[email protected] تحتشد الوسائط هذه الأيام بمعارك كلامية إبتدرها المصريون ضد السودان على خلفية أزمة الفاكهة المصرية المروية بمخلفات الصرف الصحي كما نقلتها التقارير ولم يكن السودان هو الدولة الوحيدة التي قذفتْ بالمنتجات المصرية القذرة بعيداً عن خيارات الاستيراد، ثم زاد من أُوار المعركة زيارة الشيخة موزا للسودان مؤخراً ووقوفها على الآثار التاريخية والأهرامات الأثرية. والمعروف عن المصريين إتقان (الردحي) وتضخيم الأشياء فهم أفضل من يصنعون (من الحبة قبة)، كما أنهم مشهورون كذلك بمقدرة غريبة على استقلاب الحقائق وتحويرها على رؤوس الأشهاد وصناعة واقع وهمي يخدم مراميهم على نحو إنقلاب السيسي الذي اختطف السلطة جهاراً نهاراً ثم هاهو الإعلام المصري يدعي أنّ السيسي خيار الشعب المصري ليصنع أسطورة عبدالناصر آخر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسبق ذلك تضخيم أحداث ميدان التحرير فبدتْ للناس مثل الأوديسا والإلياذة. والشارع المصري منذ أن تفتحت أعيننا علي هذه الدنيا لم نعرفه مصادماً بل خانعاً حتى لحكم المماليك، وبعد إستقلالهم تسلسلتْ سنوات الحكم فيه منذ أيام عبد الناصر إلى حسني مبارك بسلاسه لم تعترضها إلا معارضه ناعمه أدمنتها أحزاب مصر من حزب الباشا فؤاد سراج الدين وحتي حزب أيمن نور، وبين ذلك مناوشات الأخوان المسلمين الذين انتهى بهم المطاف في زنازين لومان طره بلا حول لهم ولا قوة. الصوره النمطية للمصري والتي انطبعت في الأذهان من المحيط إلى الخليج هو ذلك الرجل الذي تستهلكه تفاصيل الحياه طول نهاره ثم ينفق الليل في السينما والشيشه وارتياد شارع محمد علي. وهي الصوره ذاتها التي رسمتها ورسختها الدراما المصريه وسوَّقت لها عبر السنوات في الأفلام والمسلسلات حيث يظهر المصري فيها مدمن بارات وخمّارات خاضع لسطوة الحكام، ولا يجرؤ الإعلام المصري ولا الدراما المصرية على نقد السلطة بل يقتصر إعلامهم على نقد الممثلين والممثلات والراقصين والراقصات كما يفعل العجوز المتصابي مفيد فوزي ويذهب إعلامهم إلى تقديس عبدالناصر والسادات ومبارك كأنهم مبرأون من كل عيب. غير أنّ المصريين بعقلية القطيع يجيدون تصويب سهامهم نحو الآخرين بإشارة من أصابع دوائر صناعة القرار تقودهم في ذلك قوة كبت هائلة لا سبيل للتنفيس عنها إلا في نقد الآخرين خارج الحدود كما فعلوا مراراً وتكراراً مع السعودية وكما فعلوا مع الجزائر بسبب مباراة كرة قدم وكما يفعلون مع السودان الآن. لم تكن الشخصية المصرية هي محور الدراما ولم تبرزها ذات الدراما شخصية صارمة محترمة في مظهرها ومخبرها فحتى شخصية (سي السيد) المشهورة أبرزتها الدراما منحرفة ولها نزواتها السرية وحتى على مستوى السياسيين يتذكر الناس شخصية رئيس الحزب المثالي أمام الناس لكنه يرقص (عشرة بلدي) خلف الأبواب المغلقة كما جسدها الفنان الراحل حسن عابدين وغنيٌّ عن القول أنّ هذه الأحداث مستمدة من واقع الحياة المصرية وليست محض خيال، وللكاتب المصري عادل حمودة كتاب مشهور عنوانه (حكومات غرف النوم إستعرض فيه التاريخ السري لبعض الزعماء ومنهم عبدالناصر الذي كتب عنه تحت عنوان (فتاة السكاكيني التي أحبها عبدالناصر) وكتب عن الملك فاروق وانحرافاته السلوكية وغيرهم، وهكذا فالمصري دائماً كما تصوره (درامتهم) وأقاصيصهم هو ذلك المنغمس في الملذات والمخدرات حتى كاد يرسخ في ذهن المشاهد العادي أنّ المجتمع المصري كله (عايش على حل شعرو). وربما كانت المليارات التي تدعم بها الدوله المصريه عمليات الإنتاج الدرامي المصري هي جزء من تغييب العقل الجمعي للشعب المصري الذي أدمن تماماً الخنوع ومتابعة الأفلام تحت نفثات الشيشه.. إنّ الإعلام المصري الآن بحاجة لتصحيح الصورة المهزوزة ورد الاعتبار للمصريين حين صورتهم الدراما إنتهازيين ومغلوبين أكثر من حاجتهم لهذه (الجعجعة) التي يفتعلونها ضد السودانيين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة