قبل عدة سنوات كنت رفقة صديق صحفي نهم مساءً بعبور جسر المك نمر ..رأيت تزاحماً في نهاية الشارع..قادني فضولي الصحفي للتوقف..عدد من رجال الشرطة يحاصرون وزيراً لأنه يقود عربة حكومية بلا لوحات..تم رفع العربة على سحاب والوزير في جوفها..تابعت القضية وزرت الوزير علي مجوك المؤمن ..كتبت الحلقة الأولى فيما الثانية منعت من النشر. الوزير الذي قبضت عليه الشرطة كان يشتكي من وزير آخر مسنود في ذات الوزارة..سحب النافذ كل صلاحيات الوزير المهمش بما فيها حقه في قيادة العربة الحكومية..كل ذلك تم لأن الوزير لم يكن مشمولاً بعضوية الحزب الحاكم وجاء للمنصب في إطار المحاصصة. قبل أيام كان الدكتور نافع علي نافع الذي يتمرن تحت الأضواء استعداداً لمرحلة قادمة.. صرح نافع أن المعارضة التي تطرح فكرة السودان الجديد لن تبلغ الحكم ولو سعت لذاك الهدف بعمر نوح المديد.. حاولت أن أتجاهل تصريحات الدكتور نافع باعتباره لا يشغل منصباً تنفيذياً مهماً..كما أن جميع الناس قد اعتادوا على لغته الخشنة جداً في كل مراحل عمله بالسياسة. إلا أن تصريحاً آخر جاء على لسان الأستاذ إبراهيم محمود حامد، نائب رئيس الحزب الحاكم، جعلني أعيد قراءة الأمر..الأستاذ حامد، الذي كان يخاطب المؤتمر التنشيطي لقطاع الشباب بالحزب الحاكم ،أوضح أن حزبه لا يسعى للسلطة فقط ثم استدرك " بل همنا بناء الأمة والمجتمع"..العبارة الأخيرة تفيد بتوجه فيه نوع من الوصاية على الناس..بل تفتح الباب لسؤال كيف كان حال المجتمع والأمة قبل أن يصل إبراهيم وإخوته الى كرسي السلطان. صحيح أن الحزب الحاكم لا يسعى للسلطة ..تلك مهمة انتهت بالتمكين الذي استمر نحو ربع قرن من الزمان قبل أن يعلن الرئيس نهايته العام الماضي ..الآن السلطة تجرجر أذيالها وتسأل عن عنوان الحزب الحاكم..منذ أن وصلت الإنقاذ إلى القصر الرئاسي تعاقب على الولايات المتحدة ستة رؤساء..أربعة منهم قضوا دورتين في الحكم برضاء الشعب.. حينما يضطر الحزب الحاكم لإخلاء وزارة يجري الترتيبات اللازمة التي تجعل الوزير الغريب يتحرك (بريموت كنترول) مثبت في جزء ما من الوزارة أو خارجها تماماً. الآن وبعد ثلاثة أعوام من الحوار جعل الحزب الحاكم المقاعد الستة الأمامية محرمة على من سواه.. الرئيس ونائبيه ورئيس الوزراء بجانب رئاستي البرلمان ..بالطبع جميع مقاعد الولاة غير مطروحة أصلاً للنقاش ..هنالك أيضاً مقاعد حساسة يمنع الاقتراب منها بتاتاً. كل تلك شواهد أن الحزب الحاكم غير مستعد أبداً لفكرة تداول سلمي للسلطة . في تقديري هنا تكمن أزمتنا ..الحزب الحاكم يشعر أن مهمته رسالية..وأن وصايته على الناس طوعاً أو كرهاً ينال عليها ثواباً عظيماً..تحت هذا الإحساس الإيماني يعتبر أي انسحاب من المسرح كمن يولي دبره يوم القتال..ذات الإحساس المؤسسي ينتقل لشاغلي المناصب..لا أحد لديه الرغبة في إفساح المجال حتى لإخوته في التنظيم..لهذا يحدث التكلس والتكالب على المقاعد . بصراحة..ستظل أزمة التداول السلمي للسلطة حاضرة ما لم يحدث تغيير حقيقي في عقلية الوصاية..إن لم يشعر حكامنا أن لبلدنا رباً يحميه فستظل السلطة محتكرة بدواعي حماية بيضة الدين. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة