ما لا يُمكن أن يُفهم في التصريح الذي أدلى به وزير البنى التحتية والمواصلات بولاية الخرطوم حول تركيب عدَّادات مياه (تجريبية) على أمل تعميميها مستقبلاً ، محتوى التصريح المتمثل في الجملة الآتية (عدادات الدفع المُقدَّم لن تشمل الفقراء) .. وأنا شخصياً يستعصي علي فهم ما تنوي إستخدامه مياه الخرطوم من أساليب أو معايير تضبط من خلالها واجباتها تجاه المشتركين وحقوقها لديهم ، ومن المعلوم بالطبيعة أن (العدالة) لا تتجزأ بالقدر الذي يدفعنا للتساؤل حول الرؤية المبدئية التي تنظر بها الجهات الحكومية لأمر التعرفة ، هل هي سلعة حكومية يتم توزيعها حسب الإحتياجات والمستوى الطبقي للفئات ؟ أم هي عملية تجارية (عادلة) ومتوازنة و(شرعية) يُمكن الإحتكام فيها إلى مباديء التكاليف والربح المُقدَّر للتسيير والتطوير؟ إن كانت الإستراتيجية المعمول بها في هذا الموضوع تنتهج مباديء الشرعية والقانونية المُتعارف عليها في عالم البيع والشراء والحقوق والواجبات التعاقدية ، فضلاً عن ضمانات إستتباب منطق العدالة ، فليس هناك من داعي إلى سن أوتحديد تعريفتين ، واحدة تخُص الأثرياء والأخرى تخص الفقراء ، فإذا كان الأمر فعلاً هو أمر حسابات وتقنيات جديدة تحتويها العدادات المسبقة الدفع فما الذي يمنع أن تحتسب إدارة مياه الخرطوم تكاليف إنتاج اللتر الواحد من الماء أو أيي وحدة قياسية أخرى ثم تضع ما تراه مناسباً كهامش ربحي يفي إحتياجات التسيير والصيانة والمخططات المستقبلية ، وتلقائياً فإن (البيوت الكبيرة) أو(القصور) كما أسماها السيد الوزير ستدفع قدر ما إستهلكته من مياه ، و كذلك الأمر بالنسبة لبيوت الفقراء ، وللحقيقة لا أعلم ما المقصود بزج معايير التفاوت الطبقي فيما تبيعه الهيئة من مياه للمواطنين ، وهل سيفي هذا المعيار (الشكلي) بتحقيق معايير العدالة في الإستفادة من هذا السلعة الحيوية ، فالقصور الكبيرة قد يقطنها عدد محدود من الأشخاص وبالتالي قد لا تستهلك من المياه (ما تصبو) إلى تحقيقة مياه الخرطوم ، والعكس صحيح فبيوت الفقراء رغم صغر حجمها وقِصر أسوارها قد تحوي عدداً كبيراً من السكنى وبالتالي ستكون الأكثر إستهلاكاً وربما إهداراً إذا ما نظرنا إلى الظروف التخطيطية والبيئية والإجتماعية التي تُحيط بكثير من الأحياء الشعبية النائية ، هناك أساليب وأنماط كثيرة ومُجرَّبة في دول كثيرة لدعم ومساندة الطبقات الفقيرة من أمثلتها التحقيق الفعلي لمجانية التعليم والإستشفاء والحصول على الدواء ، هي في الحقيقة أجدى وأنفع من إسترايجيات (وأد العدالة) والتطاول على أخلاقيات وأعراف وقوانين البيع والشراء والعرض والطلب ، لم نسمع أبداً أن السلع تُباع في الأسواق بحسب ثراء الناس أوحجم بيوتهم وما يسعون به من مركبات ، في رأيي أياً كانت درجة سمو الأهداف المتعلقة بالموضوع فهي غير مُستساغة ولا مقبولة ولا (مبلوعه) طالما أنها تجافي منطق العدالة والمساواة والنزاهة التي تفيد في نهاية الأمر حالة التراضي والتي هي شرط شرعي في العقود لا يمكن أن تتجاوزه لوائح ومُخططات الدولة حتى لو كان الهدف (دعم الشرائح الضعيفة) ، هذا الشعار الذي أصبح أجوفاً و بلا حقائق تؤيده في الواقع المُعاش ، لا أدري لكن يساورني إحساس عميق أن موضوع العدَّادات هذا فيه (إنه) تشبه (إنه) أزمة غاز الطعام .. الله يكضِّب الشينة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة