حمور زيادة: ماهو البؤس يا صديقي!

Quote: تعرف ما هو البؤس يا صديقي؟ ان البرهان ليس لديه مشروع جيد او سيء للحكم، ولا شخصية مستقلة. انه سيحاول تقليد البشير، ببعض تحالفات كيزانية، مع اعتماد على نفوذ الجيش. هل تدرك بؤس الحال ان من يطمح لحكمنا هو رجل بلا اي مميزات لدرجة انه يطمح ان يكون "عمر البشير"؟ نعم! بشة، الذي كنا نضربه بالسفنجة من على الحائط كضب ضل طريقة من الحمام الى لمبة النيون في الصالة. بشة هو الرول موديل الذي لا يعرف البرهان شكلاً للحاكم غيره. بينما منافسه الرئيسي هو حميدتي، وبرغم انه رجل صاحب ثروات لا محدودة، ويقف خلفه جيش من المستشارين والافندية، لكن ما لا يشتريه المال ولا يعلمه لك الافندية هو الخيال. خيال حميدتي الاقصى هو هناك، في بوادي تحكمها الادارات الاهلية والطرق الصوفية. لعل اكثر طموح حميدتي سابقاً كان ان يصبح ناظراً على ديار قومه. لكن لما ابتسمت له الدنيا، وساعده طموحه على التقدم، ظل خياله هناك. ألم نسمعه يمدح الادارات الاهلية قائلا "اي زول عندو عمدة. حتى لندن عندها عمدة. يا جماعة بره منصب عمدة ده ما ساهل". هكذا، رغم البدل الفاخرة، والطائرات الخاصة، وجيوش المستشارين، ما زال خيال حميدتي وتصوره للدولة هو العمد والنظار. ولأنه محدود الخيال، لكنه غير محدود القدرات، فانه يتخيل العالم على هذا الشكل الأولي. ويريد تأكيد ذلك بأمواله. ليست نشأة حميدتي عيباً. بل ان عصاميته وطموحه مما يسحر الألباب. يمكنك ان تكره ال كابوني، لكن حين ترى كيف صعد في ١٥ سنة من حارس على باب احد بيوت العصابات الى زعيم عصابات المافيا واحد اقوى واثرى رجال زمانه. ستجد هذه رحلة فاتنة وفيها دراما. لكن الدولة الهشة التي انعدمت فيها روافع التطور جعلت من السهل ان يصعد قائد المليشيا بسرعة البرق الى قمة الدولة. ولا يمكن ان نعيب عليه ذلك باكثر مما نعيب سهولة صعود عقيد مثل عمر البشير يفتقر للكاريزما وللباقة الحديث ولأبسط مقومات التفكير العقلاني الى قمة الدولة. بشة الذي كان كل خطاب له نكتة. عندما هتف "نحن في السودان نزرع البامبي". فهتف المعــر صون، فأكمل "تعرفون ما هو البامبي؟ انه البطاطس" فهتف المعـــر صون. بشة الذي كان وعيه الاقتصادي بعد ٢٠ سنة من الحكم المطلق انه برر ازمتنا الاقتصادية اننا نتعب للحصول على الدولار بالزراعة والعمل الشاق، بينما امريكا تطبع الدولار مثل ورق الجرائد لا يكلفها شيء. قال هذا امام اللجنة الاقتصادية. وصفق المـعــر صون. ما يجعل صعود ضابط جيش شديد الضحالة، والركاكة الى قمة السلطة لثلاثة عقود، ويجد معـــرصين يهتفون انه "صمام الامان"، و"اسد افريقيا والعرب"، يجعل من الطبيعي ان يجلس ليحدثنا عن سنه المكسورة، وعن ساندوتشات الهوت دوج التي ظنها كلاب ميتة. فهو رجل ثرثار لطيف، هذه هي حدود تصوراته للحاكم. لدرجة انه افتخر ان بعض مستشاريه لاموه على الرقص، فضحك علنا في التلفزيون وقال لهم اتحداكم زول يطلع معاي المسرح ويشوف لو يقدر يمسك نفسه. رئيس يفخر انه زنبلك. ما ان يسمع اغاني الحماسة الا ويفقد السيطرة على نفسه. المأسآة انه رقصة ذاته كان قبيحاً وأشتر. لو جئت باي صبي من عيال دار جعل لرقص وعرض كالجن. اما بشة فكان ينحني بجسده الثقيل المحمل بدهن المال العام. ويؤرجح يديه أماما وخلفاً ملوحا بعصا المارشالية. والمارشالية رتبة نادرة تمنح لضباط مقاتلين قلة بعد معارك تاريخية. مثل مونتجمري بعد دحر رومل في العلمين. لكن بشة قفز اليها من لواء الى فريق الى مشير وهو جالس في القيادة العامة. يسمي بشه رقصة الاشتر رقصاً رجولياً، ويهز عصاه فيجن جنون المعـــرصين. هذه هو نموذج الحاكم الذي يعرفه البرهان. يراهن البرهان على ان يوفقه الله فيكون بشة. بونسته وعصاته. ويسمح للكيزان في تصريف امور الدولة وعلاقاتها الخارجية. ينتفخ "سنطرد فلوكر" ، متمنيا ان يستطيع تقليد مثله الاعلى بشة لما طرد السفير البريطاني. ويراهن حميدتي على ان العالم هو عبارة عن ادارات اهلية كثيرة وطرق صوفية. لقد علمنا ان لندن لها عمدة. فلماذا لا تقوم سلطته على العمد؟ هو ليس اقل من ملكة بريطانيا. ولان الادارات الاهلية تقدر الكرم، ورجل الفزعة، فانه يغدق الاموال. المتحذلقون يرونها رشاوي تسمى "المال السياسي". ولن يفهم حميدتي هذه التعقيدات. فطول عمره يرى العمد يمدحون الكريم. والناظر مسموع الكلمة هو الكريم والحاسم. فلماذا يريد افندية الخرطوم منعه من الطريق الطبيعي ليصبح ناظر عموم قبائل السودان، برتبة رئيس منتخب؟