أفق بعيد منذ ظهرت الشبكة العنكبوتية الدولية تسهلت أشياء كثيرة في هذه الدنيا، سهل التواصل بين الناس بدرجات متسارعة، بدءاً من تبادل الرسائل والصور والمعلومات، حتى انتهى الأمر بالناس يتحدثون عبر الفيديو كونفرنس وهم جلوس حول مائدة واحدة ومقاعدهم متفرقة بين قارات الدنيا، ويمكن أن يضرب أحدهم المائدة أمامه وهو يجلس في أستراليا، فيهتز لضربتها كرسي من يجلس بصحراء العتمور. وسهل على الناس التعرف على بعضهم البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي فتكونت صداقات وعقدت زيجات وصفقات تجارية دون أن يلتقي الناس. وأهم من كل ذلك سهل جداً تبادل المعارف والمعلومات، فإن كانت لك معرفة بلغات العالم الحية فأنت تغرق وسط سيل من المعلومات عن كل ما تريد معرفته، من خفايا قرار رفع العقوبات عن السودان، لما يجري في سوريا واليمن، الجديد في علاج مرضى السكري والإيدز، وحتى ما أكله الرئيس أوباما على مائدة الإفطار صباح اليوم. وإن كنت وحيد اللغة فقد تكون مساحة معارفك محدودة، لكنها لن تكون معدومة، على كل حال، فلكل فولة مكيالها، وهناك مواقع ومعارف بكل لغات الدنيا، الحية وغير الحية أيضاً. لكن المهم في كل هذا معرفة أنّ هذه المعلومات والمعارف لا تنتقل من السماء إلى الشبكة الدولية، وإنما هي تصعد من الأرض، ولا بد أن يقوم بشر بوضعها ورفعها، وهذا هو مقتل كل معلومة أو معرفة بالشأن السوداني. لقد عرفنا أنفسنا تاريخياً بأننا شعب شفاهي، رغم أن الوقائع التاريخية تقول إننا ظللنا نقرأ ونكتب بمختلف اللغات واللهجات منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، لذلك يصح القول بأن الشفاهية حالة عارضة ألمت بنا في القرون الأخيرة. لكن الحقيقة أيضاً أنّنا من أسوأ شُعوب العالم في التعامل مع إمكانيات الشبكة الدولية للإنترنت، ويمكن وصفنا بأنّنا مُستهلكون رديئون، فغني عن القول إننا لم نسهم لا في إيجادها ولا تطويرها، لكن من بؤس البؤس ألا نحاول حتى الاستفادة من إمكانيتها الهائلة. جرب أن تبحث عن موضوع سوداني من مصادر سودانية، لتكتشف الوجود البائس سودانياً على هذه الشبكة. ولو كنت تعمل على بحث في موضوع سوداني له جذور تاريخية قريبة، في حدود خمسين عاماً، وظننت أنك ستحصل على ما تريده من وثائق ومعلومات أولية بكبسة زر، فأنت واهم. ولو كنت محظوظاً، وكانت بعض مراكز البحوث الدولية مهتمة بالموضوع، فستجد مصادر كثيرة باللغة الإنجليزية، أما غير ذلك فعليك أن تزور دار الوثائق وتطارد من كانت له صلة بالموضوع بصفة شخصية. كثير من الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لها صفحات على الشبكة الدولية، لكنها لوحة جامدة لم يمسسها بشر منذ تم إنشاؤها قبل سنوات. أما تلك التي تسمى مراكز للبحوث والدراسات، فهي مجرد لافتات، وأماكن لترضية بعض أصحاب النفوذ السابقين الذين تعذر إيجاد وظيفة لهم فتم ركنهم في تلك الأماكن ليستسلموا للنعاس اللذيذ. لكن رغم ذلك شكراً لبعض الأفراد والشخصيات ذات الهمة، التي تعمل بجهد فردي لسد ما ينقص عن الجهات والمؤسسات المعنية، فلولاهم لما كان الحصول على أية معلومة ممكناً. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة