جاء في الاخبار ان وكالات الاغاثة السعودية تشرف مباشرة على توزيع الاغاثة للمتضررين من كوارث الامطار والسيول في السودان لابد انهم لجأوا لذلك بعد تجارب سابقة ابان فترة نظام عمر البشير، حيث كان النهب الكيزاني لا يفرّق بين مال عام ومواد تأتي لإغاثة المتضررين ليس فقط من الكوارث الطبيعية بل أيضا من الكوارث الحكومية، التي تسبّب فيها اختطاف الدولة من قبل ثلة من اللصوص وسرّاق المال العام.
عدت قبل أيام من زيارة الى المملكة العربية السعودية زرت فيها بعض افراد اسرتي المقيمين هناك، لاحظت التعامل الكريم في كل مكان، بدءا من المطارات، إجراءات تتم بسرعة بل أن موظف الأمن السعودي الشاب المهذب، اعفاني اثناء المغادرة في مطار الدمام من التفتيش الذاتي ورفع الايدي في تلك الآلة التي تشبه جهاز الكشف بالأشعة في المستشفيات، أشار لي بالمرور بدون التفتيش المزعج الذي يحدث في كل المطارات.
لاشك انني كنت احد المستفيدين تلك اللحظة من الإرث العظيم للمغتربين السودانيين في هذه البلاد الطيبة، طوال عشرات السنين كانوا فيها مثالا للأمانة والتفاني والخلق القويم، فتركوا انطباعا طيبا لدى كل المؤسسات والجهات التي عملوا معها. وامتد سلوكهم الكريم مع كل مواطني البلد والمقيمين من الجنسيات الأخرى.
اذكر انه قبل سنوات رفض سائق تاكسي في القاهرة أخذ أجرة التاكسي مني وحكي لي انه عاش مع السودانيين في السعودية ولمس كرم اخلاقهم بل انهم استضافوه لفترة من الزمان في احدى جمعياتهم، حين فقد وظيفته.
فما الذي حدث لكي تقوم وكالات الإغاثة بالإشراف بنفسها لضمان توزيع الإغاثة لمستحقيها، انه ارث 30 عاما من نهب المال العام، فساد لم يشهد له التاريخ مثيلا، فالتنظيم المافيوي الذي استولى على السلطة في بلادنا بالخديعة، صار الكذب والاستهبال والنهب له دينا وديدنا ، فلم يكن لمنسوبيه طوال تلك السنوات العجاف من عمل سوى نهب موارد الدولة وتجريد أهلها من كل حقوقهم وكل من رفع رأسه مطالبا بحقوقه، شنوا عليه الحروب حتى ضاع جزء عزيز من بلادنا وتمزق النسيج الاجتماعي بسبب ايقاظهم لعصبية القبيلة، بدلا من محاربتها لصالح الانتماء للوطن كما تفعل كل الدول المحترمة التي تحترم مواطنيها، بدلا من ذلك اغرقوا البلاد في الفتن عملا بالمبدأ الاستعماري فرّق تسد.
طوال ثلاثة عقود وصلت فيها مداخيل تصدير البترول الى مئات المليارات لينكشف بعد سقوط نظامهم أن البلد تفتقر الى اية بنية تحتية حقيقية تكون أساسا لتنمية تستغل وتطوّر موارد هذه البلاد الغنية، فالأموال كلها ذهبت الى حسابات مصرفية في الخارج. وتحولت الى فلل وشركات، ولا تزال شركاتهم التي أنشأوها باسم الجيش والجنجويد تنهب في موارد هذه البلاد، بينما يرزح مواطنيها تحت خط الفقر.
والاغرب انهم حتى اليوم يكافحون ليلا ونهارا للعودةّ مرة أخرى الى نفس سلطتهم وممارساتهم السابقة! الانسان العادي قد يخطئ لكن الحياء يمنعه من التمادي في الخطأ ومحاولة تصدر المشهد الذي ارتكب فيه الأخطاء مرة أخرى، الا هؤلاء، استخدموا أموال النهب في تكسير مجاديف الحكومة الانتقالية والتقليل من أهمية أية مكاسب تحققت، والمضاربة في الدولار لتركيع الاقتصاد. وقاموا بتحريك ميلشياتهم وعصاباتهم المصنوعة داخل أجهزة امنهم لنهب الناس في الشوارع وارتكاب جرائم القتل الغريبة، عقابا للناس على اسقاط نظامهم المجرم، وتخويفا لهم من عهد المدنية، وقتل كل امل في النفوس من حدوث التغيير، ولولا ضعف الحكومة الانتقالية نتيجة مشاركتهم السلطة مع لجنة البشير الأمنية لربما كان الحال غير الحال.
انه نفس السؤال القديم: من أين أتى هؤلاء؟
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق August, 28 202
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة