كَتبت قبل يوميْن عن العُنصرية المُتبادلة، في إشارة لما كُتب وقيل في الإعلام المصري بعد قرار وقف استيراد المُنتجات الزراعية المصرية. وقد تَصاعدت الحَملة بين الجانبيْن، وتَمّ تبادل كميات من عبارات الإساءة والتحقير في وسائل التواصل الاجتماعي. وقد وصلتني ردود فعل مُتعدِّدة على ما كتبت، بعضها مُؤيِّد وبعضها ناقدٌ. الشيء المُهم أيضاً هو أن ردود الفعل نفسها نَضَحت بعُنصرية أقوى وأشد من تلك التي اشتكت منها، ولجأت للتعميم ووصف المصريين بعبارات وصفات لا تليق، ولا تقبل ممن يشتكي من العُنصرية. أضفت لمُلاحظاتي قاعدة ترّسخت لديّ منذ فترة طويلة، هو أنّنا شعبٌ حسّاسٌ جداً تجاه البرامج أو الأفلام الكوميدية أو الساخرة التي قد تتعرّض لنا أو تُقدِّم لنا نموذجاً لا نَقبله، وتابعت من قبل ضجة أُثيرت حول أكثر من فيلم أو برنامج، ولم اتّفق مع ما كتب وقيل، وعزوت ذلك للحساسية المُفرطة. كنت أرى أنّها قد لا تصل لمرحلة الاتهام بالعُنصرية، بتعريفها القانوني أو حَسب الأدب السِّياسي، لكنّه يتعلّق بعملية التنميط (ستيريو تايب) التي يستسهلها الإعلام العربي عُمُوماً، سواء للشخصية السودانية أو غيرها. وأظنني كتبت من قبل عن مُلاحظة قالها لنا رسّام الكاريكاتير السوداني الأصل رؤوف عياد، وهو أنّه توقّف عن رسم الشخصيات السودانية في الكاريكاتير بعد الهُجُوم العَنيف الذي تَعَرّضَ له أثناء عمله بمجلة "الوادي" التي كانت تصدر في فترة التكامل عن داري "روز اليوسف" في مصر، و"الصحافة" في السودان. قال إنه اختار شَخصيّة سُودانيّة وحاول تمييزها كاريكاتورياً بأنف أفطس وشفاة غليظة، فلقي ذلك الهجوم، خَاصّةً أنّ الكثيرين لا يعلمون أنّه سُوداني الأصل. وأشار لأنّه عمل عشرات السنين بمجلة "روزاليوسف" وتفنن في رسم الشخصيات المصرية بطريقة ساخرة ولم يغضب منه أحدٌ. والحقيقة أيضاً أنّنا لا نخلو من العُنصرية في مُجتمعنا، سواء ضد بعضنا البعض، أو ضد شُعوب دول أخرى، نراها لسببٍ ما أقل مننا، وأقل ما يجب فعله في مُقاومة ومُكافحة العُنصرية التي يُمكن أن تُمارس ضدنا، هو ألاّ نُمارسها ضد الآخرين، وربما نحتاج هنا لدليلٍ أو مُرشدٍ مثل الذي كتبه الكاتب المغربي المعروف الطاهر بن جلون "العُنصرية كما شرحتها لابنتي". لا أحدٌ يقبل أن يُعامل بأيِّ نَوعٍ من العُنصرية، ولا يجب أن يقبل، لأنّ في ذلك إهانةً للإنسانية ولأرقى قيمها وتجلياتها، والتصدي للمُمارسات العُنصرية وَاجبٌ مُقدّسٌ يجب أن ينهض به الجميع. لكن فلنبدأ بأنفسنا، وبالصور الذهنية التي نُكوِّنها عن الآخرين. نحتاج أن نتخلّص من مخزونٍ وإرثٍ تاريخي ثقيل تشبّعنا به زمناً، ومن القابلية للدونية التي يُمكن أن تصوِّر أيّة إشارة بأنّها إهانةٌ عُنصريةٌ، وأن نملأ أنفسنا بالثقة في ذواتنا وتاريخنا وحَاضرنا ومُستقبلنا. لا يُمكن أن يكتب شَخصٌ ما انطباعه عن برنامج أو مقولة قالها فردٌ، قد يكون مَجهولاً، ولا قيمة له، ويُفسِّرها الشخص بأنّها إهانة للشعب السوداني، فتنتفض الأسافير شَتماً وسَباً في الشخص المجهول، فيصبح فجأةً نجماً اجتماعياً وإعلامياً بارزاً. قليلاً من الثقة في النفس لا يضر، بل يفيد كثيراً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة