جمعتني خلال الأيام القادمة ومن خلال أنشطة خيمة الصحفيين، نقاشات عديدة مع العاملين في الوسط الإعلامي وبالذات الفضائيات، والبعض من الوسط الفني، وكان الهَــم المُشترك هو النقد الفني. يشكو العاملون بالفضائيات من مسؤولين ومُنتجين ومُعدِّين ومُقدِّمي برامج من ما يُسمُّونه الهجمة الشرسة عليهم من الصفحات الفنية في الصحف، ويُردِّد الفنانون والموسيقيون نفس الشكوى. ويتركّز الحديث على أن ما يُنشر من هجوم أو تقييم للأعمال التلفزيونية والفنية لا يقوم على أيِّ أُسس متعارف عليها، ولا يتوخى النقد والتصويب بقدر ما هو هجومٌ شرسٌ وتصفية حسابات شخصية في بعض الأحيان. ويشير بعضهم لأنّ ما يُنشر خَاضعٌ للعلاقات الشخصية، فهناك إشادات بأعمال تُوصف بأنّها عظيمة وناجحة، دون تحليل مُصاحب يُوضِّح نقاط قوتها، وهناك أعمال توصف بالفشل، ولا يصاحب ذلك أيضاً ما يعين القارئ على اكتشاف مواضع الخلل. حق الصحف في مُتابعة الوسط الفني والإعلامي والكتابة عنه حقٌ أصيلٌ لا يُمكن التنازل عنه، إذ أن واجب الصحف والصحفيين تمثيل القارئ والدفاع عن مصالحه، وهنا نعني حقه في استقبال أعمال إعلامية وفنية راقية ومُمتعة ومُفيدة. وتخضع بالتالي، البرامج المختلفة التي تقدمها الفضائيات في رمضان للتقييم والنقد. نعرف أن هناك حساسية لدى البعض من النقد، إذ غاية ما يريدون من الصحف التصفيق لهم في كل الأحوال، وهذا لن يكون. لكن وجدت أيضاً لدى الشّاكين نقطة جديرة بالاعتبار، وهي تساؤلهم عن أُسس ومَعايير النقد الفني، ومدى تأهيل من يكتبون في نقد البرامج التلفزيونية والأعمال الدرامية والفنية والموسيقية. لا بد أن يتمتّع من يتصدّى لنقد الأعمال الفنية والدرامية بقدر من التأهيل والخبرات، ولا يشترط هنا التأهيل الأكاديمي المُتخصص، لكن زيادة المعارف الفنية والموسيقية والدرامية عَبر الإطلاع والمُتابعة واكتساب الخبرات. عندما يقول ناقد فني إنّ المسلسل الفلاني جيد أو سيئ، عليه أن يقدم الاعتبارات التي بَنى عليها حكمه، حتى تبدو مُقنعة للقارئ. وعندما يقول إنّ الفنان الفلاني صاحب مُستقبل كبير، وإن علاناً لن ينفع في فن الغناء وعليه أن يتّجه لمهنة أخرى، فإنّ عليه أن يُؤسِّس لهذا الرأي بشكل معقول ومنطقي، حتى لا تبدو هذه الأحكام خاضعةً لمزاجه الشخصي. أظن أنّ اتحادات وروابط الصحفيين عليها دورٌ كبيرٌ هنا يجب أن تلعبه، وكذلك كلية الموسيقى والدراما يمكن أن تُساعد بتنظيم دورات في النقد الفني والموسيقي والدرامي، كما أن سعي الصحفي نفسه لزيادة معارفة أمرٌ مَطلوبٌ بشدة. أسوأ ما يُمكن أن تفعله الصحافة أن تصدر أحكاماً تسوقها للرأي العام مبنية على الأهواء والعلاقات الشخصية، بل وحتى المَزاج الفردي. بالتأكيد من حق الصحفي أن يُعبِّر عن رأيه، لكن عليه أن يعي أنّه يُخاطب قطاعات كبيرة من الرأي العام، بالتالي لا بد من أن يكتب بروح المسؤولية والاحترام للقارئ.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة