السودان الذي يعتبر أغنى دولة في إفريقيا والوطن العربي إن لم نقل كل العالم من حيث الموارد الطبيعية، رغم مرور أكثر من ست عقود على إستقلاله، ما زال يتنكب الطريق، تارة إنقلابات وحروب، وتارة أخرى مجاعات وفيضانات .. كالتي إجتاحت أغلب مدن وقرى السودان هذه الأيام، بدءاً من ولاية نهر النيل مروراً بالمناقل وغرب كردفان وبعض أجزاء من دارفور وشرق السودان، خلفت خسائر في الأرواح والممتلكات.!
بطبيعة الحال ما حل بنا ليس غضباً من رب العالمين وإنما نتيجة حتمية لفشل من تولوا زمام الحكم لاسيما النظام السابق، الذي عمل على تحنيط الدولة والمجتمع في ثقافة ماضوية مفارقة لروح العصر والحداثة. السودان في أمس الحاجة لرؤى معاصرة مواكبة لروح العصر تماشي حالة التطور التي يشهدها العالم على كافة الصعد السياسية والفكرية والعلمية والثقافية والإقتصادية لوضع مداميك بناء دولة القانون والمؤسسات القائمة على الحرية والمعرفة والعدالة.
الآن بلغنا مرحلة أصبح السودان فيها أمام مفترق طرق.
في وسط إنقسام حاد بين أغلبية تطالب بدولة مدنية وأقلية تتآمر لإستمرار حكم العسكر من أجل المحافظة على مصالحها الخاصة.
هذا الوضع يحدث في ظل وجود سبعة جيوش هي محصلة طبيعية لفشل النظام السابق الذي سطى على السلطة بقوة السلاح كما هو حاصل الآن. مجموعة من بقايا النظام السابق في الجيش طبخوا مؤامرة سلام جوبا، بغرض إغراء قادة الحركات المسلحة بالمناصب، لضمان صمتهم وتخليهم عن المطالبة بتسليم المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية جراء ما إغترفوه من جرائم ضد الإنسانية في دارفور، على رأسهم الطاغية عمر البشير وبقية المطلوبين للعدالة الجنائية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى من أجل ضمان تواطؤهم وخيانتهم للثورة التي رفعت شعارات: حرية سلام وعدالة.
لذلك أرى أن ما حدث في جوبا تحت لافتة ما سمي بإتفاقية سلام جوبا التي سبق وحذرنا منها، وما حدث في الخرطوم تحت لافتة تصحيح المسار، في 2021/10/25 هي حلقات ضمن سلسلة متصلة من تآمر مستمر يقوده جنرالات النظام السابق عبر دعم خفي من فلول النظام السابق خشية من إستقرار الأوضاع وبالتالي ينالوا جزاءهم العادل جراء ما أرتكبوه من أخطاء وجرائم بحق الوطن والشعب ومن أبرزها حالة الدمار التي ضاعفت من مآسي السيول والفيضانات التي يكابدها المتضريين، وغيرها من مآسي النزاعات المسلحة التي خلفت آلاف الضحايا في أجزاء مختلفة من السودان، ودعم مباشر من قادة الكفاح المزيف بسبب ولعهم بالسلطة والجاه والثروة.!
في ظل هذا الوضع المعقد .. قادة الإنقلاب ليس أمامهم مساحة كبيرة للمناورة والتلاعب بمصير وطن وشعب ضحى بالغالي والنفيس وقدم الجرحى والمصابين والمفقودين والشهداء في صفحات ثورة ديسمبر المستمرة من أجل الحرية.
السودان أمام خيارين: إما إنفتاح يقود إلى ديمقراطية حقيقية تحقق شعارات الثورة، وتخرج البلاد من واقع الأزمة السياسية التي تطاولت وتعقدت.. وإما إنغلاق يقود إلى إنفجار وتشظي وتلاشي.
السودان بلد متعدد الأعراق والثقافات، بلد بهذه الخصوصية، لن ينفع معه سوى نظام ديمقراطي يتيح لكل مكوناته أن تعبر عن ثقافاتها وآرائها وتطلعاتها السياسية في إطار دولة مدنية ديمقراطية، يتحول الصراع فيها من طابع العنف إلى طابع السلم، عبر تداول سلمي للسلطة، وتوزيع عادل للثروة، من أجل تحسين ظروف حياة الشعب عبر برامج سياسية حديثة ومعاصرة، تجيب على أسئلة: كيف نوفر الأمن ولقمة العيش والتعليم والصحة للمواطن في بلد خيره يسد الأفق..؟
بدلاً عن منطق التهريج السياسي الذي ظلت تمارسه القوى الطفيلية لاسيما الكيزان الحرامية الذين أقحموا الدين والعرق والسلاح في ميدان التنافس السياسي، لضمان سيطرتهم وتغولهم على حقوق الآخرين ومصادرة حرياتهم . . كما حدث في عهدهم الذي وظفوا فيه الدين والعرق والسلاح لصالح مشروعهم التخريبي الذي زاد الطين بلة ومزق المجتمع وفصل الجنوب، وعزل السودان دولياً. هذا المنطق الغوغائي ثبت فشله، لذا لا طائل من ورائه.
الطريق الآمن والموصل إلى بر الأمان، هو طريق الحرية والإنفتاح لترسيخ ثقافة الديمقراطية وبناء دولة مدنية حديثة ومعاصرة للفكاك من حالة البؤس والمعاناة المستمرة عبر خلق واقع جديد أساسه ثقافة حية تساهم في تصحيح الأخطاء التي إرتكبها النظام السابق والإنقلابيين الحاليين بقيادة البرهان وحميدتي، لإستعادة المسار الديمقراطي كشرط لازم للإستقرار السياسي وإطلاق عجلة التنمية الشاملة في كافة ربوع الوطن لحيازة التقدم والإزدهار والرفاه الإجتماعي.
السودان أمام خيارين: إما الإنغلاق الذي يقوده إلى مزيد من المعاناة ومن ثم الإنفجار والتشظي .. وإما الإنفتاح الذي يقود إلى الإستقرار والنمو والإزدهار.
إخيراً أقول: كما قال الشاعر الراحل نزار قباني: خيرتكِ فأختاري .. لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار . .
فأختاري يا بلادي . . وأرمي بأوراقكِ كاملة في بحر الحرية والعدالة والمعرفة التي تبني البلد وتضعها في المسار الصحيح.
الطيب الزين
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق August, 24 202
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة