كنت أتوقع ما حدث في الدمازين، كما توقعت ما حدث غرب دارفور، وقبلها في شرق السودان. وكل منطقة من مناطق الهامش تحاول أن ترفع صوتها مطالبة بحقوقها يتم ضرب نسيجها الاجتماعي عبر وكلائها الخونة الذين ظلوا يخدمون المركز منذ الاستقلال الذي فتح باب الاستغلال. لقد تمايزت الصفوف اليوم، ولذلك فإن محاولات شق صف الهامش من خلال وكلاء في الداخل شيء لا يختلف عن عمليات تسعة طويلة الوهمية التي تم تفعيلها في العاصمة لخدمة اجندة معينة. إن الصورة الكبيرة يمكن تجميع قصاصاتها لنراها كما هي على حقيقتها. إن تصوير الهامش كشعوب إجرامية دموية هو المقصد الظاهري ولكن الحقيقة أن مبدأ "فرق تسد" هو الغاية النهائية من كل ما يحدث. إحدى نساء المساليت قالت في إحدى التظاهرات: إن دارفور ليس فيها أي صراع قبلي منذ ٢٠٠٣ وحتى اليوم بل كل ما يحدث سياسي. هذه المرأة التي تبدو بسيطة لخصت كل تاريخ السودان في هذه الجملة، واختارت تاريخاً شديد الدقة وهو عام ٢٠٠٣ حينما أشيع بأن ثورة الهامش في دارفور هي صراع قبلي، في حين تم استخدام القبلية لتفتيت قوة الهامش الدارفوري لمدة عشرين عاماً. المرأة إذاً؛ حدثتنا عن تاريخ السودان، عن ثورة الجنوب وعن الترميز التضليلي وعن النخب التي تخشى أن تفقد سيطرتها على مقدرات الدولة من سلطة وثروة، لخصتها بطريقة بسيطة وهي نفي أن تكون الحرب في دارفور قبلية..بل أكدت أنها سياسية. ما حدث في الدمازين هو نفسه الذي تم افتعاله في شرق السودان بين البني عامر والنوبة وبين البجا والبني عامر وباقي المكونات، ونفسه ما حدث في كرينك ونفسه ما حدث في الدمازين وهو نفسه المشهد الذي سيتكرر باستمرار في الأقاليم التي تطالب شعوبها بحقوق متساوية من السلطة والثروة...هذه مسألة محسومة، ولا أنكر بأنني أستطيع أن ارى أصابع داخل الكم الأخضر المبرقع تلعب بكل ذلك المشهد وتتاجر بدماء هذه الشعوب المسكينة. إنني أحمل البرهان المسؤولية كاملة عن هذه الدماء، ليس لأنه لعب دوراً في سفكها فهذا ما لا أملك دليلاً مادياً مباشراً عليه، ولكن باعتباره مسؤولاً عن الأمن العام في الدولة وهو نفسه الذي قال بعظمة لسانه بأن الجيش لم يبق متسلطاً على حكم الدولة إلا حفاظاً على أمنها، فأين هو هذا الأمن، ولماذا نرى بداية انفجار دارفور تحدث وتتكرر في النيل الأزرق عبر وكلاء يبثون السموم بين القبائل لتفور الدماء وتتوتر الاعصاب وترتفع درجة المخاوف من الخطر إلى هذه الدرجة. رسالة إلى أبناء الهامش، وإلى أبناء النيل الأزرق بمختلف قبائلهم: لا تتركوهم يسوقونكم إلى حتفكم وموتكم مهما حاولوا بث الفتنة بينكم، وادَّارؤوا الشبهات بينكم، ولا تتصلبوا في مواقفكم بل تمتعوا بالمرونة الكافية لحل المشاكل المصطنعة التي يقوم بها الوكلاء لزعزعة أمنكم واستقراركم، فهذا السودان أصبح مرتعاً لمن يستطيعون بيع أخلاقهم وشرفهم لمن يدفع. فلا يخدعوكم كما خدعوا الذين من قبلكم، ومكروا ويمكر الله والله خير الماكرين. وما الله بغافل عما يعملون.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق July, 16 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة