كان الظهور كامناً في أفق التطلع، بشر به مشايخ الطريق، منهم الشيخ إسماعيل الولي مؤسس الطريقة الإسماعيلية، والشيخ عبدالمحمود نورالدائم الذي أورد أقوال شيخه عبدالكريم السماني عن قرب مجئ المهدي، كما بشر بالظهور الشيخ إبراهيم الكباشي، والشيخ محمد المجذوب. إجمالاً، لا يكاد مجلس صوفي في سودان التركية يخلو من ترقب ظهور المهدي، الذى ما زال وعداً منظوراً عند الصوفية، حتى يوم الناس هذا.. نقل يوسف ميخائيل في مذكراته ترقب صبيان الأبيض للمهدي، ولكن تلك الذكرى وردت من قبل في مديح حاج العاقب الذي عاش قبل التركية، ما بين عامي (1704 – 1779) وعاصر ادعاء ودالترابي للمهدية. ترجح بعض المصادر أن حاج العاقب عاش في العهد التركي، حيث أوردَ إشارة إلى أن بعض (الفقرا) كانوا يتعرضون لأذى الحاكم التركي.. في كل الأحوال فإن النص المنسوب إلى بارئ قوس المديح، تؤكد انتظار وترقب السودانيين للمنقذ انطلاقاً من ثقافتهم الصوفية. توفرت في محمد أحمد المهدي، الشروط التي ذكرها محيي الدين ابن عربي في المنقذ، ففي محيطه السماني انطبقت عليه نبوءة الشيخ أحمد الطيّب البشير لخليفته القرشي ود الزين، الذي تنبأ لتلميذه – أي للشيخ القرشي – أنه سيدرك زمان المهدي، إذ سيخرج من بين أتباعه، وأن الشيخ القرشي سيصاهر المهدي وسيركب المهدي فرس الشيخ، هذا الحال في سيرة الإمام المهدي يشفع له أمام الاتهام بأنه قسر أفعاله أحياناً لتتواءم مع السيناريو الشائع حينها عن المنقذ. بدأ المهدي حياته متجولاً في خلاوى السودان واختلف إلى عدد من المشايخ لحفظ القرآن ودراسة الفقة والتصوف، وأظهر تميزاً على أقرانه في التحصيل والاطلاع والالتزام الصارم بقواعد السلوك، كان محمد أحمد في منهجه وسلوكه فقيهاً تطهرياً يرفض الاستطعام من عطايا الحكومة لشبهة حرمة الأموال المأخوذة بصورة غير شرعية في الضرائب. وجاء في سيرة محمد أحمد أنه أضربَ عن الاحتطاب حين رأى أان احتطابه يساهم في تقطير أُم الكبائر، وأنه هجر التجارة تطهراً من إثم الاحتكار.. وهكذا،، ما كان أمامه إلا الفرار بدينه بحثاً عن نفسه منقطعاً للخلوات والدرس، حتى كان خلافه مع أستاذه الخليفة شريف مناسبة أظهرت قوة شخصية. يعود الخلاف بين المهدي وشيخه إلى التباين في فهم التصوف ولكل منهما تجربته الخاصة، كان الخليفة شريف أزهرياً ووريثاً للسجادة السمانية لكونه حفيد مؤسسها.. تجربة الخليفة شريف منهجاً وسلوكاً، تختلف عن تجربة الإمام المهدي الشاقة فى التعلم في خلاوى السودان، حيث بنى شخصيته بالصبر والمجاهدة، ولقد كبُر على الخليفة شريف اعتراض تلميذه على الرقص والمعازف في حفل ختان أنجاله وإتاحة يديه لقبلات النساء، فطرد الأستاذ تلميذه ورفض اعتذاره، وقال عنه مقالة تشي بروح ذلك العصر.. قال عنه: (الدنقلاوي شيطان مُجلَّد بي جلد إنسان).. تلك المقالة تحمل روح العصر وأهم حقائقه التاريخية، حيث ابتلاء رحاب الصوفية بعللٍ من ثقافة القبيلة. هذا المنعطف في حياة الإمام أبان أنه مريد أو حُوّار، ولكن بوعي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة