لقد قرأت بيانك الصحفي كغيري من المتابعين لقنوات التواصل الاجتماعي، والذي جاء روتينياً وعمومياً تقليدياً مثله مثل الخطابات الشعبوية التي كان يرسلها الدكتاتور، خطاب استجدائي كأنه صادر من رجل ليس بيده أمر الحل والعقد، وهو لا ينفصل عن صنوه بيان قائد الإنقلاب - رأس دولة الأمر الواقع - الذي حاول عبره الانسحاب والتهرب والتملص من مسؤوليته ودوره المعلوم فيما آلت إليه الأمور, والقاسم المشترك بينك وبين رفيق دربك البرهان هو أنكما تطلبان الحل ممن هم دونكم في التراتيبية السلطوية والواجب الحكومي الرسمي، بالرغم من أنكما تملكان كامل السلطات الثلاث بعد أن أزحتم شركاءكم من منسوبي المجلس المركزي لقوى اعلان الحرية والتغيير، واستبلدتموهم بجماعة التوافق الوطني الذين دعموكم في خطكم الإنقلابي الفطير، أيها النائب السيادي لم لا تجلس أنت و(الرئيس) وتحسما أمر الانتقال بكل مصداقية شفافية وأمانة، بإجراءات جادة يطمئن لها الثوار؟، إنّ أخطر ما فيكما هو التذبذب والتناقض ومسرحية تبادل الأدوار المكشوفة، إن أردتما حلّاً وطنياً شاملاً، وحِّدا كلمتكما وخاطبا الشعب السوداني بخطاب واحد مُزيّل بتوقيعكما، ولا تلعبا مع هذا الشعب الأبي لعبة القط والفأر والمناورة المزدوجة، فالشعب السوداني ينتظر منكما خطوات عملية تصب في مصلحته، وتضع حصان الانتقال أمام العربة، فهذه الخطابات النثرية لن تحل المعضلة الوطنية بل تزيد من وتيرة الاحتقان. أول ما يجب عليك فعله يا محمد حمدان التوقف الفوري عن الاستمرار في التمكين القبلي لاتفاقية (سلام) جوبا، التي لم ولن توقف الحرب ما لم تكن شاملة لكل المكونات السياسية والقبلية في دارفور، وعليك أن تعلم بأن هذه الاتفاقية قد وضحت معالمها بمجرد وصول ابطالها إلى الخرطوم، فقد اتضح أنها صفقة بين قبيلتين والدليل على ذلك ظهور هيئات ومسارات سياسية وجهوية داخل الإقليم تندد بهذه الصفقة، من بينها مجموعة المسار الديمقراطي والهيئة العليا للحكم الذاتي لجنوب دارفور، وعليك أن تعلم علم اليقين أن دارفور لم ولن تُحكم بالتحالفات الإثنية ولا بالإقصاءات الجهوية ولا بقوة السلاح، فلو لم يجلس أبناؤها تحت قبة برلمان تشاوري واحد لن يفوز بحسناءها أحد، وسوف يستمر نزيف الدم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، وأهم وأخطر ما في صفقة جوبا هو بند الترتيبات الأمنية الذي تكالب عليه أبناء القبائل القادمين على صهوة جواد جوبا، البند المُشعل لفتيل الأزمة من جديد، لأن الكل يريد أن يحصل على رتبة عسكرية رسمية، حتى يتمكن من إحكام قبضته العرقية على المكونات الأخرى التي لم يطال رموزها منافع أتفاق (سلام) جوبا، ولم يدخلوا قصور الحكم في الخرطوم، يا حميدتي، إن رغبت في انتقال سلسل ابدأ بدارفور التي تقضي فيها أوقات استراحتك واسترخاءك هذه الأيام، وتوقف في الحال عن التمادي في الغي وعدم سماع الرأي الآخر، وإلّا، سوف تتفجّر الأوضاع هناك بطريقة أكثر مأساوية ودموية. الأمر الثاني، هو وجوب فض شراكتكم السياسية مع الحرية والتغيير - التوافق الوطني، باعتبار إعلانكم عن موقفكم الواضح بعدم الزج بأنفسكم في شئون السياسة والحكم، وافساحكم المجال للتنافس الحر بينها وبين المجلس المركزي المقصي وليس (المخصي) كما ظل يردد التوم هجو، ومعهما بقية الفعاليات الحزبية والتظيمية السياسية والنقابية، لتصبح الساحة مفتوحة لكل (حشّاش) يريد أن يملأ شباكه بالصيد السمين، هذا إن كنتم صادقين فيما طرحتموه من رغبة في إخلاء المجال السياسي وابتعادكم عن الطموح السلطوي، وإلّا، سيعتبر المواطن الحصيف بيانكم الصحفي هذا مجرد ذر للرماد في العيون، فليس حري بمن يريد أن يقف موقف الحياد أن يكون مسانداً وداعماً لطرف دون آخر، كما أنه يجب تنبيهكم لخلل منهجي ودستوري كبير لازم مسيرة إنقلابكم على الوثيقة الدستورية المعطوبة هي الأخرى، وهو استمرار مزاولة بعض الوزراء الموالين لكم لروتين عملهم بوزاراتهم، وعلى رأسهم وزير وزارة محورية ومهمة هي المالية، لهو أكبر دليل على أنكم لستم جادّين فيما تدّعون، فليس حري بحكومة تم الإنقلاب عليها أن يستمر بعض وزراءها في الحكم ويقذف بالبعض الآخر على قارعة الطريق، عليكم حسم هذه الضبابية والفوضى الدستورية التي لم يحدث مثيل لها في تاريخ الدولة السودانية، أن يحدث إنقلاب ويطاح ببعض الوزراء ويتم الإبقاء على البعض الآخر من طاقم رئاسة الوزراء المنقلب عليها والتي استقال رئيس وزراءها وغادر البلاد. رابعاً، وبحكم أنك والبرهان كنتما وما تزالان تمثلان السيادة الوطنية (بحكم الأمر الواقع)، فقبل أن تنزويا جانباً وتعلنا عن زهدكما في السلطة عليكما أن تحسما ملفات العلاقات الخارجية التي ما تزال خاضعة لتصرفكما، وأن تعلنا صراحة عن إيداع ملفات هذه القضايا التي برزت للعلن بعد إزالة رأس النظام (البائد)، لحكومة كفاءات وطنية انتقالية تتسلم الأمانة من بعدكما، وهي، ملفات التطبيع مع إسرائيل، وكتائب الجيش السوداني الموجودة بالأراضي اليمنية، وملف تصدير الذهب، هذه قضايا استراتيجية وليست وهمية يهرف بما لا يعرف تفاصيلها بعض عديمي الموهبة من منسوبي المؤسسات العسكرية والأمنية، هذه الملفات قد سبق وأن غض الطرف عنها السيد البرهان في خطابه الإنسحابي الأخير، لذا عليكما أن تستوعبا مضمون الحكمة القائلة: (الدخول إلى الحمام ليس مثل الخروج منه)، فقبل الخروج عليكما استفراغ كل ما في معدتيكما من شئون خاصة بهذه الملفات الجوهرية والحسّاسة، للجهات المنوط بها استكمال إجراءات التسليم والتسلم، وهذه الجهات بالطبع هي هيئات ومؤسسات ووزارات حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة المرتقبة، والتي سيشغلها وطنيون أحرار (عينهم مليانة) وغير حزبيين، يشهد لهم الصغير قبل الكبير بالنزاهة الشخصية والكفاءة المهنية، فوطن مثل السودان يصعب على من يتولى زمام أمره أن يفلت من العقاب والمساءلة القانونية والمقاضاة العادلة طال الزمان أم قصر. أخيراً يا سعادة نائب رئيس الإنقلاب لابد أن تضع نصب عينيك، حتمية استكمال متطلبات الركن الأساسي من أركان الثورة الثلاثة، ألا وهو العدالة، ومن البداهة أن للعدالة طريق واحد ليس فيه انحراف لليمين ولا إلى اليسار أو رجوع للوراء كما يحدث في الطرقات العامة، لذا ما عليك يا سعدة النائب إلّا تحضير ملفات المشتبه بهم والمتهمين في قضية فض اعتصام ميدان القيادة العامة، وذات الأمر ينطبق على رئيس المجلس السيادي، الذي يجب عليه هو أيضاً الكشف عن أسماء المتورطين في هذه الكارثة الإنسانية من المنتمين لكتائب الظل، التي ضلعت في تنفيذ هذه المجزرة البشعة التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الشباب، الذين من بينهم الغريق والقتيل والفقيد والجريح والمعاق جسدياً والمتأذي نفسياً، فثمن الإنسحاب من مسرح المشهد السياسي والسلطوي الحاضر غالٍ جداً، ولن يكون بهذه السهولة التي يتصورها كل من عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان، كما ليس من الغرابة أن يَختِم هذين الإسمين النونان، فللأرقام والأحرف علوم لا يعلم كنهها إلّا الراسخين في العلم، الذين يرتقي مقامهم ليناهز مقام أولي العزم، وكما يبدو دائماً المشهد السوداني للمتابع والمراقب الإقليمي والدولي أنه مقدور عليه ومسيطر به، إلّا أن تاريخ هذه الأرض ينبيء بغير ذلك، ويؤكد على أن هذه الأمم التي مرت من هنا ليست سهلة الترويض، ولو كانت كذلك، لروّضها عبدالله بن أبي السرح..!!.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة