فاجأ الصقر الروسى صقور الناتو وعلى راسهم الولايات المتحدة بغزو اوكرانيا من خلال الدولتين اللتين اعترف ياستقلالهما قبل يوم واحد ، وذلك بمبررات يراها مناسبة من طرفه ويمكن تلخيصعا على النحو التالى : اوكرانيا التى كانت فى الاصل جزء من الاتحاد السوفيتى وفرط فيها وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفيتى اخطاء ارتكبت من طرف القادة فى فترة التفكك ، تستخدم الان بواسطة الغرب من اجل تدمير الاتحاد الروسى ، الذى اصبح ينافس الولايات المتحدة على مناطق النفوذ فى شتى انحاء العالم . ذلك من خلال ضمها للاتحاد الاوروبى وحلف الناتو. وقد حاولت روسيا التفاهم مع اوكرانيا لتصبح فى وضع الحياد بين روسيا والحلف ، الا انها اصرت على طلب الانضمام، بل واصبحت مركزا متصاعدا للنفوذ الاطلسى الذى امدها بالاسلحة المتطورة والمعونات الاخرى . كذلك جاء من المبررات الى اوردها بوتين انه طلب من الولايات المتحدة اعطاء روسيا ضمانات تحفظ امنه وذلك بعدم ضم ا وكرانيا الى الناتو ، الا انها لم ترد على طلباته المتكررة فى هذا الشأن ، بل ولا على طلبات روسيا السابقة فى الانضمام للناتو نفسه. لذلك رأت روسيا ان سماحها بانضمام اوكرانيا الى حلف الناتو يعنى وجود تهديد خطير من الناحية العسكرية يجعل الصواريخ المعادية على بعد مئات الكيلومترات من موسكو ومدن روسية أخرى . غير ان الصقور الغربيين كانت لهم مبرراتهم لما هددوا باتخاذه من عقوبات غير مسبوقة ومدمرة لروسيا خصوصا فى المجال الاقتصادى والمالى اضافة الى امداد اوكرانيا بالمساعدات العسكرية والمالية للوقوف ضد اى عمل عسكرى تقوم به روسيا . وكان جزء من هذه الاعانات قد وصل الى اوكرانيا بالفعل . ويمكن تلخيص مبررات الطرف الغربى على النحو التالى : من حق اوكرانيا واى دولة مستقلة اخرى ان تتخذ ماتشاء من قرارات فى شأن علاقاتها بالدول الاخرى ولايحق لأى جهة ان تتدخل فى هذه القرارات والا اصبح هذا ضد القانون الدولى . بما ان اوكرانيا تسير فى طريق التطبيق الديموقراطى الذى ينسجم مع المبادئ الاساسية للغرب ، يكون من حق الغرب ان يدعوها للانضمام الى مؤسساته الدولية التى تسعى لتحقيق واحترام هذه المبادئ المشتركة وعى راس هذه المؤسسات الاتحاد الاوروبى وحلف الناتو ، الذى انضمت اليه بالفعل العديد من دول المعسكر الاشتراكى السابق . وبالطبع فان لنا ولغيرنا اراء قد تتفق او تختلف مع هذه اوتلك من مبررات الفريقين . وهى مبررات قابلة ايضا للتغير اثناء سير المعارك الحربية والاقتصادية والدبلوماسية التى بدأت بالاعتراف بالمنطقتين التابعتين لاوكرانيا جزئيا ثم استخدمتا فى الغزو لأجزاء اخرى. وسيشمل التغيير كذلك الخطوأت اللاحقة من عقوبات او مواقف فى جميع المجالات المتعلقة بتطور الامور على ارض الواقع . غير ان كل هذا الذى حدث وسيحدث فى الايام القادمة لايعكس حقيقة الامور لدى الطرفين ، وخصوصا لدى الطرف الامريكى وليس الغربى فى وحدته الظاهرة من خلال التصريحات . فقد اتضح من بعض التصريحات والقرارات ان الهدف من ماحدث أكبر كثيرا من مسألة ضم اوكرانيا او حتى تهديد روسيا بايصال حلف الناتو الى ابوابها . فما حدث يعكس ماذهبنا اليه فى عنوان المقال من صراع كان يتطور بهدوء ظاهرى بين القوى الراسمالية القديمة المتهالكة والقوى الراسمالية الجديدة النامية . وقد ظهرت شراراته الاولى فى ماحدث ويحدث بين الولايات المتحدة والصين من قضايا ذات محتوى اقتصادى وتجارى ، مع بعض مظاهر الاحتكاكات العسكرية من وقت لآخر فى امور تايوان والتسليح .. الخ غير ان الولايات المتحدة وجدت ان حربها يجب ان تشمل روسيا ايضا بعد النجاحات التى حققتها فى المجالين الاقتصادى والعسكرى ، خصوصا وقد بدأت تحركات من العدويين فى اتجاه التعاون . ومن ناحية اخرى فان الراسمالية العجوز المتآكلة اصبحت تنحدر من حفرة الى حفرة اعمق من الناحية الاقتصادية . وكنت قد تطرقت لذلك فى عديد من مقالات سابقة عن تدهور وضع الدولار كعملة عالمية وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها وبشهادات من اهل النظام نفسه . واصبح من الواضح ان ثبات الدولار اصبح يعتمد على الخارج اكثر من على صاحبة الشأن وذلك بسبب الاحتياطيات الضخمة التى يحتفظ بها اعداء واصدقاء للولايات المتحدة وان عودة هذه الاحتيياطات ستضر باصحابها بالمثل ! وكذلك انعكس هذا الوضع حتى على ديموقراطية امريكا ، فما حدث من أحداث ، اقل مايمكن ان توصف به انها هزلية ، عند الانتخابات التى اوصلت ترامب الى الحكم ، ثم تلك التى تلت سقوطه .وهى احداث يمكن مقارنتها ببساطة بما يحدث فى انخابات افريقية ! ولهذه الاسباب اصبح هم امريكا المعلى هو الانتصار فى معركة السيطرة الراسمالية على العالم او استمرار الهيمنة الاحادية بعد سقوط الاتحاد السوفيتى والكتلة الاشتراكية . وهو امر ينطبق ايضا على روسيا التى تحاول استعادة امجاد مامضى بمايجعلها القطب الثانى ، ان لم يكن الاول فى حالة التعاون مع الصين فى هذا الصراع الذى لن ينتهى حتى بعد اخماد الحرب الاوكرانية . لكل ماسبق ، فاننى بتتبعى لمجريات تلك الحرب وتعليقات المعلقين من شتى المذاهب والاتجاهات قد اقتنعت بتحليل يرجع اسبابها الى الخطورة التى تستشعرها امريكا من اكتمال خط نقل الغاز الروسى الى اوروبا عن طريق المانيا المسمى ب " نورد ستريم 2 "، ليس لأنه كجزء من العقوبات يكلف روسيا احد عشر بليونا من الدولارات ، وانما لأسباب تقع فى نفس نطاق الصراع الذى اشرنا اليه ، وهى : هذا الخط سيمد اوروبا بحوالى 30 الى 40% من حوجتها للغاز الضرورى لكل انشطتها وهو بالتالى يشكل مصدر هائل للدخل الروسى فى نفس الوقت الذى سيجعل العلاقات الروسية الالمانية والاوروبية بشكل عام علاقات تعاون غير قابل للاهتزاز. وقد وضحت هذه الاهمية لدى الطرفين من تصريحاتهما فى الخصوص عند الحديث عن العقوبات ضد روسيا ، فبينما قال المستشار الالمانى ، صاحب الشأن ، بأنه تعليق مؤقت ، أصر الرئيس الامريكى على انه سيكون " غلقا نهائيا " او هكذا تمنى ! فاذا كان الامر كذلك ، وهو فى مايبدو كذلك ، فان الحرب الاوكرانية فى تقديرى ستتوسع ان لم يكن فى هذه المرحلة ففى مراحل اخرى قادمة دون شك ،اذ انه حتى بانتهاء الحرب مثلا بالاتفاق الذى تنشده روسيا بجعل اوكرانيا " محايدة " ، فان الاسباب الاكثر جذرية والتى ستكون ذات ديمومة ستظل سببا دائما للاحتكاك بين القوى ذات الطابع الواحد وذلك مثل ما حدث فى الحروب العالمية السابقة قبل انقسام العالم الى معسكرين ... ونواصل
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 02/25/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة