· في واحدة من مشاهداتي القليلة خلال الأيام الفائتة من الشهر الكريم لبرامج قنواتنا الفضائية تابعت إحدى حلقات البرنامج الرمضاني " وطن آب" الذي يقدمه المذيع سعد الدين على فضائية النيل الأزرق. · ضمت الحلقة التي تناولت حال الصحافة السياسية السودانية كلاً من الأساتذة الصادق الرزيقي ، عثمان ميرغني، عبد الباقي الظافر، ضياء الدين بلال ودكتور عادل من المجلس القومي للصحافة والمطبوعات. · أكثر ما سرني في الحلقة هو حديث ضياء الدين بلال وعبد الباقي الظافر بعدم وجوب أي حصانة للصحافة وأن الناس يفترض أن ينتقدوا رجالها مثلما تنتقد الصحافة الآخرين. · وكل العشم أن يكون مثل هذا الكلام قد صدر من القلوب، وليس لمجرد ( الشو) فقد تعودنا على ( التجمل) كلما ظهر أحد المشاهير عبر شاشات التلفزة. · كما سرني حديث عثمان ميرغني الواضح والمنطقي حول عدد من النقاط المطروحة. · وأسعدتني أيضاً مداخلتا الأستاذ فيصل محمد صالح الواضح الشفيف في طرحه دوماً. · لكن هناك ما أثار استغرابي في الحلقة أيضاً. · أول ذلك هو مداخلة الكاتبة سهير عبد الرحيم، فقد افترضت سهير في مداخلتها أن فقر وقلة حيلة بعض الصحفيين وعدم تزويدهم بالمعينات يفرض عليهم قبول العطايا والهدايا. · والواقع أن قلة حيلة الصحفي أو فقره لا يفترض أن يدفعانه للقبول بأن يكون صيداً سهلاً للـ ( الجر الناعم) كما أسموه، أو (الرشوى) كما يفترض أن نطلق عليها إن أردنا الوضوح. · فلو أن كل فقير ارتشى لخربت الدنيا. · واستغربت أيضاً لأن يكون الممثل الوحيد للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات في الجلسة هو أقل المشاركين قدرة على الكلام الموزون المليان. · أما ما إستهجنته في الحلقة فهو ذلك الحديث الذي دار حول ( قفة البلح) التي قيل أن نائب رئيس الجمهورية يقدمها للصحفيين وقد سخر ضياء الدين ممن يسمونها رشوة، باعتبار أنها تقدم لرؤساء تحرير يفوق راتب الواحد منهم الـ 11 مليون جنيه- حسب ضياء الدين- فكيف تتم رشوة هؤلاء الأثرياء ( هذه من عندي ولم يقلها ضياء) بـ ( قفة بلح)! · الغريب في الأمر أن ضياء رفض فكرة سهير بأن يكون فقر وقلة حيلة بعض الصحفيين مبرراً لقبولهم بالهبات والعطايا من أصحاب والقائمين على المؤسسات، مع أن المبدأ واحد في نظري، وبنفس القدر كان يفترض أن يُسلم ضياء بأن رئيس التحرير عالي المقام يمكن أن يُهدى ( قفة بلح) في الظاهر، فيما يهدى أشياء أخرى ( في الخفاء). · وعموماً من يقبل ( قفة البلح) سيقبل بالطبع بقطعة الأرض في المكان الراقي الذي تحدثوا عنه، وأظن ذلك قد حدث بالفعل حسبما ذُكر في كتابات الظافر تحديداً، أن ذلك لك يعد مجرد افتراض. · دافع الصادق الرزيقي بوصفه نقيباً للصحفيين دفاعاً مستميتاً عن المهنة رافضاً أن يكون أصحابها مواضع للتندر والسخرية ومطالباً بقدر من الاحترام عند توجيه النقد لها. · لكن يا عزيزي الصادق من يقبل بـ ( قفة البلح) تحت أي ظرف من الظروف لا يفترض أن يتوقع احترام الآخرين له. · وحتى إن افترضنا أن ( قلة) هي التي تقبل بالعطايا والهبات في صحافتنا فإن الشر يعم. · ولو أنني أرى أن أعداد من يقبلون الرشاوى والهدايا في تزايد كبير ومطرد في كافة ضروب الصحافة وليس ( الرياضية ) فقط كما ألمح معظمكم دون أن تملكوا الجرأة لقول ذلك صراحة. · تحدثتم جميعاً عن هامش الحريات، وعن موضوعية الصحافة السودانية وميلها للمنطق في طرح القضايا، وعن قوة تأثيرها، عدم مساومتها، إثارتها لقضايا الفساد وتحريكها للمياه الراكضة وقلتم الكثير في هذا الجانب. · لكن مع اقتراب انتهاء الحلقة جاب عبد الباقي الظافر من الآخر حين قال أن القاضي سيف الدولة حمدنا الله الذي وصفه بالكاتب الجيد لا يستطيع أن يكتب في أي واحدة من صحفنا الـ 23!! · وفي رأيي أن هذه العبارة هدت كل ما قبلها. · إذ كيف تكون صحافتنا ( موضوعية) ( منطقية) ( جادة) و(مؤثرة) وهي لا تستطيع أن تستكتب بعض الكتاب الجيدين بسبب وضوحهم في طرح مواقفهم المعارضة لما يجري في البلد!! · العبارة المذكورة تعني ( لي على الأقل) أحد أمرين، إما أن الظافر يعترف ضمنياً بأن هناك توزيعاً للأدوار، وأن القائمين على الأمر في البلد يقبلون بنقد أقلام محددة لأنهم يرون أنها قريبة منهم، فيما يرفضون هذا النقد إن جاءت به أقلام معارضة لهم تماماً، وهنا يصبح الحديث عن هامش الحريات وتأثير الصحافة.. الخ نوعاً من اهدار الوقت فيما لا طائل من ورائه. · أو أن الظافر أراد أن يقول في لحظة تجلي ( خلاص يا جماعة تونسنا ما فيه الكفاية وقبل ما نمشي حقو نوري الناس إننا ما كنا جادين في أي كلمة قلناها، ولم يكن الهدف الإفادة كما زعمنا في باديء الأمر). · طبعاً مرت عبارة الظافر بالغة الأهمية مرور الكرام ولم يقف فيها البقية وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء، مع أنها تقدح في الجميع بما فيهم مُطلقها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة