أبلغه قائد فرقة الجنجويد، أنت ممنوع من الخروج من غرفتك سيدي الرئيس، أنا آسف جدا. سيقوم أحد رجالي بتنفيذ كل طلباتك وإحضار كل ما تأمر به. لقد قدمنا مطالبنا الى الشركة الوطنية منذ أسابيع لرفع رواتبنا، لكنهم بدلا من ذلك لم يدفعوا لنا ولا حتى مرتبات هذا الشهر سيدي الرئيس. نحن نتحمل مسئولية الوطن كله، نحارب حركات التمرد، نحمي الحدود ونحمي القصر الجمهوري والعاصمة سيدي الرئيس، نحارب عصابات النهب المسلح وعصابات التهريب، ونقوم بتحصيل الرسوم الحكومية من المنقبين عن الذهب في صحاري الوطن، نراقب المارة في الشوارع حتى لا ترتدي إحدى الفتيات زيا مخالفا يتعارض مع توجهنا الحضاري الاسلامي. نراقب المعارضين ونراجع مقالات الصحف سيدي الرئيس حتى لا ينشر أحدهم مقالا يهدد أمن دولتنا ويوحي للأعداء ان جبهتنا الداخلية غير متماسكة.
قمنا بإحصاء سكان الوطن، وأعددنا قوائم الانتخابات وأشرفنا على توزيع الدوائر الانتخابية، وحراسة لجان التصويت وصناديق الاقتراع. وقمنا بالاشراف على وحراسة لجان فرز الأصوات، وساعدناهم في عملهم، أحضرنا لهم صناديق جديدة مليئة بأصوات صحيحة، تدعم مرشحي الشركة الوطنية في كل الدوائر الانتخابية، وسحبنا الصناديق القديمة المليئة بأصوات أعداء الوطن!. وحين أعلنوا فوز مرشحيهم، لم نسمع منهم ولا حتى كلمة شكرا، بدلا من ذلك وجهوا الشكر للشعب! رغم ان الشعب لم يعطيهم ولا صوت واحد، وقاطعت الأغلبية الانتخابات المعروفة نتيجتها سلفا.
يلقون لنا بفتات موائدهم آخر كل شهر، يتاجرون في كل شئ سيدي الرئيس. يبيعون أراضي الوطن، حتى هذا القصر يقال أنهم باعوه لتاجر هندي ثم عادوا وإستأجروه منه مؤقتا. يبيعون حتى التاريخ، كل الاثار القديمة قاموا ببيعها لشركة آسيوية، حتى أنهاره، ونسهر نحن الليل كله في حمايتهم، في حماية اللصوص ومسروقاتهم. وحين نطالب بمرتباتنا، تختفي النقود من جيوبهم، فلا يعثرون على قرش واحد، وتجف حساباتهم البنكية التي تتدفق منها النقود الى الشارع في الظروف العادية من فرط التخمة المالية. يفكرون قليلا ثم يطلبون دائما مهلة ليدفعوا لنا، يعلنون في كل مرة: لا توجد سيولة نقدية في البنوك، كأن سيولة هذه البنوك لا تنقطع الا حين نقف نحن أمام نوافذ صرافة الشركة الوطنية لنتسلم مرتباتنا. دائما يجدون عذرا ما، بسبب المقاطعة الامريكية لا نستطيع بيع محصول الصمغ العربي، بسبب الحصار الاقتصادي لا نستطيع تحويل أموالنا في الخارج الى داخل الوطن! يحسدوننا لأننا نتقدم من صفوف الدول المتخلفة، بتنا نصنع طائرات دون طيار! (ما دمت صنعت الطائرة هل سيصعب عليك صناة طيّار؟!) وبنادق ومدافع وراجمات صواريخ! كل ما يقومون بصناعته أو تجميعه يطلق النار! لا يفكرون حين يخططون لعمل مصنع الا في القتل! لادواء ولا غذاء ولا ملابس او لعب للأطفال. حين نطلب حقوقنا يبحثون عن شماعة يعلّقون عليها أزماتهم: بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية والكساد الذي يضرب اقتصاديات الدول العظمى، بسبب العقوبات الاقتصادية، نحن مستهدفون بسبب سياساتنا المستقلة وتوجهنا الحضاري!. بسبب فشل الموسم الزراعي لأن الامطار لم تهطل بالمعدل الكافي هذا العام .. يبدو أن الله أيضا يستهدفهم!
تساءل السيد الرئيس: هل هذا إنقلاب عسكري!
ضحك قائد الجنجويد وقال: هل تبقى شئ لنقوم بقلبه يا سيدي؟ كل شئ أصبح مقلوبا رأسا على عقب! ألم تسمع قصة الرجل المسن الذي قال تعليقا على شاب أعلن أنه لابد من إنقلاب لكي تنصلح الأحوال، قال المسن الحكيم: يا بني لن تحتاج لانقلاب، فالوطن مثل سيارة (مقلوبة) اصلا رأسا على عقب، لكننا محشورين في أسفل هذه السيارة المقلوبة ولا نستطيع أن نخلّص أنفسنا.
لو كنا نعرف من الذي يحكم هذا الوطن لما تأخرنا في الانقلاب عليه. لكننا نتفاوض كل يوم مع شخص آخر، نتلقى التعليمات من شخص ما ونقول : يبدو عليه النفوذ لابد أنه الرجل الاول في الشركة، لنفاجأ حين نسأل عنه في المرة التالية بأنه: ترك العمل مع الشركة. وأنه سافر للعمل في إحدى دول الخليج! ليحضر في المرة التالية رجل يمتلئ نفوذا وقوة، معاه مستشارون أكثر مما كان لديك في الأيام الخوالي سيدي الرئيس. كل كلمة تصدر عنه تسجل في جهاز كمبيوتر يحمله أحد معاونيه، لا يرد على سؤال او اقتراح قبل أن يتم استشارة الكمبيوتر كما سمعنا من معاونيه. حتى غاراتنا على القرى التي يحتمي المتمردون وسط أهاليها، رحلات الصيد، حتى مواعيد نومنا مع زوجاتنا او سبايانا يحددها جهاز الكمبيوتر هذا! حتى أننا شككنا أن هذا الجهاز اللعين هو الذي يملك السلطة في هذا الوطن سيدي الرئيس! إنه طابور خامس، كمبيوتر عميل لدوائر أجنبية!
في المرة التالية نجد أيضا شخصا آخر، على نقيض سلفه لا يحفل بالأجهزة الذكية. لا يحمل سوى تليفون محمول، يغلقه حين يبدأ التفاوض معنا. يكتفي فقط بهز رأسه الى أسفل حين يستمع الى شكاوينا وطلباتنا، كأنه يوافق عليها، لا ينبس ببنت شفة حتى نهاية إجتماع يدوم ست ساعات، حتى أننا نشك أنه أخرس ونشتاق الى أيام سلفه صاحب القرارات الكمبيوترية الطيبة!
نحن شركاء في الهم سيدي الرئيس، نخدم في أشخاص مجهولين لا وجود لهم عمليا في اي مكان. أحيانا نقوم بحراسة إحدى الفلل الرئاسية حراسة مشددة لعدة أيام، لنكتشف فيما بعد، أننا كنا نحرس قصرا فارغا، نحرس مجموعة من الموظفين والحشم وزوجة صغيرة! أما المسئول نفسه فلا أحد يعلم عنه شيئا!
يجد نفسه أمام جهاز التلفزيون حين يخرج قائد الجنجويد، يرى نفسه يفتش حرس الشرف أثناء حفل استقبال لرئيس دولة زائرة. بدلا من الحرس المستأجر الذي كانوا يحضرونه في المرات السابقة، تعرّف على ثياب رجال الجنجويد، حرس الشرف من الجنجويد! رأى نفسه فيما طفلة تهديه باقة زهور ضخمة وضعتها له حول عنقه. يفكر مندهشا كيف استطعت الخروج لاستقبال الرئيس الضيف رغم انقلاب الجنجويد! يا للمعجزة، كيف حضرت حفل تدشين مصنع الطائرات التي تطير بدون طيّار؟ رغم انني محاصر في غرفتي لأن الجنجويد لم يتسلموا مرتبات شهر سبتمبر!
فصل من رواية الحب في زمن الجنجويد
للحصول على نسخ بي دي اف من بعض اصداراتي رجاء زيارة صفحتي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة