الانقلاب العسكري الكامل الاركان الذي قام به قائد الجيش، ما فتيء يفقد التأييد الشعبي والتعاطف الدولي يوماً بعد يوم، ومع مرور هذه الايام يظهر رئيس الوزراء المحبوس جلداً وصبراً منقطع النظير، وبحسب التسريبات، مايزال كرأس شرعي للحكومة التنفيذية الانتقالية متمسكاً بمبدأه الذي لم يتزحزح عنه قيد أنملة، لقد ادخل العسكريون والأمنيون والمدنيون المتضامنون مع قائد الجيش الانقلابي انفسهم في ورطة كبيرة، حينما سبحوا عكس التيار الشعبي الممتلك للحق والشرعية، ففي زمان التمدد السيبراني وتوسع الوعي الجيلي بالحقوق الدستورية، يصعب تمرير الاجندة القديمة التقليدية الحاسمة لأمر ايلولة الحكم بالانقلابات العسكرية، فركوب ظهور الناس بمسوغ فشل الحكم المدني ووجوب أن يقوم الجيش بدوره في حفظ الأمن ووحدة البلاد، أمسى أمراً داعياً للتوقف والتأمل تحت ظلال اشجار هذا العالم المكشوف والشفّاف، الذي تنتقل فيه المعلومة من اقصاه الى اقصاه في ظرف كسر من كسور الثانية، إنّ انفراط عقد الأمن في الشرق وبداخل عاصمة البلاد، كان بأمر تنفيذي من بقايا النظام البائد المتجولين بين دهاليز المؤسسات الحكومية، فالذي يتحمل عواقب وزر هذا الخلل هو تلك اللجنة التفكيكية صاحبة القدح المعلى، الحائزة على الصلاحيات الواسعة الممنوحة لها بغرض إزالة الآثار التمكينية للحزب المحلول، والتي قضت سنتان دون أن تفي بوعدها لذوي شهداء الثورة المجيدة بتفكيك منظومة الحكم السالف. الحرية الكاملة للشعب وللناشطين وللسياسيين هي المرام، وهي الهدف الأعلى والغاية الأسمى التي ضحّى من أجلها الكادحون، فالشعب السوداني ماعاد شعباً اشعباً أكولاً يقدم شهوة البطن على حقه في الحياة الحرة الكريمة التي لا يتسلط عليه فيها احد، ولا يستعلي فيها احد على احد آخر بناءً على تسنمه لسنام السلطة، فمن قبل عرف هذا الشعب الأبي المستعمران التركي والبريطاني، عبر ملاحم وطنية مشهودة ومكتوبة وموثّقة بشهادة شاهدين من أهل المعتدي الظالم، لذلك، على كل من يريد أن يقاوم او يساوم هذا الانسان الشريف في حريته وكرامته الشخصية، لا محال سيكون الخذلان حليفه والفشل نصيره، ولبئس النصير، عندما كان المارد الافريقي والعالم العربي يرزحان تحت قهر الاستعمار الاوروبي، انجز السودانيون وحقّقوا ثورة ودولة وطنية هزمت القوى العالمية القديمة، فهذه الخصيصة لم ولن تزول عن ذهنية احفاد المهزومين بتلك الملاحم الوطنية الكبرى، الذين يأتوننا اليوم في ثوب قشيب يسمى الدبلوماسية العالمية، فالهزائم التي لقنّها اجدادنا لاجداد قادة عالم اليوم لا تنسى، لذا الحذر كل الحذر من الذين يقدمون لنا السم المدسوس تحت موائد الطعام الدسم، فهذه البلاد (مستهدفة) ليس بناءَ على لغة البائدين المستهلكة، ولكنها مستهدفة بحق وحقيقة لما تمتلكه من ثروة انسانية وأخرى مادية ضخمة، علينا أن نقف ضد هذا الطمع الأقليمي والجشع العالمي بالتماسك والتمسك بقيمنا ومبادئنا وبالصدق وبالأمانة، لا بالارتزاق والتنمر والتآمر والتخابر والارتهان. على شباب وشابات المقاومة، وعلى الشرفاء من ابناء وبنات بلادي من الكنداكات والميارم والشفوت والشفاتة، الوقوف بقوة وحزم تجاه من يريد تقويض قضيتهم الأولى، وهي أن يكونوا أو لا يكونوا او يكن او لا يكنّ، وهذه القضية اراق اجدادنا في طريق نصرتها دماء غالية قبل اكثر من مائة وعشرين عاما، وكما يقولون فإن التاريخ يعيد نفسه دوماً وابداً، فالآن قد ارتدت بنا ساعة الزمان للوراء سنين عددا، وما علينا إلا أن نمايز وبكل شفافية بين الواقفين في صف الوطن، والمهرولين نحو العدو ليهبوه ارضنا وزرعنا وقمحنا وضرعنا وصمغنا بالمجان وبلا مقابل يذكر، لا مفر من تحديد الحدود الفاصلة بين الخطوط الحمراء وتلك الفواصل الأخرى من الالوان الرمادية، فاليوم وعلى عكس عهد الظلام الذي يقف فيه المطبّلون مع القضية العربية الفلسطينية، نلحظ وقوف هذا الشعب مع قضيته الوطنية الأولى، غير مقدماً للقضايا الأخرى المتعلقة بالآخرين على حساب قضيته الأولى، ونجده يرفض وبالصوت العالي الجهير كل المحاولات اليائسة العارضة وطنه الجريح رخيصاً على موائد اللئام، ومن شرور البلايا المضحكة أن الذين ادّعوا تبني القيم السمحة لديننا الحنيف خانوا الدين والوطن، وأن الذين دُمغوا بوصمة العلمانية على العكس تماماً قد ثبتوا ثباتاً غير مرتجف ولا منحاز على أرض المباديء، ولم يبدلوا تبديلا ولم يتنازلوا عن مواقفهم المعلنة، بعكس المنافقين الذين استعدوا روسيا ثم داهنوها وطلبوا ودها وتاجروا مع الصين الشيوعية، ووعدوا بأن يرفعوا الآذان بالبيت الذي دخله رئيس مخابراتهم مستسلماً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة