عندما شكلنا حزب مجالس الخبراء، من خمسين مجلساً قبل اكثر من سنتين، كنا نتوقع بالفعل أن يتم سرقة أفكارنا، كما هو معتاد في السودان، لكن أن تتم السرقة بنفس الصيغ ومع ذلك داخل تؤليفة ركيكة ومتخبطة كما في ميثاق الشعب، فهذا ولعمري لتهافت التهافت. طيب ياخي غير صيغتك من مجالس وسمها لجان، أو شعب أو غرف، ولكن أن تأتِ بها بضبانتها فهذه دليل على الفقر الفكري بلا أدنى شك. والفقر يتضح في هذا (المسمى بالميثاق) حتى في البناء النظري له، إذ أنه ليس سوى اجترار لما قيل ويقال؛ ولا تشم فيه حتى رائحة التجديد، ولا حتى مجرد أطروحة نظرية متناغمة مع الواقع على الأرض. هذه المشكلة -أي مشكلة السرقات والافتقار للإبداع التنظيري- لاحظتها في الأحزاب السياسية البائسة، حتى أنك لا تستطيع ان تجد أي ميزة نظرية لحزب تميزه عن حزب آخر، فالحديث مجرد اجترار لجمل أُنهكت استخداما مثل المواطنة والدموقراطية..الخ..ولو قرأت جوليا كريستيفا دساتير أحزابنا لكرهت نظريتها التناصية واحرقت كتبها وأبحاثها وجاورت في المدينة المنورة. فأنت حتى لن تعرف إن كانت هذه الأحزاب وليدة انقسام بويضة واحدة داخل رحم واحد أم أنها أحزاب صورية. عندما اخترنا مجالس الخبراء قبل سنوات لتكوين حزب تكنوقراطي لم يكن ذلك اعتباطاً، ولم نستخدم كلمة مجالس بصورة عشوائية لأن الكلمة تعجبنا كما تعجب كلمتي (لجنة مركزية) اليساريين، المسألة أعمق من ذلك بكثير، فهي رؤية متكاملة، لإدارة الدولة، في سياقها المؤسسي، رغم أن الشعب منقسم إلى قسمين، قسم غالب هو في الأساس لا يعرف معنى المؤسسات وأقلية لديها ثقافة التنمر خوفاً على مصالحها من الإندحار بالرؤى الإبداعية التي تكشف فقر تلك الأقلية. لكن بغض النظر عن تلك اللصوصية وفقر الأفكار لدى هذا الشعب، فإن هذه المشكلة في الحقيقة لها عدة أسباب ساحاول تلخيصها هاهنا: ١- مشكلة الانقطاعات التاريخية: فالسودان رقعة جغرافية عانت من انقطاعات تاريخية، فأغلب شعوبه لا تملك تاريخاً مشتركاً ومتصلاً عبر حضارات حقيقية مثل الحضارات الهندية والمصرية والصينية والرومانية والفارسية والأوروبية..الخ. ٢- مشكلة ثقافات: فالثقافة التي تسيدت في السودان هي ثقافة الفقر، وثقافة الفقر لا تورث سوى الهلع واللصوصية في ظل صراع على الموارد الشحيحة. ٣- مشكلة نفسية: فهناك شعور مستقر بالهزيمة داخل الشعوب التي لم تستقر حتى اليوم على كلمة سواء، إنها شعوب تعرضت للاستقرار فقط في عهد الاستعمار البريطاني وفي حدود ضيقة. مما جعلها شعوباً غير متأكدة من قدرتها على أن تكون فاعلة. ٤- مشكلة الوهم والإيهام: يعتبر الشعب في هذه الرقعة من أكثر الشعوب التصاقاً بالوهم، ليس فقط بالجن والشياطين والعمل، ولكن فوق هذا بالإيهام إذ أن هذه الشعوب تتوهم العظمة لتكتفي بها دون أن تقدم على فعل أي شيء حقيقي، وإن حاولت قلة فعل شيء فسيسارع الباقون إلى هدمه وتدميره. ٦- مشكلة الحسد: وهذا ما جعلها شعوبا ذات روح تدميرية أكثر منها روحاً بنائية، ولذلك فهي من الشعوب التي تفشل في أي عمل جماعي. وتتصارع على القيادة حتى لو كانت قيادة قطيع من الديدان إن جاز التعبير. كل هذا جعل هذه الشعوب متمركزة حول ذاتها، غير منفتحة. فلو ذهبت إلى أقاصي العالم فستجد المهاجرين من هذه الشعوب غير قادرين على الاندماج مع الثقافات الأخرى، بل يكرهونها ويناصبونها العداء غير المبرر منطقياً. إنهم في الواقع يكرهون أنفسهم وليس تلك الثقافات، ولتأكيد ذلك الكره فإنهم يعمدون إلى التمسك الشديد برفض الآخر المختلف والتكور على الذات كما تفعل الحشرات حين تشعر بالخطر. هذه كارثة، ويجب أن تحظى بدراسات مستفيضة ومتعمقة لمحاولة إيجاد حلول لها.فالمشكلة ليست في مجالس خبراء أو لجان مركزية، المشكلة أكبر من ذلك وهي العقم العقلي لهذه الشعوب التي يجب أن تعترف بالمشكلة أولاً وقبل كل شيء، لتفهم نفسها من ناحية، ولتعرف مشكلتها، ثم تحاول حلها من ناحية ثانية.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 02/27/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة