[email protected] أوقعت قرعة دوري المجموعات لأبطال أفريقيا ناديي الهلال والمريخ في مجموعة واحدة. وفي الوقت الذي سيشعر فيه المشجع العاقل بشيء من الأسى لوقوع الناديين السودانيين في مجموعة واحدة ما يعني ضعف فرص انتقالهما للأدوار القادمة، لا أشك مطلقاً في أن هذه القرعة أسعدت العديد من زملاء المهنة في صحافتنا الرياضية. ومصدر سعادتهم لا علاقة له بالطبع باحتمالات تأهل أحد الكبيرين، بل لأن القرعة بشكلها الذي خرجت به تتيح لهم فرصاً واسعة للمهاترات وتسويق الوهم وسط بعض العاطفيين من جمهور الناديين. ستستمر المانشيتات التحريضية لجمهور كل نادِ ضد الآخر. والواقع أن ذلك قد بدأ في المعسكر المريخي حتى قبل إجراء القرعة نفسها، حين نُقل عن مدرب المريخ غارزيتو أمانيه بأن يقع الهلال معه في مجموعة واحدة. وإن صحت تلك الأخبار فهي بمثابة تأكيد أوضح من شمس الضحى على عدم مهنية غارزيتو. فمثل هذا الكلام لا يفترض أن يصدر عن مدرب يقتات من عمله في المجال. لكن بعض ( الحبرتجية) من المدربين الأجانب الذين يعملون عندنا ( بياخدونا على قدر عقولنا). وطالما أن العاطفة تجاه الناديين هي محرك كل شيء فيهما فلا يجد الواحد منهم غضاضة في تأجيج مثل هذه المشاعر والعزف عليها لتوسيع شعبيته وسط جمهور ناديه. والغريب أن من يفعل ذلك من المدربين الأجانب إن غادر إلى إحدى مدن أقاليمنا لتأدية مباراة دورية نال فيها علقة ساخنة يخرج علينا بتصريحات مثل " أرضية الملعب كانت السبب في سوء الأداء"! نترك المدربين الأجانب وشأنهم مؤقتاً ونعود لأنفسنا الأمارة بالسوء دائماً وعواطفنا التي تقف كحجر عثرة أمام أي نهضة رياضية. وعلى جماهير الناديين قبل أن تطالع المانشيتات التحريضية أن تتذكر أن الحال من بعضه. فلا الهلال ولا المريخ في وضع يؤهلهما لمنافسة خارجية جادة. كل واحد من الناديين الكبيرين يعاني من مشاكل فنية وضعف في جودة لاعبين بمراكز بالغة الأهمية. في الهلال يعاني الدفاع من مشاكل لا حصر لها لا أظنها ستُحل بين عشية وضحاها. وفي المريخ طالعنا تصريحات المدرب وهو يقول بعد تعادل مخيب أمام قادم جديد للدوري الممتاز أن مشكلتهم تمثلت في عدم وجود المهاجم الذي يعرف طريق الشباك! طيب يا غارزيتو طالما أنكم تفتقرون لمهاجم يعرف طريق الشباك، واعتمادكم بعد الخالق على بكري المدينة وحده فما الداعي للفصاحة الزائدة عن حدها والعنتريات! هل سمعتم بفريق يعد نفسه لمنافسات قارية دون أن يكون لديه مهاجم قناص يعرف طريق الشباك! وهل يمكن لدفاع متهالك مثل دفاع الهلال أن يعين فريقه على المضي بعيداً في المنافسة الأفريقية! الواقعية تقتضي الاعتراف بأن الحال من بعضه. ولذلك علينا ألا نضيع وقتنا وراء الأوهام والمعارك بغير معترك. كل ما يفترض أن نفعله هو التمنى بأن تسير الأمور بأفضل مما هو متاح من إمكانيات. ومن لا يملك من الأدوات غير التمني والتضرع للمولى عز وجل أن يوفقه يجب أن يتواضع قليلاً ويكف عن تحديات لا يملك أسلحتها. لكن كيف لجماهير الناديين وصحافتهما أن تفكر بهذه الطريقة العملية ونحن نتابع ما يجري أثناء الاستعداد لعمومية المؤسسة المسئولة عن الكرة في البلد! حتى الكبار يتعاملون مع الأمور انطلاقاً من الانتماءات الضيقة. فهناك من قبل أن يترشح مع قائمة معتصم جعفر لمجرد أنهم مريخاب وكرهاً في رجال القائمة الأخرى بوصفهم أهلة! هل يمكن أن يخدم رجال بهذا الفهم كرة القدم السودانية ويساعدوا الناديين في احراز أي تقدم على المستوى القاريء؟! بالطبع لا. وهناك من الصحفيين من يتناول الأمر من هذه الزاوية الضيقة ليكتب مناشداً مجموعة الفريق بقبول ما يسمونه وفاقاً وأراه افساداً، بحجة أن رفضه قد يؤدي لمشكلات مع الفيفا! ولا أخفيكم سراً أنني حزنت أيما حزن عندما طالعت مثل هذا الرأي. فالتناول الصحفي السطحي للأمور يزيدها تأزماً ولا يحل المشاكل كما يتوهم الأمر. وقبل أن ندعو هذا الطرف أو ذاك للوفاق المزعوم كان يفترض أن يسأل الزميل نفسه السؤال الذي أشرت له في مقال سابق: أين موقع كلمة وفاق من الإعراب في أمر الانتخابات وسباقها بين قائمتين؟! هو يتخوف طبعاً من لجوء مجموعة الفساد الحالية للفيفا والجأر بالشكوى من تدخلات حكومية في عمومية الاتحاد. والواقع أن ذلك قد بدأ فعلياً من خلال حديثهم عن استفادة مجموعة الفريق من مقرات حكومية لعقد اجتماعاتهم. كما تساءل بعض الزملاء عن مصدر الأموال التي يسير بها الفريق حملته الانتخابية. وهو تساؤل أراه غير مشروع في سودان اليوم. نعم غير مشروع لسبب بسيط هو أننا لا نعرف مصادر أموال 99% من العاملين في مختلف المجالات ببلدنا الآن. يعني واحد في المائة فقط هم من نعرف لهم تاريخاً وإرثاً مالياً، فهل يحق لنا بعد ذلك أن نسأل فلان أو علان عن مصدر أمواله؟! لو كنا نرغب في التناول العميق لما يجري حقيقة لما ترددنا في رفض أي محاولات وتحايل من مجموعة معتصم جعفر. شكاويهم من التدخل الحكومي فكرة لا يمكن أن تدخل عقل طفل غض. فهم أول من استفادوا من علاقتهم الوثيقة بالحكومة. وإنه لأمر مخجل أن يكونوا جميعاً أعضاء في البرلمان العاطل ورغماً عن ذلك يتظاهرون برفض التدخلات الحكومية في عمل اتحاد الكرة. وبدلاً من التوسل لأي طرف يفترض أن نشجع مجموعة الفريق على الاستمرار في رفضهم للوفاق المزعوم، وهو ما تأكد فعلاً ودفع مجموعة المفسدين للإعلان عن خوضها للانتخابات. وفي حالة دخول الفيفا على الخط يفترض أن نرحب بها خطوة. فما يحدث في بلدنا من تلاعب وفساد وإضاعة للأموال ووقت العباد فيما لا طائل من ورائه لا يُحل إلا بهذه الطريقة. ولا أرى أي مشكلة إن قرر الاتحاد الدولي تجميد النشاط في بلد لا كورة له بالمعنى. الأفضل للمشجع العادي هو أن يتوقف هذا العبث لعدد من السنوات. لكن هو أفضل للمشجع العادي ليس بالضرورة أن يكون كذلك لبعض المتكسبين في هذا الوسط. وأول المتضررين من مثل هذا القرار هو الصحافة الرياضية، ولهذا تجدون الكثير من رجالها أكثر الناس حرصاً على استمرار العبث الحالي بأي طريقة. والمفارقة أن مجموعة معتصم التي تتحدث عن تدخلات حكومية قبلت بلا تردد بواسطة الوالي أحمد هارون وكأن الرجل لاعب سابق حريص على الكرة في البلد. هارون مسئول حكومي يا هؤلاء، أليس كذلك؟! لكن لا يهم بعض الزملاء سوى أن تنجح الوساطة ليضمنوا مسيرة سنوات قادمات من الضحك على عقول القراء. ولهذا أردد دائماً أن أي بلد لا يملك صحافة نزيهة وواعية وراشدة وجادة وحريصة على المصلحة العامة لا يمكن أن ينهض إطلاقاً. إن كان ما تقدم هو حال جمعية اتحاد الكرة، فمن الطبيعي أن يبيع لكم البعض الوهم حول ابتسام القرعة للأزرق أو الأحمر. ولمعلومية بعض السطحيين في التعامل مع شأن الكرة لم يعد هناك شيء اسمه فريق مغمور. وقد علمتنا الكثير من التجارب آخرها نهائيات أمم أفريقيا أن بعض المنتخبات والفرق المغمورة قد تقدم أداءً أرفع من أصحاب الأسماء الكبيرة. وحتى على مستوى أنديتنا جربنا ذلك دون أن نتعلم الدروس المستقاة. فقد واجه الهلال في نسخة ماضية منافساً مغربياً لم يكن معروفاً لدي الكثيرين لكنه أدخل الأزرق في عنق الزجاجة. لهذا لا يفترض أن ننظر للنجم الساحلي في مجموعة الهلال والمريخ كمنافس وحيد. وقد تأتينا اللدغة من فيروفيارو الذي لا نعيره كثير اهتمام. فمن الأصلح والأفيد أن يستعد كل من طرفي القمة لمنافسة متكاملة ويكف إعلام الناديين عن مناكفات لم نجن من ورائها طوال العقود الماضية سوى الحسرة دون أن نتعلم من حسراتنا أيضاً. أعلم أن مثل هذا الحديث لا يسر بعض المتعصبين والعاطفيين ويرون فيه مثالية غير مرغوبة، لكنه الواقع. ومن يريد أن يضيع وقته في الأوهام وتصديق الأكاذيب المقصودة فله مطلق الحرية بالطبع، لكنه سيعيد الكرة من جديد ويعض بنان الندم بعد فوات الأوان ليأتي ويقول في قرارة نفسه " أنا من ضيع في الأوهام عمره".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة