02:32 PM March, 20 2016 سودانيز اون لاين
مصعب المشـرّف-
مكتبتى
رابط مختصر
القرار المنتظر أن يصدره المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد في ولاية الخرطوم بأن يجري إغلاق المحلات التجارية والأسواق أثناء الصلوات (طوعاً) ؛ يأتي اليوم على نحو يثير الكثير من الضحك والإستغراب والقلق والمخاوف . ناهيك عن أنه لم يرد بشأنه نص صريح في الكتاب والسنة النبوية الشريفة . كما لم يمارس في المدينة المنورة سواء خلال عهد رسول لله صلى الله عليه وسلم أو الخلافة الراشدة ... ولم تعمل به سوى في السعودية بعد منتصف القرن العشرين .. ولا يزال يثير هناك جدلاً فقهيا واسعاً ما بين واصف له بالإجتهاد وبين الذي يصفه بالبدعة.
ولكن الذي ينبغي التأكيد عليه هنا أن البيئة التي تتمتع بها الأسواق في السعودية لجهة البنية الأساسية من إنارة وعين أمنية ساهرة صارمة جوالة ومتمركزة ؛ وخدمات دورات المياه ، وتوافر السيارات الخاصة لدى معظم المتسوقين .... هذه البنية والخدمات تفتقر إليها أسواقنا في ولاية الخرطوم .
وفي البداية نستغرب أن يأتي هذا القرار ينص على إغلاق الأسواق والمحلات التجارية (طــوعـــاً)؟
إذا كان نص القرار يترك الخيار للجمهور طوعاً ؛ فلماذا يتم إصداره أصلا؟
كلام مضحك بالفعل.
لا بل يمكن تصنيفه من باب "شر البلية ما يضحك".
وهو أقرب ما يكون إلى خيالات وقرارات متعاطي البنقو والحشاشين في قمة لحظات المخمخة والدماغ المتكلفة.
وهو في هذا الجانب إنما يثبت إفتقارنا للمرجعيات الأخلاقية المبررة . وإفتقارنا للمواهب الإدارية .. وأن كل ما بات ينتهجه هؤلاء المسئولين إنما يجيء على سبيل الفرقعات الإعلامية الفارغة المحتوى والعديمة الأساس. بسبب الفراغ وعدم وجود إنجازات حقيقية في جعبتهم ورصيدهم الإدراي.
إننا بالفعل نعاني اليوم من ظاهرة "المسئول المتسـول".
من جهة أخرى فإن هذا القرار لا يأتي على خلفية شرعية معتبرة . ولا دليل له في الكتاب والسنة ..... ثم ولا نجد له أثراً مثمراً من الناحية الأمنية والأخلاقية.
وأوضح دليل عقلي على ذلك هو أن الله عز وجل قد إقتصر في كتابه العظيم على الأمر بترك البيع والشراء فقط في صلاة الجمعة .
وإستخدم سبحانه وتعالى كلمة رقيقة رحيمة هي "ذروا" أي بمعنى (أتركـوا) البيع والمقصود بالبيع التجارة .
يأتي النص الشرعي المحكم هنا في قول الله عز وجل في الآية (9 ) من سورة الجمعة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
لاحظ أنه جرى هنا تحديد (من يوم الجمعة) بكل وضوح .
نعم نعلم من خلال تجربتنا مع الإدارات المختصة في الولايات إعتمادها سياسة الهروب إلى الأمام دائما ؛ للتغطية والتعمية على واقع إفتقار صفحتها إلى الإنجازات المرتبطة بمصلحة الوطن والمواطن .
أغلب الظن أن هذا القرار الذي يأتي نصه اليوم على أساس تنفيذه "طوعاً" .... أغلب الظن أنه سيلحق به قرار معدل ينص على تنفيذه "عنوة" ..... ويترتب على عدم تنفيذه أو التباطؤ في تنفيذه الآتي:
1) التقديم للمحاكمة ودفع غرامة مالية على نحو يرفد خزينة الولاية بمزيد من الأموال لتغطية منصرفاتها ... هذه المنصرفات التي عادة ما تنحصر في الأجور والبدلات وصيانة سيارات المسئولين في إداراتها وأقسامها المترهلة . والسفر خارج السودان للسياحة بمسميات رسمية ..... والحج والعمرة على حساب الشعب .... إلخ.
2) تقتضي الرقابة على تنفيذ القرار عنوة (فيما بعد) إنشاء شرطة أسواق جوالة .. وبما يعني ذلك السيطرة على الشارع بشكل مباشر تحت غطاء وذرائع دينية مقلوبة ؛ تذكرنا بتلك الأيام السود التي فرضها الترابي على الناس في الشوارع والطرقات والأسواق والأحياء حين وضعها تحت سيطرة قانون النظام العام. ولم يكن الهدف منه سوى ترسيخ دعائم حكمه الذي إمتد ما بين 1990م و 2000م...... وها هو كما توقع معظمنا (بعد موته) يخرج علينا كل يوم 40 ترابي ليعيد لنا إنتاجه وسيرته الأولى.
من جهة أخرى فإن حكومة الولاية لم تأخذ في الإعتبار أن إغلاق الأسواق عند الصلوات اليومية ؛ تقتضي أول ما تقتضي تواجد نظام أمني محكم يمنع حدوث أي سرقات ونهب وسلب أثناء إنشغال أصحاب المتاجر بأداء الصلاة في المساجد التي قد لا تكون متوافرة قريبا منهم في مناطق جغرافية كثيرة.
كذلك فإن إغلاق التجار لمحلاتهم يقتضي منهم جهداً بالغا (لتجميع بضاعتهم) ربما لا يقل عن نصف ساعة قبل الصلاة ثم ونصف ساعة أخرى (لعرض بضاعتهم) بعد الفراغ من الصلاة . بالنظر إلى أن معظم التجار يعرضون سلعا متعددة خارج المتجر والأكشاك وعلى الأبواب ...... ومنهم من تقتضي منه بضاعته أن " يصنقـر " أو يقف "ديدبان" إلى جوارها لصد الطيور والبهائم عنها. .... أو يسارع بتغطيتها عند حدوث العواصف الترابية والأمطار ..... إلخ.
زبائن الأسواق من النساء والفتيات خاصة سيقعن في مهالك وحرج لا يحسدن عليه ... فإغلاق المتاجر يعني أن تظل النساء والفتيات والأطفال خارج المتاجر يتسكعن في الأزقة والطرقان أو يفترشن الصالات ويجلسن على عتبات تلك المتاجر .. وهو ما يجعل المنظر غير مقبول شرعاً ، وغير إنساني.
ولا نستبعد تعرض هؤلاء النسوة والفتيات خلال تسكعهن في الفراغ وجلوسهن على المساطب والصالات ... لا نستبعد تعرضهن لمضايقات وتحرشات من بعض رواد الأسواق وصعاليكها .... ونشأة عصابات تتخصص في سلب ونهب مشتريات هؤلاء النسوة على طريقة أخطف وأهرب.
الوقت المستنفذ ما بين الآذان والإقامة والفراغ من أداء الصلوات (ثلاث منها رباعية والرابعة ثلاثية) التي تصاحب ذروة التسوق ونشاط البيع والشراء ... الوقت المستنفذ يصل في المتوسط إلى نصف ساعة على أقل تقدير إن لم يكن 40 دقيقة لكل صلاة ما عدا صلاة المغرب التي يتقلص فيها فارق الوقت بين الآذان والإقامة... فلك أن تتخيل مقدار وتمدد وقت الفراغ لدى النسوة والتفيات والأطفال هنا من رواد المتاجر.
المرأة غير مكلفة بأداء الصلوات في داخل المساجد .... ومن ثم فإنه حتى إذا جرى تحويل نص القرار من "التطوع" ليصبح بعد فترة "عنوة" .... فإن ذلك لايبيح للحاكم أن يجبر النساء في الأسواق على دخول المساجد والصلاة فيها ... اللهم إلا إذا إرتأت إدارة الدعوة والإرشاد أن تبتدع للناس شرعا جديدا .
إذا إفترضنا إجبار الناس في الأسواق جميعهم من باعة ومتسوقين على الصلاة داخل المساجد . فإن الحذر الأمني هنا يظل وارداً بقوة في ظل الإمكانيات والبنيات الأساسية الهشة لجهة الرقابة والتفتيش الألكتروني ..... وعلى سبيل المثال كيف سيتم السماح للمصلين أن يدخلوا للمسجد صحبة مشترياتهم من لحوم وخضروات ومواد سائلة وحارقة ......
ألا يخشى هؤلاء في إدارة الدعوة والإرشاد أن يجدها البعض من تنظيمات إرهابية نائمة فرصة سانحة لإدخال متفجرات ؟
تسكع النسوة والفتيات والأطفال في الأزقة وطرقات الأسواق طوال هذه الفترة لابد وأن يؤدي في نهاية المطاف إلى إختلاطهن الكثير الطويل الأمد مع أولئك الذين في قلوبهم مرض من الرجال .... وفي هذا الجو والظرف من الفراغ والملل لدى المرأة ؛ يسهل الإغواء والتعارف ؛ ونشأة علاقات غير بريئة هي في شـرع الإسلام محرمة لكونها تؤدي إلى فساد المجتمع.
إذا كانت إدارة الدعوة والإرشاد لا تمتلك كما قال مصدر مسئول بها الإمكانات المالية لإصلاح وصيانة المساجد . فما هو الداعي للخروج على الناس في هذا الوقت والظرف بالذات ببدعة إغلاق الأسواق والمتاجر بعد الآذان وإلى حين الفراغ من أداء الصلوات؟ ... وهو قرار إنما يضع المزيد من الأعباء على كاهل هذه الإدارة وميزانية الدولة والأجهزة الأمنية والشرطية والإستخباراتية بلا جدال.
نرجو أن لا يسارع السيد رئيس الجمهورية إلى توقيع مثل هذا القرار بحسن نية .... عليه إذن تحويل القرار إلى الداخلية والأجهزة الأمنية والإستخباراتية ولوزارة المالية ورئاسة الولاية لدراسته من كافة الجوانب.
أحدث المقالات
بصراحة كده.. حان وقت الصراحة بقلم دندرا علي دندراالحركة الشعبية تسقط طائرة.. و الحكومة تعاقب مواطني جنوب السودان! بقلم عثمان محمد حسنفخامة الرئيس الفلسطيني حفظه الله وأبقاه بقلم د. فايز أبو شمالةما يفعله الامام الصادق المهدى وبقيت الحركات هو فضيحة باثيوبيا بقلم محمد القاضيالتحدي السياسي هو السبيل الأمثل لمناهضة اجراءات استفتاء دارفوروإقامة السدودالوثبة بعد عامين و تأثير نجاح أو فشل المفاوضات الحالية في أديس ابابا عليها بقلم د. عمر بادي المرأة والتطرف في البلاد العربية وفي باقي بلدان المسلمين... بقلم محمد الحنفي شرعية حصار المدن ومسؤولية تجويع المدنيين بقلم جميل عودة/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات د. الشيخ الترابي .. ما بين جسد يوارى وفكر يسعى.. 2 بقلم رندا عطيةفي محطّة رمسيس..! بقلم عبد الله الشيخخطيئة التفاؤل!! بقلم صلاح الدين عووضةقلم لطيف .. و فاخر ..!! بقلم الطاهر ساتيبين الشيخ الترابي وعمار عجول بقلم الطيب مصطفىالمحينة، ذلك اللاعب الذي ينافس تابلوهاته بقلم صلاح شعيبالحزب الجمهوري: منذ المذكرة التفسيرية حتى الرفض!! بقلم حيدر احمد خيراللهنظام يتدخل في أي مکان بقلم فهمي أحمد السامرائيجولة فرنسية لإدارة الصراع في فلسطين بقلم بقلم نقولا ناصر*المشهد الاقتصادي الايراني عشية اعياد نوروز بقلم صافي الياسريمناشدة للحكومة أولأ ومن ثم للمعارضة بشقيها (السلمى والمسلح):رفقاً بالمواطن المغلوب على أمرهمن ركن الأسرة بالإذاعة إلى الهيرالد بسدني بقلم نورالدين مدنييقول الخبر .. أنجبت منه قبل أن تلتقيه ولما إلتقته تزوجته بقلم الياس الغائبكفوا أيديكم عن سوريا وفكروا فينا بقلم فلاح هادي الجنابيالمصالحة رباعية الاقطاب بقلم سميح خلف