02:43 PM March, 19 2016 سودانيز اون لاين
عبد الله الشيخ -الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر
خط الاستواء
سارحل يا صديقي، دون منديل وداع..حينما أتجاوز هواءنا الاقليمي،ببضع شهقات،ببضع زفرات،سأُمزِّق تذكرة الإياب،وملامح من أُحب..! انطفأ قنديل النهار..غَرشةٌ من شاطئ بنيغازي، تكفي لاسكات هذا العويل.."بُقَّةٌ" أو اثنتين وتهدأ رعشة الكاروشة، وتُلغي كل هذا الأنين..أول عهدي بهذه المدينة، سمعت القائد يقول،أن مشكلة الارهاب في الجزائر، سببها قلة مصادر المياه في بلدان المغرب العربي..!
خُدّْ..!
في الصباح، كان تّرهونياً من بني جلدتنا، يتهامس بيننا، بأن القائد "صَار مَيّة"..!
يا أولاد الأيه..لقد ضاقت عليكم، حتى عرفتم سبيلكم إلى التنكيت..!
التقيته في حمامات القبّة..كان دنقلاوياً شرهاً، يحب النساء،ويعمل طاهياً في إحدى فنادق درجة الأولى..استأجر لنا في طومان باي، شقّة من غرفتين..صاحبة الشقّة تدعى مدام جِندي..بعد مقتل أبيه في حرب السويس،عاملته الحكومة المصرية كإبن شهيد،ومن حينها، كان يستشهد كل يوم بواحدة منهنّ..! كان يستقدمهن إلى الشقة التي استأجرها لنا..هذه الملاءلات الخاطئة تتبع لمدام جندي..إمراة ناضجة، تحلق شعرها، فتبدو مُتغلمِنة أكثر وأكثر..كنت أُدقق في أشياءها المبعثرة، فلا أرى سبباً لصرامتها، إلا كونها تخشى، تفلُّت الرغبات أمام طالب لجوء..!
دفعنا لها أجرة الشهر، فوضعت عصارتها في الميني جيب،ونزلت سلالم العمارة..طرقعة مشيتها،لم تزل عالقة في الجدران..القاهرة مدخنة للمؤمنين بها..هكذا قال إبن عمي،الذي كان صديقي..!
ــ هب أنك، في هذه اللحظة، تقف عند محطة رمسيس..أها، وبعدين..؟
* سأُسافر الى ليبيا..كل الناس يغادرون من منفذ السلّوم..
ــ يا أخي أنا بسألك، بعد وصولك القاهرة، حتعمل شنو..حتمشي وين..؟
خشيت أن أقول له، أنني سافترش الأرض قبالة الحسين،وأنه سيعصمني من المطر ،الجوع ، والبرد..استحضرت ردوداً من ذات الشّاكِلة، وانتقيت منها ما أصدُّ به خوفه عليّ...
قلت:ــ
*بعد ما احصِّل القاهرة "الله في"..!
ــ لا أظن أن الله موجوداً بالقاهرة..!
عندما قالها هكذا، لم يكن مُلحداً، بل كا مُشفِقاً عليّ ..أمام قبو الحُسين،تراءت لي جلابيب نساء، يختلط في مشيِهُنّ غنجٌ موبوءٌ بجرجرة الكلام، و"تلّة" الأيادي.!
ــ يا ابن النيل، يا سمارة...
ـــ ربُّنا يفتح عليك، وتلاقي اللِّي تِسعِدك،"آدِر"،يا كريم...
ـــ تلاقي اللي تطبطب عليك، بركة سيدنا الحسين...
هاتيك النسوة ينشدن موّالاً يستعطف قبور الصالحين..بقشيشهُنَّ يبدأ ببريزة،أو ببِشتة خبز ،أو برتقال ،أو.. مدام جندي تطلب قبل اكتمال الشهر،زيادة الايجار..صحيفة الاهرام،كتبت ما نصّه،أن القاهرة على دراية كاملة بما يجري في الخرطوم..الأهرام ماتِكْدِبْشْ..ما تكتبه سطورها ينعكس وبالاً على السودانيين..ولكن ، ماذا تريد هذه المرأة المُتغلمِنة..؟
عند سوق شعبي ضخم،يسمونه بالجنسية السودانية، تساكنت مع لفيف من المكيانيكية..جل أحاديثهم عن السريندلات، والبوبينا، والمقنيتة..في تلك السنوات، لم تكن أجهزة الرشح قد تكاثرت..كان البحر يصرخ بنداءات فاترة ــ "غرْشٌ،غَشٌّ،غرْشْ" ــ كان حنين الصيف في الجوف..الغرباء مساطيل..من لا يفعلها، فسيسطله كَبَريت"أم حِميدان"..!
تلك القرعانية، خزرجية الأنف،هي صاحبة المطعم البلدي في الجنسية السودانية..يقولون أن الأوس والخزرج،هم بعض هجرات قديمة جاءت من هذا التيه..كانت أم حميدان تأتي كل مساء، لتحاسب العاملين..ثوبها السوداني عليه فقاعات زهر..لِماها سوداوان، كاحلها يتلوّن بالخُمرة والطّلح...ثم ماذابعد..؟
ماذابعد طنطنة الريح..؟
عندما ودّعتُ عمي للمرة الأخيرة في شارع العاشرة، بأمبدّة، سألني إبنه، وقد كان صديقي:ــ هل أنت موقنٌ بأن الله موجودٌ في القاهرة..؟!
*في جيبي تذكرة الباخرة التي سأركبها إلى أسوان..سأقوم بالتسطيح على القطار..إذا عاقبني الكمساري،بعد محطة أبوحمد، فلن يجد شرطة يسجنني بها، في سندات العتمور..سيصبر عليّ، حتى أبلغ منتهاي في حلفا..سأبيع قواريط التسالي، وحبوب "الجّول" في أسوان، وسأركب قطار الصعيد، نحو مُنيتي..
كنا ثلاثة أصدقاء..تشكاكسنا بعد سريان الكأس الأخيرة في وعاء الليل، وافترقنا...قبيل الوداع قال لي :ــ هل أنت على يقين، بأن الله موجود في القاهرة..؟
.. لم استبِن شيئاً ، بيد أني تعلّمتُ أشياء كثيرة، بعد فوات الأوان..!
أحدث المقالات
قرار مجلس الامن رقم 2265 وموت الدكتور الترابي .اين ذهب ( الذهب الترليوني )...!!!!بقلم محمد فضل -- جدة(أمة محمد) آوان تعدد الزوجات قد آن.. (الآن). / بقلم رندا عطيةالمؤتمر الوطنى وفقدان الحد الأدنى!! بقلم حيدر احمد خيراللهمقترحات امبيكي بقلم عثمان نوايأيام (القنا)!! بقلم صلاح الدين عووضةحول علاقات استراتيجية بين السودان وبريطانيا بقلم قاسم محمد أبوبكر