بعض الأحيان يتبادر إلى نفسي الكثير من الشعور بالعطف و الشفقة على كل مبدعٍ إختار لتجربته الفنية درب الإبداع الجاد و الرسالي بحثاً عن الإختلاف و التفرد ، أشفق على هؤلاء الذين ما زالوا يثقون في هذا الزمان الذي إنبر ت فيه الأنانية و ( الشلليات الإعلامية ) لتقف نِداً بل عدواً شرساً لكل الذين ما زالوا صادقين في طرحهم الفني و الإبداعي مراهنين على ذائقة الشعب السوداني المُجرّبه في مجال فحص و تمحيص و غربلة الصالح من الطالح ليُعمِل عليه في نهاية الأمر ( ويذهب الزبدُ جفاءاً ) .. الأحد الماضي و عبر المنتدى الراتب لمركز راشد دياب للفنون قدم المطرب الشاب الطموح سيد عوض عرضاً شيقاً و باهراً لتجربته الموسيقية الغنائية و التي إزدهت بكثير من الأغنيات الخاصة ( التي أصبحت في واقعنا الراهن من الغرائب و العجائب و المستحيلات ) ، مستعيناً في بنائها الفني الراقي و المُبهر بكلمات رصينة لمجموعة من الشعراء الأماجد و الملحنين المُقتدرين و في مقدمتهم الراحل حسن بابكر ، الفنان سيد عوض يمتاز بخامة صوتية نادرة و ذات قدرة جبّارة على الأداء في كافة المقامات الصوتية بثبات و تطريب مُميِّز لا تخطئه الآذان المتذوِّقة ، و هو من الذين تخطوا مرحلة ترديد أغاني الغير في فترة وجيزه جداً بالنسبة إلى أبناء جيله الذين بدأوا حياتهم الفنية معه ، و في إطار بحثه الدؤوب عن إستقلالية صوته و أسلوبه لم يكن مستعجلاً بالقدر الذي يُضعف من مقام أدواته و تجربته الماثله التي قدمها على المسرح أمام الجمهور و المتخصصين من النُقاد ، بل بدا واضحاً فيها إعتماده لمبدأ التجريب و التدريب و الإستعانة بالخبرات المتوفرة من حوله في بناء القيمة الجمالية المُثلى لأعماله الموسيقية ، مما أسقط على أعماله الخاصة حِساً مختلفاً و متفرداً و واضح المعالم في إتجاهاته و أساليبه الفنية ، فضلاً عن وضوح حساسيته الزائده في إختياره للنصوص من حيث حداثة و غرابة المطالع ، و جودة اللغة ورصانتها ، سيد عوض فنان قادم يستحق الإحترام و التقدير شأنه شأن آخرين ما زالوا يقبضون على جمر قضية الفن الجاد و الرسالي ، يبقي تساؤلنا الدائم و الذي لا ينقطع عن دور الدولة ممثلة في وزارة الثقافة في دعم فئة المبدعين الجادين ، عبر المهرجانات و المسابقات الفنية ( المستقلة و العادلة ) و البعيدة عن متناول ( سماسرة تضليل الذوق العام ) ، ثم أيضاً التساؤل مطروح حول دور أجهزة الإعلام المرئية و المسموعة من فضائيات و إذاعات فيما يتعلق بتشجيع و دعم الفنانين الجانحين لتحقيق ذاتهم الفنية عبر أغنيات خاصة و جديدة ، كيف لهذه الأجهزة أن تستشعر المسئولية الوطنية و المجتمعية التي تستهدف إستمرار نماء و تطور الأغنية السودانية و حمايتها من غول ترديد أغاني الآخرين إلى أمد لا نهائي لكثير من الفنانين الشباب ، ثم قيادة إتجاهات الذوق العام إلى مصاف الرصانة و الرقي الإبداعي ، و فتح منافذ برامجية لجديد الأغنيات عبر فحصها من منظور الصِنعة الموسيقية و الرصانة اللفظية ، و كذلك إغلاق الأبواب بلا حرج في وجه أدعياء الفن و الوالجين إلى عالم الشهرة عبر المحسوبية و العلاقات الخاصة و الإبتزاز المادي .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة