قد تختلف مع الشيوعيين، لكنك لا تستطيع إلا أن تحترم التزامهم برؤيتهم لبعض الأشياء مبنيةً على تحليلات منطقية تنسجم مع الوقائع في كثير من الأحيان.. و أعجبني ما جاء في مقال أستاذنا البروفيسير/ عبدالله علي إبراهيم عن رؤية المرحوم/ عبدالخالق محجوب، قبل ثورة 21 أكتوبر، لما ينبغي أن يتم كي تنجح الثورة.. و أقتبس من المقال ما يأتي:-
".... فنشر الحزب بياناً في المجلة النظرية للحزب وهي "الشيوعي" (العدد 108، بتاريخ 2 يوليو 1961) بعنوان "تفاقم الأزمة الثورية وتفكك الديكتاتورية". استعرض الحزب في المقال اتساع الحركة الجماهيرية على ضوء إضراب عمال السكة حديد في يونيو 1961 وتوصل إلى وضوح تفاقم أزمة النظام وإمكانية توجيه الجماهير ضربة قاضية له ............... ركن هذه الأزمة في رأي الحزب هو بلوغ الجماهير وضعاً "لا تحتمل فيه العيش تحت ظل النظام الراهن". وهو ركن قليل الاعتبار إذا لم يتضايف على ركن آخر هو تضعضع النظام سياسياً تضعضعاً بلغ به طور العجز عن الحكم........" إنتهى الاقتباس.
ما أقرب البيئة الحاضنة للانتفاضة وفق ما ذكره البيان، ما أقربها إلى بيئة نظام الانقاذ و هو يعجز و يتخبط سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً.. و يرول بين الصفا و المروة دون نتيجة.. فلا الحوار المجتمعي مهد الطريق لعلاج أزماته.. و لا حوار الوثبة قدم ما يسهل له الطريق لتنفيذ ما يريده عبر خارطة الطريق للبقاء في السلطة..
و أنصاره يتداولون فيما بينهم بحثاً عن وسائل النفاذ إلى ( درب السلامة).. و الجوع و الفقر و المرض يحاصرون الشعب من كل منفذ بما هو فوق الاحتمال؟ و النظام يقنع نفسه و يقنع أتباعه بانحسار حالات الفقر و الجوع في السودان.. لكن إضراب لدكاترة فضح عجزه و عدم حرصه و عدم عنايته بالمرضى.. و ليس بوسعه اقناع المرضى بأنهم ليسوا مرضى، و لا الجوعى الضامرة بطونهم بأنهم ليسوا فقراء، و هم يرون خيرات الأرض من زرع و ضرع تملأ الأسواق لكن أياديهم المشلولة تعجز عن الوصول إلى أي طعام..
الناس في جوع شامل و في فقر متكامل، و المرض يتنوع و يتعاظم على طول و عرض السودان يوماً بعد آخر! و يصنع وضعاً "لا تحتمل ( الجماهير) العيش فيه تحت ظل النظام الراهن"
جاء في صحيفة الراكوبة الاليكترونية:- " كشف رئيس المجلس الأعلى للأجور عبدالرحمن يوسف حيدوب، يوم الأربعاء، أن الحد الأدنى للأجور الآن 425 جنيهاً، بينما بلغت تكاليف المعيشة للأسرة المكونة من أربعة أفراد، أربعة آلاف و121 جنيهاً، وأنها تغطي نسبة 16% فقط من تكاليف المعيشة.."
و في تخبط من تخبطات النظام ناقَض الحقيقة أعلاه وزيرُ الدولة بوزارة الرعاية مدعياً أن قياس الفقر العالمية لا ينطبق على السودان، و بالغ في الانكار ليؤكد لنا أن الفقر قد تقلصت نسبته إلى 28% بقياس النظام ( الخاص بهم) في ما يبدو..
و في إحدى الندوات المقامة لبحث طرق الخروج من عنق زجاجة الفقر و الجوع و المرض، اعترف ( أحدهم) بعجز الدولة عن زيادة الموارد الحقيقية للتعاطي مع أي زيادة في المرتبات و الأجور، بينما يؤكد الأمين العام للاتحاد المهني لأساتذة الجامعات د. حسن محمد بشير أن مفارقات الأجور وتكاليف المعيشة، هما السبب الأساسي وراء هجرة العديد من الأساتذة والكوادر العلمية، وذلك لتحسين أوضاعهم المعيشية..
و للدفاع عن هجرة الأطباء، يفاخر ( أحدهم) قائلاً: " نحن ( بنصدر) الأطباء و بعض المحاصيل..." لزيادة العملة الصعبة بالطبع..
لاحظوا كلمة ( بنصدر) هذه و خلوِّها من الذوق و الاحساس بكرامة الانسان.. فكان الأجدر أن يتحدث عن تصدير ( خدمات) الدكاترة، بدلاً عن الدكاترة أنفسهم.. لكن، لا ضير! اعذروهم، فتلك هي نظرتهم للإنسان السوداني.. يتخذونه سلعةً تُصدر أو مرتزقةً يحاربون دفاعاً عن غير أوطانهم نظير حفنة من الريالات و الدراهم..
في ندوة أخرى، " كشف رئيس نقابة المعلمين السودانيين، عباس محمد أحمد، عن استقالات جماعية دفع بها المعلمون بولايتي الخرطوم والجزيرة خلال العام الحالي والماضي بلغت ألف استقالة بالولايتين.." .... أما السيد/ عبد اللطيف سيد أحمد، فيطالب، من موقعه كرئيس لجنة التربية والتعليم بمجلس الولايات، بإنشاء صندوق ( يفرض) رسوم بقيمة واحد جنيه على كل عداد كهرباء بجميع الولايات، وخصم جنيه كذلك من الحسابات الجارية بالمصارف لدعم التعليم، لأن الدولة عاجزة عن دعم العملية التعليمية بالمال في الوقت الراهن... !
الرجل يريد زيادة الرسوم و الجبايات.. و كأنهما لم تثقلا كواهل الشعب الفقير حتى الآن.. إنهم لا يستحون، لذا يفعلون ما يشاؤون..!
تخبط عام في إدارة أزمات النظام.. و الحلول تستعصي.. فيأتون بحلول تخلق مزيداً من الأزمات صعبة الحلول.. و النظام يجثم على صدر السياسة و الاقتصاد و المال و الأعمال و يكتم أنفاس الأمل في أي إصلاح..
النظام يتضعضع ، و أساطينه يتخبطون بحثاً عن معالجات تعيده إلى ( سيرته الأولى).. و أي حل يتم عرضه عليهم و لا يتضمن ما يشبه تلك العودة سوف يكون عرضاً لا يصغي إلى ( صوت العقل) طالما ( صوت العقل) هو كل ما يبشر بإبقائه على سدة الحكم لسنوات عجفاء أخرى تعقبها سنوات عجاف بلا عدد- حسب ما يطمح إليه الشباب المتأسلمون ( المتنفذون) داخل مجمع المؤتمر الوطني الماسوني..
هل بالإمكان توجيه ضربة جماهيرية قاضية للنظام وفق رؤية المرحوم/ عبدالخالق محجوب؟
لقد بلغت الجماهير مرحلة عدم احتمال العيش تحت ظل النظام الانقاذ.. و النظام قد تضعضع سياسياً وبلغ طور العجز عن حكم البلد مبلغاً واضحاً و مشهوداً أمام الجميع.. و كل الإرهاصات تشير إلى وقوع الواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة..!
ما تبقى لتقويض النظام هو تنظيم الجماهير يا أيتها المعارضة بجميع أصنافها..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة