كان الأمر أشبه بفيلم سينمائي مثير..بدأ الزعيم في حالة يرثى لها..كث اللحية إحدى قدميه متورمة..في رحلته من أرض جنوب السودان إلى الكنغو، كان رياك مشار يتوقع الموت في أي لحظة..خصمه سلفاكير استخدم سلاح الطيران والمدفعية طويلة المدى ليقطف رأس المعارض المزعج..في ذات المنطقة الغابية تنشط جماعات كنغولية معارضة لحكومة كابيلا الصغير..الطعام ليس كافياً وإن كانت خيارات الغابة توفر ما يجعلك على قيد الحياة ..في مسيرة أربعين ليلة كان مشار على رأس مائة من حراسه ينامون وأعينهم مفتوحة..لكن السماء تكتب عمراً جديداً للمحارب العنيد حينما استجابت قوات أممية لنداء استغاثة ووفرت مروحية أجلته إلى داخل الأراضي الكونغولية ومنها لاحقاً إلى الخرطوم. عاد التوتر مجدداً بين الخرطوم وجوبا عقب إمهال الرئيس البشير حكومة جنوب السودان حتى نهاية العام لطرد الحركات المعارضة للخرطوم..قبل أسابيع كانت زيارة تعبان دينق نائب الرئيس الجنوبي قد رفعت من وتيرة التفاؤل..لكن تعنت الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة السودانية ورفضها الانخراط في مسيرة الحوار الوطني جعل الحكومة تشرئب بعنقها جنوباً، وتصدر ذاك التحذير ..كما أن غياب الرئيس سلفاكير من حفل الحوار الذي تداعى له رؤساء من مصر ويوغندا حتى موريتانيا البعيدة كان مؤشراً إلى أن العلاقات الثنائية بين البلدين لم تراوح مربع سنوات الحرب الأهلية طويلة الأمد. نقلت صحف الخرطوم عن زيارة قريبة يقوم بها رياك مشار من ملجئه الحالي في جنوب أفريقيا، وذلك للالتقاء برئيس الجمهورية..هذا يعني أن الحكومة مازالت تعتقد أن مشار المتخصص في الهندسة مازال بطاقتها الرابحة في لعبة الصراع الدموي..كان بالإمكان أن تكون الزيارة سرية أو عبر التفاهم من خلال شبكات الهواتف الخلوية ..لكن الحكومة السودانية تريد التلويح الذي يسبق التهديد ثم بعدها الانخراط بدور مباشر في الصراع الجنوبي. في تقديري هنالك متغيرات كثيرة تستلزم أن تمد حكومة الخرطوم حبال الصبر..أول المستجدات ذاك الموقف الأمريكي الذي أدان حكومة جنوب السودان، وطلب منها أن تكف يدها عن السودان ..كما أن هنالك جهود إقليمية يقودها الرئيس التشادي إدريس دبي وشقيقه الرئيس اليوغندي يوري موسفيني من أجل الضغط على الحركات المسلحة والجماعات السياسية للانخراط في مسيرة التسوية السياسية الشاملة..هذه الجهود ستمتد للضغط على جوبا ذات نفسها عبر آلية الصداقة بين موسيفيني أو منصة الاتحاد الافريقي التي يجلس على قمتها إدريس دبي. إلا أن الأهم من ذلك صدور أصوات من داخل العمق الجنوبي تطالب بتحسين العلاقة بين الخرطوم وجوبا..أمس الأول طلب وزير الدفاع الجنوبي من الحركات المسلحة أن تغادر التراب الجنوبي أو تسلم أسلحتها وتصبح في عداد اللاجئين ..الجنرال كوال جوك هو أقوى رجال سلفاكير وربما خليفة محتمل لرئيس لم تعد صحته على مايرام..أهمية تصريح كوال وزير الدفاع أنه يضعف فرضية أن العسكر في جنوب السودان يرفضون التضحية برفاقهم في الفرقتين التاسعة والعاشرة التي باتت تتبع لقطاع الشمال بالحركة الشعبية. بصراحة.. كل تلك الأسباب والمؤشرات تحتم على الحكومة السودانية أن تتعامل بحكمة وطول بال مع حكومة الجنوب..الخطوة الاولى تبدأ بعدم فتح غرفة كبار الزوار للدكتور مشار ..إذا تمكنت حكومة الجنوب من الصراخ والهتاف أنظروا ماذا تفعل حكومة الخرطوم، ستنهار كل الجهود الدبلوماسية التي بذلت في الآونة الاخيرة ..بصراحة أكثر يجب أن تمتد روح الحوار إلى خارج الحدود. akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة