مواصلة لمقالنا السابق عن دور اليمين التقليدي والمتطرف ويمثلهم حزبا الأمة والإتحادي ( طائفتا الأنصار والختمية) والإخوان المسلمين واحزاب الحركة الإسلامية ، واليسار التقليدي والمتطرف والذين يمثلهم الحزب الشيّوعي السُوداني والأحزاب العروبية كالبعث والقوميين العرب ، فيما وصل إليه الحال في بلادنا وأنهم من الأسباب الرئيسية لأزمتنا السياسية وتأخر التغيير فيها .. وكنا قد إستعرضنا ملامح من دور الطائفية و الأسلاميين وأحزابهم ، و في هذا الجزء نواصل عن دور اليسار التقليدي والمتطرف في تأخر قضية التغيير في بلادنا ومسؤليتهم التاريخية عن ماحدث ومايحدث إلي اليوم .. ظهور احزاب اليسار بدأ مبكراً منذ الأربعينات و الخمسينات مُنتقلاً من مصر والعراق وسوريا والمناطق التي أُصطلح علي تسميتها بالدول العربية ، لذلك فإن إرتباطها بتلك البلدان وخاصة الأحزاب العروبية والقومية وثقافتها وأيدلوجيتها كان طاغياً ، كالبعث و الناصريين والقوميين العرب ، فهي جميعها تؤمن بوحدة القوميات والمصير المُشترك والأمة العربية الواحدة ، وعلي هذا الأساس فإن تضمين السُودان بكل تنوعه وتبايناته الإثنية والعرقية والثقافية والتاريخية ضمن هذا المفهوم إعتماداً علي عروبية السُودان دق مُسماراً باكراً في مسألة المُواطنة وصادر حق الكثير من مواطنيه بل وأغلبهم في هوياتهم غير العربية ، الافريقية أو المختلطة أو الزنجية أو النوبية والبيجاوية وغيرها ، وهذا التصنيف مثله مثل فرض الثقافة الإسلامية والدينية والإعتماد عليها في الرؤية السياسية كذلك للأحزاب الطائفية واليمينية في السُودان ، أما الحزب الشيّوعي السُوداني فلم يذهب بعيداً عن دائرة هذه التصنيفات وظهر هذا في تعامله مع مسألة الجنوب إبتداءً ، وطريقة حلها ، ثم تحالفه السياسي مع القوي الإشتراكية الناصرية والعروبية و الذي أنتج إنقلاب مايو عبر تنظيمات الجيش وبدعم من المخابرات المصرية ، بل وكانت الوحدة العربية خاصة بين مصر وليبيا والسُودان من أولي القرارات لنظام مايو فيما عُرف بميثاق طرابلس ، نعم كان هنالك صراع داخل الحزب الشيّوعي السُوداني حول العديد من القضايا منها ميثاق طرابلس هذا ، ولكن حتي جناح عبدالخالق لم يرفضه تماماً وإنما وضع مقومات ومعايير لهذه الوحدة علي رأسها إعطاء فرصة للبلد للسير في طريق الإشتراكية ثم إحداث الوحدة وما يتماشي مع مصلحة البلاد ، وبينما الجناح الآخر كان يري أهميتها القصوي ويصر عليها في ذاك الوقت ، الشاهد من ذكر هذه الجزئية هي أن أولويات النظام المدعوم من اليسار التقليدي والمتطرف في السُودان كانت في إتجاهات غير النظر لحلول مشاكل السُودان ما بعد الإستقلال وعلي رأسها قضية الجنوب ومسألة إختلالات التنمية الذي أنتج التهميش باكراً وأزمة الهوية و كيفية الحُكم وإدارة التنوع ووضع السُودان في طريق الديمُقراطية الحقيقية ، و كل ذلك كما معلوم نشأت عنه حرب الجنوب الأهلية الأولي ثم لاحقا ما تلاها من حروب خاصة بعد فرض التشريعات الإسلامية وإقامة الدولة الدينية في السُودان ، رفض الحزب الشيوعي طرح الجنوبيين في الحكم الفدرالي مثله والاحزاب الطائفية واليمينية وإقترح كبديل الحكم الذاتي الإقليمي ، و تعامل مع قضايا عدم العدالة الإجتماعية والظلم الإجتماعي وعدم المساواة في الحقوق والتنمية بإعتبار أيدلوجي بحت بمفهوم أنه "صراع طبقي" ، وهذا من الكوارث في تقديري لأنه تغافل عن أسباب أساسية في نشوء الإختلافات داخل بلادنا في الجنوب و كل المناطق المهمشة او التي بها مظالم ، فأزمة الهوية والثقافة والبعد الإجتماعي والديني واللغة كلها أسباب لا علاقة لها بالطبقة ، فالمسحوقين إجتماعياً والمضطّهدين لم يكونوا فقط من الطبقة العُمالية التي كان يبني الحزب رؤيته الايدلوجية عليها ولا من المزارعين ، وحتي وعي هذه الفئيات وشعورها بالظلم وأنهم مواطنين من الدرجة الثانية في بلادهم لم يكن لأنهم فقراء أو من شريحة العمال ، وقد تتساوي الدرجة العمالية كانت وبرغم ذلك تختلف الإمتيازات الإجتماعية ، وإمتد هذا الأمر علي مستوي السُلطة والوظائف في الدولة منذ الإستقلال ، وكرس الخطاب السياسي والواقع لهذا ، ساهمت رؤية الحزب الشيوعي السُوداني والاحزاب العروبية في التكريس لسيطرة الثقافة العربية والإسلامية و عدم وضع السُودان في طريق التغيير الحقيقي الذي كان سيجنبنا الحرب الأهلية وبعدها إنفصال الجنوب و ظهور حركات إنفصالية وخطاب تمزيق السُودان ، والانكأ أن الحزب الشيوعي السُوداني الذي رفض الحكم الفدرالي مع بدايات الإستقلال ومابعد ثورة أكتوبر جاء وطالب بتقرير المصير للجنوب و وافق عليه!! ، مثله وبقية الأحزاب اليمينية والطائفية مما فتح الباب لتمزيق السُودان ، كل هذا نتيجة للقراءات الخاطئة للواقع السُوداني وللمسارات والقرارات الكارثية في الحلول!! .. التفكير الايدولجي لليسار السُوداني التقليدي والمتطرف للحزب الشيوعي السوداني و للاحزاب العروبية فتح الباب لإنهيار الإقتصاد باكراً في مايو بقرارات التأميم والمصادرة و تدمير القطاع الخاص الوطني في بداياته ، وكل هذا في تقليد أعمي للتجربة الناصرية المصرية و في الفهم المعطوب للإشتراكية ، وتبنّي الحزب الشيوعي السُوداني ما أسماه طريق اللارأسمالية الإقتصادية الذي كان ضمن توصياته مسألة التأميم هذه وسيادة القطاع العام ، هذا غير الخلل في النظام التعليمي وفرض الثقافة العربية والإسلامية في المناهج وفي أجهزة الإعلام و في توجه الدولة في السياسة الخارجية وغيرها ، الذي يُراجع تاريخنا السياسي سيجد أن صراع التيارات داخل الحزب الشيّوعي السُوداني أدي لإرتكاب فظائع كارثية سياسياً وإقتصادياً خاصة مابعد ثورة أُكتوبر وفي بدايات نظام مايو ، الذي شارك الحزب كمؤسسة و كوادر وسياسات بمعية القوميين العرب في صنعه ودعمه بإعتبار أنها ثورة ديمُقراطية!! .. وكانت النتيجة الواقعية غياب الديمُقراطية لسنوات طويلة و تمكين اليمين المتطرف الإسلامي الذي تسلل لنظام مايو و ورث الأماكن التي خلت له بعد إنقلاب النميري علي الحزب الشيوعي بتياريه ماقبل وبعد ١٩ يوليو وظهور القبضة الشمولية والديكتاتورية والدموية للنظام في ذاك الوقت والكل يعلم ماحدث بعد وصول مايو لنظام الدولة الدينية وسن التشريعات الإسلامية وعودة الحرب وتمكين الإخوان المسلمين ومتطرفي اليمين في الحركة الإسلامية في مفاصل الدولة والإقتصاد مما مهد لإنقلابهم اللاحق علي الديمُقراطية الثالثة والإتيان بكل الكوارث التي تمتد آثارها وخرابها حتي اللحظة في فترة حُكمهم الطويلة .. نواصل في الجزء الثالث والأخير في الإجابة علي سؤال لماذا تأخرت قضية التغيير و الدعوة لنشوء أفكار و قوي وأحزاب جديدة لليمين واليسار في السُودان تواكب كُل المتغيرات في السُودان والعالم الخارجي وحركات مدنية ديمُقراطية في مرحلة مابعد الثورة و هدم المعبد القديم والتقليدي والمتطرف و البناء علي أجيال الثورة وشبابها لأجل حاضر و مستقبل أفضل لبلادنا .. 28 فبراير 2022 #دولةالحُكمالمدنيالحديثةفيالسُودان #العسكرللثكنات #ضدالجهلوالكهنوتوالتطرف #السُلطةسُلطةشعب #الثورةثورةوعيّ
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 02/27/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة