قبل أيام قليلة نشرت الصحف السودانية تصريحات للدكتور عصام صديق يرد على الاتهام التأريخي له.. بأنه كان خلف قرار تعديل التوقيت في السودان ليكون +3 بدلاً من +2 قرينتش.. أي ما يسميه الناس (جر الساعة، ساعة). وبعيدا عن الملاومة، ومن فعل ماذا؟، يجدر أن تدرس هذه القضية في الجامعات السودانية.. أنموذجاً ولا أبدع تحت عنوان (كيف تصنع القرار الخاطئ؟). فقضية (جر الساعة) ليست مجرد قرار تسبب في خسائر لا تقدر بثمن لكل السودان ولا يزال.. بل أكثر من ذلك هو عرضحال يكشف كيف تقفز القرارات الخطيرة من مجرد خاطرة عارضة في ذهن شخص إلى قرار يؤثر على حياة بلد وشعب كامل. لا أنسى- أبداً- ما كان يقال في تلك الأيام التي ولد فيها القرار.. على سبيل المثال.. كان يفترض أن يبدأ تنفيذ القرار في اليوم الأول من العام (الفاتح من يناير)، والتبرير أن التوقيت القديم هو من صنع الاستعمار.. فيجب أن يذهب في نفس يوم ذهاب الاستعمار.. الفاتح من يناير.. تصوروا إلى أي مدى تبدو القرارات أحياناً طفولية عابثة!. ورغم أن توقيت ضربة البداية اتخذ في حوالي شهر يونيو.. أي قبل ستة أشهر من توقيت سريان التوقيت الجديد إلا إن أحدا ممن أصدروا القرار لم يفتح الله عليه بإلقاء نظرة على المفكرة؛ ليرى أين سيكون موقع توقيت تدشين التوقيت الجديد... فكانت المفاجأة الكبرى أن الفاتح من يناير يصادف العشر الأواخر من رمضان.. بكل زخمه المتزامن مع السهر لصلاة التهجد والسحور.. ثم الإرهاق المرتبط بنهايات رمضان.. فاضطرت الحكومة تحت ضغط (المفاجأة!!!!) في أواخر رمضان أن تؤجل التنفيذ إلى حين انتهاء أيام الشهر الكريم، وعيد الفطر من بعده. كان هذا وحده كافياً ليكشف إلى أي مدى هذا القرار مجرد من المخيط والمحيط من حصافة التدبر والدراسة والتبصر قبل صدوره. وبعد إعلان التوقيت الجديد (جر الساعة، ساعة).. كان أول من تأذى الحكومة نفسها.. فانسحبت هي من التوقيت، وتركت الشعب يكدح تحت سياطه.. فبدأت وسائط الإعلام الحكومية تغيير مواعيد نشراتها المهمة حتى تواكب التوقيت السابق.. فغيرت الإذاعة نشرة الظهيرة الساعة الثالثة التي اشتهرت بإعلان القرارات الرسمية للحكومة.. فأصبحت نشرة الساعة (الرابعة).. وفي التلفزيون الرسمي تغيرت نشرة التاسعة مساء إلى العاشرة. والآن وبعد مضي أكثر من (17) سنة على العمل بهذا التوقيت المعيب ألم يحن الأوان للعودة إلى التوقيت القديم.. بعد أن ثبت أن الشعب السوداني يخسر يومياً ساعة من عمره الإنتاجي بسبب هذا القرار العجيب. تحول هذا التوقيت الجديد إلى (قضية سياسية) بامتياز تعبِّر عن وجهة نظر (حزب سياسي) أكثر منه قراراً قومياً يقع وزره على عاتق بلد وشعب كامل الأهلية والرشد.. فالإحساس العام عند الناس أن الحكومة تصرّ على التوقيت مكابرة لا اقتناعاً. متى يستعيد السودان وضعه الزمكاني الطبيعي؟!.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة