم بعض شئون المجتمع، ( حقوق الزوجة).. فالمجتمعات هي المناط بها مهام صياغة القوانين التي تنظم حياتها وتحفظ حقوقها حسب متغيرات العصر..ولو لم يكن كذلك، لما إمتثل الفاروق بالفترة الزمنية التي حددتها إبنته حفصة بحيث يحمي بها (حق الإعرابية)، وكل نساء دولته ..!! :: عقول المجتمع وثقافته وغاياته هي منبع القوانين ومصدرها، وليس الحاكم والسلطان .. وتطورت الدول، ولكن لم تطور نُظم الإدارة العامة على مستوى دول العالم الثالث - والأخير طبعا - بحيث تدير شئون المجتمعات بنهج الفاروق .. فالشاهد أن المجتمعات - هنا ومن حولنا - تتفاجأ بالقوانين ، وتلتزم بتنفيذها بالإكراه، ولو كانت (قوانين معيبة).. نعم، فالقوانين المنزلة من قمم الأجهزة التنفيذية والتشريعية بالدولة هي ( المقدسة) والواجب تنفيذها ولو بحد السيف وإن كانت ذات عيوب وثقوب.. وما عداها محض (طق حنك)، ولا يؤخذ بها وإن كانت مبرأة من كل عيب .. ولو كان في هذا الزمان فاروقاً لكان المجتمع صانعاً للقوانين و (حاميها )..!! :: وما أكثر القوانين السارية - على الناس والبلد - بالإكراه .. وعلى سبيل المثال الراهن، منذ أشهر، تجتمع فئة - قليلة جداً - في دهاليز وزارة الصحة الإتحادية لإصدار المسمى - مجازا - بالقانون.. (قانون المؤسسات الصحية الخاصة)، ليحكم المشافي والعيادات الخاصة كما تهوى (تلك الفئة)، وليس كما يهوى المجتمع.. نعم، يتم طبخ هذا القانون حالياً (في الخفاء)، لًيقدم إلى مجلس الوزراء في (الخفاء أيضاً)، وليمرره البرلمان - كالعادة - بالتصفيق والإجماع السكوتي، ثم لينفذه الأطباء والمجتمع بالإكراه ..لا ندوة بدار الأطباء لمناقشة النصوص، ولا سمنار بشعبة المشافي الخاصة للحوار حول النصوص، ولا مؤتمر صحفي لإثراء ثقافة الرأي والرأي الآخر حول النصوص .. كل هذه الآليات التي تمثل المجتمع المستهدف بهذا القانون المرتقب (مُغيبة)، لأن النهج العام يختزل المجتمع في ( الوزير والوكيل).. !!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة