رضيعة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين تحبو على بلاط يكسوه بساط بلاستيكي مهتريء اكل الدهر عليه وشرب، ويافع اسمر وديع ذو حسن وجمال ووسامة يحاول الوقوف مستنداً على قائم السرير، اختلاف في الالوان والسحنات يؤكد على أن خطيئتنا الكبرى قد اشترك في ارتكابها الاسود والابيض، وفعلها ابن عزيز القوم وبنت شريفه، ولم تعصم الانساب والاحساب بنت ولا ولد من اولادنا وبناتنا، ولم يلجم وازع الدين مراهق ولا مراهقة ولا عاقل ولا عاقلة من الولوغ في اناء الرذيلة، دار المايقوما مسرح مكشوف وكاشف لخطايانا السياسية والاجتماعية والثقافية، ازدهرت الدار بيانع الازهار البريئة المقذوفة على ارصفة طرقات هذه المدينة الثلاثية الابعاد والغريبة الاطوار، رجل السياسة المتخم من فساد النظام البائد غرر بفقيرات الريف القادمات من الاقاصي البعيدة، وكذلك فعل رمز المجتمع المأمون الجانب راعي الأسرة العريقة الذي يتباهى بعراقة أصله وفصله بين جمهور العلماء والفقهاء. الخطيئة الكبرى بدار المايقوما حقيقة شاخصة لن نقدر على انكارها، وجريمة عظمى لا يقوى قانون عدالتنا العرجاء على انصاف ضحاياها، ولا وقف سيلها الجارف الكاسح للغني والفقير، فقبل أن نغوص في وحل قضيتنا السياسية المعقدة علينا الوقوف مع النفس، والمساءلة والمراجعة والتدقيق في معاييرنا الاخلاقية التي ازعجنا بها رؤوس الجيران الاقرباء والبعيدين الغرباء، إن اكبر انتشار لعدد هؤلاء الاطفال قد ازداد في عهد الدولة (الرسالية) البائدة الرافعة لشعار (دينه لنا وطن)، وللأسف لا هي اقامت الدين ولا هي قامت ببنيان الوطن، بل شهدت حقبتها ابشع جرائم الاغتصاب والقتل والنهب والسلب والمجاهرة بالرذائل، والردة والالحاد، وما زال الفعل القبيح يتباهى فخراً بين افراد المجتمع الذي وصفه الشاعر الوطني اسماعيل حسن فقال: (بلادي انا بلاد ناسا يكرموا الضيف مواريثهم كتاب الله)، وفي عصر الانحطاط الاخلاقي هذا ومع الأسف العميق شهدت مواخير العالم ولوج ثوب العفة السوداني المعتق بعطر الطهر. قضية اطفال دار المايقوما في الواقع هي امتداد لأزماتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، وفي هذه الفترة الحكومية الفارغة المحتوى لا اعتقد أن زيارات الجنرالات المحملة سيارتهم بدقيق الخبز للدار سوف تجدي، فواحدة من اسباب تفاقم جميع الأزمات منذ الاستقلال هو سطوة العسكر على جميع مناحي الحياة، ولن ينصلح الحال إلا بعد أن يتولى الأمر أهل الشأن والاختصاص، وما اوردنا هذا المورد الاخلاقي المهلك الا حينما وضعنا الرجل الجاهل مكان العالم الخبير المتخصص، وما غرقنا في قاع حضيض الأسف الا بمنحنا للدرجات العلمية وانواط الخبرات الاستراتيجية، لمن لا يجمعهم بهذه الالقاب سوى التزوير والادعاء، وموضوع الانهيار الكامل للدولة والمجتمع تجدونه في مقدمة العلّامة بن خلدون، حيث أنه قدم فيها مادة علمية دسمة في وصف اسباب انهيار الدول والمجتمعات، والتي جاءت خلاصتها في أن التدهور والاضمحلال دائماً ما يأتي شاملاً وكاملاً لا يمكن معه اصلاح الجسد الا بالخلاص الكامل حيث لا تفيد المهدئات. عندما تفككت دول الاتحاد السوفيتي غزت عواصم الشرق الاوسط اسراب من حسان القوقاز، فجبن الاسواق والاحياء يأكلن من اثداءهن على الرغم من أنهن كن حرائر في بلادهن، فالفقر الذي استعاذ منه سيدنا علي بن ابي طالب لا يميز بين حسناء وقبيحة، لذلك وبعدما وهب الله شعوب سهول القوقاز حاكماً نبيلاً، أول ما بدأ به هو اقامة مشاريع زراعة القمح في طول بلاده وعرضها، وقال قولته الشهيرة (الشعب الجائع لا يبدع)، ومن ثم انطلقت امبراطورية قيصر العصر الحديث المناطحة لامبراطوية اليانكي الامريكي، والمنافسة لها في ادغال وساحل وصحراء افريقيا، هكذا تكون قيادة الدولة المستشعرة لآلام نساءها المقهورات، فالمرأة هي الركن الركين لنهضة الأمم، وحيثما وجدت دولة ترزح تحت نير الانحطاط والتخلف والرذائل والبؤس والشقاء، تأكد أن المرأة فيها مجلودة مقهورة مكسورة مهيضة الجناح.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة