ماكو باللهجة العراقية تعني مافي، وإن كانوا يضعونها في مقدمة الجملة، فأقصى تعبير عن الفلس هو "ماكو فلوس". وحديثي هنا من داخل البيت، نقد لبعض ممارسات الصحافة السودانية، خاصة في ما يتعلق بالمصادر ووزنها ونسبة الكلام إليها بطريقة ملتوية. هناك إشكالات حقيقية في الصحافة السودانية في مسألة المصادر وكيفية التعامل معها، فهي تجافي بشكل كامل أساسيات العمل الصحفي التي يدرسها طلاب الإعلام ويتدرب عليها ناشئة الصحفيين. ومن الأساسيات المعروفة ضرورة الرجوع لأكثر من مصدر إن كان الخبر يتعلق بأطراف أخرى غير المتحدث، فلو صرح قيادي بالمؤتمر الوطني عن موقف حزبه من قضية ما، فلا بأس إن كان وزنه في الحزب كبيراً، أما إن كان يتحدث عن موقف حزب آخر فألف باء الصحافة تقول أنه يجب الرجوع لذلك الحزب ليؤكد أو ينفي ما نسب إليه. قبل أيام قال السيد مبارك الفاضل ما معناه أن حزب الأمة بقيادة الإمام الصادق المهدي سيشارك في الحكومة بعد التزامها بتحقيق عدد من النقاط أسمتها الصحافة بالسبع المنجيات. تم نشر الخبر على لسان مبارك، ثم أتبعته الصحف بتقارير وحوارات وتحليلات، ولم أر في أي منها رجوعاً لصاحب الشأن وهو الإمام الصادق المهدي. ثم الأهم من ذلك إن راعي الضأن في الخلاء يعرف الخلاف بين مبارك والإمام الصادق المهدي، وكيف افترقت الخطى وسار مبارك في مسيرة الحوار الوطني ولجانه، في حين أن الإمام الصادق وحزبه لا يزالان بعيدين. ببساطة فإن أي تحليل لهذا الموقف لا يجعل من السيد مبارك الفاضل متحدثاً باسم الإمام وحزبه، ولا يمكن أن ينشر كلاماً على لسانه عن موقف الإمام دون الرجوع إليه. الأعجب من ذلك خبر تم تداوله في وسائط التواصل الاجتماعي، ثم انتفل للصحف، عن أن رئيساً عربياً، تم تعريفه بالإسم في بعضها، اتصل بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وطلب منه عدم رفع العقوبات عن السودان. هذا خبر كبير، إن صح، ولا يمكن لصحيفة أن تهمله أو تهمل نشره، لكن السؤال الأساسي هو عن مصدره. هل هو الرئيس الأمريكي أو أي من مسؤوليه؟ هل هو الرئيس العربي أو شخصية مقربة منه؟ هل هو إحدى وكالات الأنباء أو الأجهزة الإعلامية الكبرى التي لديها مصادر في البيت الأبيض؟ هل هي تسريبات ويكيليكس أو سنودون؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة هي كبيرة جداً. فالمصدر مواطن سوداني يعمل في وظيفة في دولة خليجية، أي والله مواطن ساكت... "وزول زيي زيك"...!، قال هذا الكلام وليست هذه هي المشكلة، ولكن أن تنقل عنه الصحافة السودانية الخبر وتضعه في الصفحة الأولى، هذه هي المشكلة. الشخص الموصوف بأنه خبير استراتيجي لم يقدم تحليلاً بخبراته الاستراتيجية للوصول لذلك، وإنما قدم معلومة عن اتصال قد تم بين الرئيسين، وهنا لا بد أن يكون هو على صلة بأحد الرئيسين، أو كان جالساً في مكتب أحدهما. نغضب كثيراً، كصحفيين، عندما نجد شخصاً يشكك في كلام ما بأنه "كلام جرايد"، ولكن مثل هذه الأخبار تجعل من هذا الاتهام واقعاً مسنوداً بأدلة، مع الأسف الشديد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة