خلال الحوار التلفزيوني مع الرئيس عمر البشير الذي أجراه حسين خوجلي صاحب قناة أمدرمان الفضائية التي تمولها الدولة من الخزينة العامة .... حاول حسين خوجلي (لأسباب شخصية تخصه وحده) تحريض الرئيس البشير ضد المغتربين بالقول أنهم قد وصل تعدادهم 5 مليون وأصبحوا متفلتين.
وتخيل أن تبلغ الوقاحة بشخص إل حد وصف خمسة ملايين مواطن من أبناء شعبه بالمتفلتين!!!
تستخدم كلمة تفلت على عدة معاني . فإن قلت تفلت منه يعني ذلك (تخلص منه) .. وإن جاءت بصيغة تفلت إليه يعني ذلك (إشتاق إليه) .... وإن قلت تفلت عليه يعني ذلك (هجم عليه) .... وواضح أن صاحبنا يقصد هنا هذا المعنى الأخير .....
فهم الناس (فوراً) من محاولة حسين خوجلي إستغلال الحوار مع رئيس الجمهورية بتكوين آراء سلبية عن المغتربين ، والإيحاء الإنطباعي الكاذب بأنهم قد أصبحوا متفلتين ؛ إنما يأتي على خلفية أسباب تمسه شخصيا وتتعلق به هو وحده .... ولم يكن يرمي من طرحه لها الزعم والإتهام أمام رئيس الجمهورية الحدب على المصلحة العامة.
قبل فترة علق حسين خوجلي في تصريح له تعقيباً على شن إمرأة سودانية مقيمة في الولايات المتحدة هجوماً لاذعاً عليه جاء على هيئة إنتقادات شخصية حساسة ... علق على هذا الهجوم وغيره بقوله "نحنا أصلاً مارقين للربا والتلاف". وكان يرمي بذلك إلى تغذية الإنطباع بأنه غير مهتم .... ولكن تعابير وجهه وعباراته كانت تفضح غضبه وتأثره السلبي العميق .... وربما لو كان قد صمت مترفعاً لكان ذلك أفضل له ؛ لاسيما وأن عصر ثورة الإتصال والمعلوماتية قد فرضت الكثير الجديد مما لا يمكن محاصرته على العكس مما هو عليه الحال في الإعلام الورقي والتلفزيوني المحلي الذي يخشى النفوذ والرقابة الحكومية والواسطات وقدرات التأثير الشخصي ؛ ويضعها في حسبانه.
وذات ليلة تسللت إلى أحد برامجه على الهواء مغتربة خفيفة الظل تعني ما تقول . ووجهت له سؤالاً محرجا حين إستفسرت منه عن إسم الكريمات والزيوت التي يستخدمها لتلميع وتبييض وتنعيم بشرته . فكان أن أجابها بأن سر هذا اللمعان والنعومة إنما سببه كثرة الوضوء والصلاة ......
مشكلة حسين خوجلي أنه صحفي يتطلع إلى أن يصبح مفكراً مثل أستاذه الترابي .. ولكنه لا يدرك أن قصارى إمكانياته تأبى عليه إلا أن يقف عند حدود الصحفي.
العمل الصحفي والإذاعي المتلفز التقليدي (المغلق) لدينا لا يعطي ولا يوفر تغذية مرتدة عن إنطباعات المشاهد ... كذلك فإن مواطن الداخل مشغول بهموم معيشته على نحو جعله في شأن يغنيه عن إضاعة ما بيده من أموال للتبرع بالتعبير عن رأيه. والمشاركة في نهضة مجتمعه .... وكذلك يخشى سوداني الداخل من طول يد ونفوذ البعض. ومن ثم فلا يلحظ المرء نشاطاً فكرياً أو تعليقات أو خروج مقالات شفافة من داخل البلاد تناهض أفكار وتنتقد تصرفات هذا المسئول أو ذاك البوق إلا فيما ندر . وعادة ما يكون مصير الصحيفة الورقية التي تنشر مثل هكذا مقال هو مصادرة العدد والبطش بالكاتب ومحاربته هو ورئيس التحرير في الرزق ، والحرمان من العطف والحنان الحكومي الرسمي .....
وحدها إذن أقلام المغتربين هي التي تتصدى بحرية وشفافية للسلبيات الحكومية ، وتناهض تصرفات ومواقف الأفراد الغير مبررة ؛ سواء أكان هؤلاء الأفرد يتقلدون مناصب رسمية وذوي نفوذ أو من المحاسيب وأزلام النظام الحاكم.
ومن بين هؤلاء الذين يتعرضون من جانب المغتربين لهجوم لاذع ، وإنتقادات متكررة في وسائط المعلوماتية يبرز إسم حسين خوجلي.
جاء حسين خوجلي من إحدى قرى الجزيرة المروية إلى أمدرمان للإلتحاق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم . ثم سرعان ما تمكن من الحصول على كلمات السر التي تفتح مغارات علي بابا ، وفك طلاسم مجتمع النخبة وأصحاب النفوذ في المركز .... فكان أن حصل على دعم من الإخوان المسلمين لتأسيس صحيفته ألوان ... وأصبح بها (في زمان التمويل والتمكين) أصغر رئيس تحرير في تاريخ الصحافة الورقية السودانية. ولكن الشاهد أن حسين خوجلي ؛ وعلى قدر النجاح الصاروخي الذي حققه في إختراق طبقة النخبة وأصحاب النفوذ ، إلا أنه ظل بعيداً عن قلوب الجماهير ، وعاجزاً عن تلمس إحتياجاتهم والتعبير عن أحلامهم ...
على حسين خوجلي أن يبيت ويصبح على قناعة اليوم بأن إمتلاكه لصحيفة وقناة تلفزيونية لم يعد بميزة ترفعه إلى أعلى عليين في زمان تعدد وتنوع وسائط المعلوماتية . خاصة وأن القاصي والداني من المهتمين بالشأن الإعلامي والبوق الدعائي يعلم أنه لولا التمويل والدعم المالي المستمر من جانب تنظيم الإخوان المسلمين لأجل خاطر عيونه هو شخصياً ؛ لما كانت صحيفة ألوان ولا كان هو رئيس تحريرها ؛ ولا كانت قناة أمدرمان ولا كان هو رئيس مجلس إدارتها.
إذن ؛ فقد جانب الصواب وسوء التقدير حسين خوجلي حين تصدى يرغب الثأر من المغتربين على خلفية إنتقادهم الدائم له في المواقع الألكترونية الحرة.
ولعله يحق لنا أن نتساءل هنا عن الإجابة التي كان يتوقعها حسين خوجلي من رئيس الجمهورية حين طرح أمامه نلك المزاعم التي إختلقها بقوله "أن المغتربين قد أصبحوا متفلتين"؟ هل كان يتوقع مثلا أن ينفعل رئيس الجمهورية ، فيصدر منه كلاما ليس بطيب في حق المغتربين أو المهاجرين الذين تحولوا إلى جنسيات أخرى؟ أم هل كان أن ينتقم له رئيس الجمهورية . فيأمر بجلد المغتربين في الطابور ، ويحرمهم من الخروج في فسحة الفطور؟
هل كان حسين خوجلي يظن أنه يستحق أن يضعه رئيس الجمهورية في كفة .. ويضع 5 مليون مواطن سوداني في الكفة الأخرى؟ أي وصف عن دواخل هذه الشخصية وأمراضها النفسية يمكن أن يقال هنا؟
من الطبيعي أن رئيس الجمهورية لم يلتفت إلى إفتراء حسين خوجلي على المغتربين . وأهمل ذلك جملة وتفصيلا ..... وتجاوزه مباشرة فتحدث عن خطط لتحويل جهاز المغتربين إلى مفوضية بما يؤدي إلى إستقلاله وتوسيع صلاحياته.
على حسين خوجلي (وأمثاله) إذن إدراك أن كافة المحاولات التي تستهدف فرض (حصار حكومي) على المغترب والمهاجر في رأيه وأفكاره قد كان وسيكون مصيرها الفشل الذريع لعدة أسباب ليس أقلها أن المغترب والمهاجر قد إنعتق في إبداعه وإنتاجه الفردي عن سلبيات الداخل التي يتسبب بها أعداء النجاح والإنجاز من مدمني الفشل البيروقراط وتنابلة السياسة والإقتصاد ... وأن المغترب قد أتاح له إحتكاكه اليومي المباشر مع حضارات أخرى سعة أفق وقدرات على الإدراك والفهم والتقبل ، والحدس والإستنباط بمعدلات تظل فلكية عند مقارنتها بما هو متاح لنظيره المواطن السجين في غياهب وظروف الداخل بشتى وجوهها.
على حسين خوجلي أن يصبح أكثر واقعية في تقديره لذاته . وأن يتواضع أمام نفسه فيضعها في مكانها الطبيعي وحجمها الحقيقي ؛ بدلاً من هذا الوهم المزمن ، الذي يجعله يظن أن الشمس لا تشرق على السودان إلاّ لأجله ؛ ولا تغرب إلا بعد أن يحمرّ وجهها وتبكي على فراقه. على حسين خوجلي إدراك أن لحم المغتربين مـر عصي المضغ عسير الهضم حارق للقولون ....... وأنهم لن يكونوا حديقة خلفية .. وليسوا بالحائط القصير الذي يمكن أن يقفز فوقه دون أن يتعثر ويرتمي على وجهه.
وقبل أن يتهم حسين خوجلي المغتربين ويتجنى عليهم . فقد كان عليه أن ينتقد ذلك التوسع في منح غير السودانيين أوراق ثبوتية وجوازات سفر يستغلونها في السفر إلى خارج السودان ، وممارسة الجريمة ومختلف أنواع الرذائل من دعارة وقوادة ، حتى لقد أصبحت سلطات الداخلية في العديد من الدول الأجنبية تدرك أن أمثال هؤلاء ليسوا بسودانيين في الأصل . وما انفكوا ينتقدون تساهل السلطات السودانية في منح جوازات السفر للأجانب من شرق أفريقيا خاصة .
وأما حين نتحدث عن أبناء تراب السودان الشرفاء المغتربين . فإن أبسط ما يقال عنهم أنهم رجال تمكنوا من إثبات وجودهم ، وكسب الإحترام في بلاد الغير بما يمتلكون من مواهب وقدرات ذاتية ؛ دون واسطات ومحسوبية وتسلق ونفاق وتمكين وترفيع إداري من الفراغ بلا كفاءة وخبرات ... ولأغراض حزبية وسياسية بحتة ؛ حتى أصبحوا مضرب الأمثال في الأمانة والنزاهة والذكاء ومثالاً يحتذى ....
ولقد بلغ بالمغترب السوداني إبن الوطن الحقيقي .. بلغ به حد الكمال أن دفع أكثر من كاتب وصحفي أن يطالب بمنحه الجنسية حتى تستفيد بلاد الإغتراب والمهجر من كريم صفاته وخصاله وقدراته ؛ بوصفه إضافة حضارية وأخلاقية حقيقية للمجتمعات والدول الأجنبية التي يعملون بها.
ومساهمة المغترب في إستقرار البلاد والحفاظ على النسيج الإجتماعي لا تخفى إلا على من في عينيه الرمـد .... لا بل ويساهم المغترب دون أن يقصد في إستقرار النظام السياسي الحاكم ؛ بسبب أن تحويلات الخمس ملايين هؤلاء بالعملات الأجنبية إلى ذويهم على أقل تقدير تسد الفجوة ، وتغطي النقص الذي تعاني منه الأسر السودانية في مقابلة متطلباتها الأساسية من مصاريف التعليم والعلاج والاكل والشرب ، وتلبية الإنفاق على المناسبات الدينية والإجتماعية ....... وحتماً أنه لولا تحويلات المغتربين المنتظمة ، وتلك الإستثنائية لذويهم لما إستطاع النظام الحاكم أن ستمر على سدة الحكم طوال هذه السنوات ... ولكان الشعب قد نزل إلى الشوارع يدفعه سعار الجوع حافياً عارياً لا يأبه بالموت وأزيز الرصاص .
والسؤال الذي نطرحه لحسين خوجلي هنا هو : تلك كانت بعض ونذر يسير من مساهمات المغترب .... فماهي مساهمتك أنت الفاعلة في البلاد حتى تخرج على الملأ وتشكو المغتربين إلى رئيس الجمهورية باكياً على طريقة الحناكيش وتلاميذ الصفوف الأولى في مرحلة الأساس؟
فإذا كنت تظن أن لديك إسهامات فكرية فأنت واهم ؛ وتعطي لنفسك حجما لست مؤهلاً له ولا تمتلك موهبته..... والدليل الأكبر على إفلاسك أن حوارك التلفزيوني مع الرئيس البشير قد إجمع الناس على وصفه بالفاشل ..... وأنه كان مداهنة وتسلقاً أكثر من كونه حوارا .... واتحدوا على هذا الرأي كما لم يتحدوا من قبل.
ثم أنك إذا زعمت أن لديك إسهامات في جانب الصحافة والتلفزيون ؛ فإنك لا تعدو أن تكون بوقاً من أبواق ومرتزقة نظام الإنقاذ الحاكم ليس إلاّ.... تنظر فقط تحت قدميك .... تدافع عن مصالح فئة قليلة ؛ ولا يهمك أمر الشعب ومصالح البلاد العليا من قريب ولا بعيد . إن عدتم عدنا ..... فأكثر ما يمكن أن يقال لم يقال بعد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة