ليس من جنس صحفي مظلوم ظلمَ الحسن والحسين في إعلامنا السوداني مثل التقرير الصحفي، بأشكاله المختلفة. غاب التقرير لسنوات طويلة، ثم فجأة اندلق على الشاشات وموجات الإذاعات وصفحات الصحف، بحكم الموضة ربما، لكنه لا يزال، في كثير من الأحيان بعيدا عن جوهره. جوهر التقرير الصحفي وعموده الأساسي المعلومات: إذا كانت هناك معلومات ومصادر موثوق بها، كان هناك تقرير.. إن لم تكن هناك معلومات ومصادر، فليكن هناك اسم آخر للمادة المقدمة، أو المذاعة والمتلفزة، غير التقرير. بعض المدارس الصحفية لا تعرف التقرير إلا بأنه خبر موسع، يقوم على بناء الخبر نفسه لكن بتوسع في المعلومات الواردة فيه، سواء أكانت تفاصيل الحدث، أو خلفياته، أو نتائجه. بينما تقبل مدارس أخرى اتجاه التقرير ناحية التحليل والاستقراء ، لكنه المسنود بالمعلومات أيضا. كثير من المواد التي تنشر في الصحف وتذاع في الإذاعة والتليفزيون لا تمتّ للتقرير بصلة، لكنها تنتحل اسمه، إذ هي في حدها الأدني مواضيع إنشاء متوسطة المستوى، وفي حدها الأعلى مقالات رأي جيدة السبك، لكنها ليست تقارير. آراء وأحكام حدية تصدر في التقارير، تقيم المواقف المختلفة، والمرجع والمصدر الوحيد كاتب التقرير، ولا أحد سواه.. وإن اجتهد كثيرا فمرجعيته هي "المراقبون". لا يمنع هذا أن التقارير قد تختلف في لغتها، وهناك صحفيون أصحاب لغة جميلة يمكن أن تثري التقرير وتجعله أكثر جاذبية، لكن مع ضرورة أن يستوفي التقرير شروطه الأولية. ولأني من مدمني راديو السيارة فأظنني من المتابعين الجيدين، ومنذ زمن لفت نظري برنامج "حكايات إحبارية" الذي يعده ويقدمه عبد الماجد زين العابدين بإذاعة البيت السوداني. يقدم البرنامج تقارير صحفية إحبارية تصلح نموذجا يتدرب عليه ناشئة الصحفيين الإذاعيين والتليفزيونيين. ليست هناك ثرثرة كثيرة لا من المقدم ولا الضيوف، قالبرنامج يعتمد تقنيات إذاعية حديثة، الانتقالات السريعة، الربط بين صوت المذيع والمقاطع الصوتية المسجلة، الحركة خارج الاستديو. بعض التقارير في هذا البرنامج تتحول إلى تحقيقات صحفية كاملة الدسم.. تجول بك في كل مكان وتستطلع وتسأل وتجادل حتى تقدم معلومات مفيدة. أعرف أيضا أن الصحفيين الذين تدربوا في البرنامج الذي تنفذه طومسون فاونديشن قدموا تقارير عالية المستوى في الإذاعة والتليفزيون، لكن من الواضح أنها لم تجد طريقها للنشرات الرئيسية المحتكرة من قبل تقارير تمتلئ بشهادة المراقبين الذين دائما ما يتفقون مع ما تريده الحكومة. أمام إدارات الإذاعة والتليفزيون ، خاصة الجديدة منها، فرصة للتميز وجذب المشاهدين والمستمعين، إن اتجهت نحو تجويد التقارير الإذاعية والتليفزيونية، مع الالتزام بشروطها المهنية، ومنها تجنب المط والتطويل والثرثرة والعبارات الإنشائية والوصفية، والتركيز على المعلومات والمصادر المعلومة. في هذا المجال تبدو الصحافة أفضل حالا وأكثر تقدما، وإن كانت تقريرها لا تخلو من العيوب، لكن هناك أقلام مجتهدة وصحف تحاول تجويد عملها، فلعلّ وعسى .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة