يبدو أن الدكتور رياك مشار قد سبق السيد/ تعبان دينق في الوصول الى الخرطوم.. و جاء تعبان دينق و مكث يومين أو ثلاث أيام دون أن تبلِّغه الخرطوم أو تبلغ جوبا بتواجد مشار في حفظها للعلاج إلا بعد مغادرة تعبان للبلاد، و ادعت انها استقبلت مشار لدواعٍ انسانية!
منتهى الحَرَج!
لم يكن توقيت الكشف عن وجود رياك في الخرطوم توقيتاً مثالياً بعد كل ما قام به تعبان دينق من تلطيف للأجواء بين السودان و دولة جنوب السودان.. فقد أثار الكشف غباراً حول العلاقات التي ربما كانت ستكون أكثر صفاءً بصحبة إبداء جوبا لحسن النية ( المدعمة) بتمنيات تعبان في أن يتوصل المؤتمر الوطني للسلام مع حركات دارفور والحركة الشعبية شمال حتى ينعكس السلام على الاستقرار في البلدين.. و تأكيد دينق أن " الحركة الشعبية قطاع الشمال ان رغبت في السلام فإن الرئيس سلفا كير سيولي امر السلام اهتمامه الشخصي، اما في حال رفضها السلام و الاستمرار في الحرب، فلن يكون الجنوب منصة انطلاق لهجومها على السودان.. مع أن تعبان يعلم تماماً أن النظام غير راغب إلا في سلام يحقق له البقاء في كرسي السلطة إلى الأبد...!
و إمعاناً في ترضية النظام السوداني، أوضح دينق أن حكومة دولة جنوب السودان تدرس كيفية تغيير اسم الحركة الشعبية لأن الخرطوم لديها ( حساسية عالية) ضد الاسم.. و هكذا كشف السيد/ تعبان دينق عن سعيهم لفض الشراكة بين حركتهم ( الأصل) و بين الحركة الشعبية قطاع الشمال حتى في القاسم المشترك الأعظم بينهما..
و عندما سئل تعبان دينق عن مدى جديته في التنازل عن منصب نائب الرئيس لرياك مشار، أجاب بسؤال استنكاري:- " هو وينو رياك مشار؟" و لم يكن يعلم أن رياك كان في أيدٍ أمينة على مرمى حجر منه.. لقد وقع دينق في حفرة خِدع و مناورات و مؤامرات حكومة المؤتمر الوطني..
لن تعجز الحركة الشعبية في أن تجد دعماً كبيراً من المعارضة الجنوبية خاصة و أن جبال النوبة تتاخم مناطق النوير و لا يمكن لأي قوة عسكرية إيقاف التواصل بين المنطقتين بسبب طوبوغرافية تلك المناطق و وعورة جبالها و غاباتها و سدودها.. و تعاطف العديد من سكان ولاية الوحدة مع رياك مشار.. و لا ننسى أن مشار نفسه كان يقف مع حكومة السودان ضد الحركة الشعبية قطاع الشمال.. و هذا يعني أن لا تغيير في المعادلة يذكر لتحجيم الحركة الشعبية قطاع الشمال في جنوب السودان..
أما من ناحية حركات دارفور، فغالبية قبائل غرب بحر الغزال من الفراتيت يكادون يجمعون على مناهضة سلفا كير.. و المتابع لما يجري من حوار في صفحة ( واو نار) بالفيس بوك، سوف يدرك عمق تفشي القبلية في كل دولة الجنوب.. و قد ظهرت ميليشيات مسلحة عديدة مكونة من الشباب من غير قبيلة الدينكا..
مركز ثقل حركات دارفور يقع في غرب بحر الغزال المتاخم لدارفور.. و تنشط حالياً في غرب بحر الغزال ميليشيا تسمى ( أسود الفراتيت)، عناصرها شباب متعلم و ضباط و جنود مدربين تدربوا تدريباً عالياً في الجيش السودان في السابق.. و هي ميليشيا مناوئة لسلفا كير و مصدر كراهية بعض أعضائها كراهية قبلية محضة.. و زادت أحداث القتل على الهوية التي جرت في مدينتي ( وا و) و ( راجا) من عزم هذه الميليشيا على محاربة سلفا كير في كل مكان.. و يوجد مثل هذه الميليشيا ميليشيات أخرى أجمعت على الوقوف ضد ما يدعون أنه ( استعمار) الدينكا.. و لنتذكر أن عبور رياك مشار تم عبر مناطق قبائل المورو و الزاندي و المنداري، و ما ذاك سوى دليل بسيط على أنه كان يعبر أرضاً صديقة في طريقه إلى الكونغو و من ثم الخرطوم..!
لا أحد يستطيع أن يحاصر قوات حركات دارفور في بحر الغزال أو غرب الاستوائية و لا حتى بعض مناطق النوير.. قد يحدث شيئ من الخلخلة في مجال تحركها.. لكن وجودها لن يزول.. كما لن يزول وجود الصلة بين الحركة الشعبية قطاع الشمال مع مؤيديها في الجنوب كما ألمح إليه تعبان دينق.. فكل تلميحاته و تصريحاته ( كلام سياسيين ، و بس!) كما قال لي أحد العارفين بما يدور في الجنوب..
و المعروف أن حركات دارفور تتمركز في بحر الغزال.. و سوف يأتي الفارق إذا تعاونت مع أسود الفراتيت..
معروف أن تعبان دينق شخصية ذات وزن كبير في التوازنات القبلية المؤثرة على الحياة السياسية و نظام الحكم المؤسس على العشائرية في الجنوب.. فهو و رياك مشار من قبيلة النوير التي تعتبر ثاني أكبر قبائل دولة جنوب السودان.. لكن ثقل وزنه لا يرقى لثقل وزن رياك مشار بأية حال.. و يقول تعبان في شأن تعيينه لمنصب نائب رئيس دولة الجنوب في مكان مشار:- " ....لا يمكن أن يكون( نائب الرئيس) من بحر الغزال لأن ضيو مطوك والرئيس سلفا كير من بحر الغزال، لذلك كان شخصي هو الخيار المناسب" و أشار تعبان إلى أن مشكلة دولة الجنوب تكمن في أن مشار ( لا يفهم ما يريده سلفا!)..
إذن الإرادة و المزاج الشخصي للرئيس ( الجنرال) سلفا كير هما المسيران لدولاب الحكم في الجنوب، وفق حديث تعبان الذي هيأ نفسه للتعاطي مع ذاك المزاج بأسلوبه هو تفادياً للصدام بين القبيلتين الكبيرتين في الجنوب.. و ذلك قد يكون محموداً في المدى القريب، لكنه لن يساعد على تقدم و ازدهار دولة جنوب السودان في المدى البعيد.. و حتى إن عم السلام ربوعها، فسوف يكون سلاماً هشاً لن يصمد أمام داء القبلية المتفشي في الحياة عامة و العمل السياسي هناك..
لا ريب في أن الأيام القادمة ستشهد الكثير من تغيير التحالفات ( Changing alliances) في السودان و دولة جنوب السودان.. و نتوقع أن يكون المعنيون في قوى نداء السودان متابعين للأحداث و سيولة التغييرات في الأجواء السياسية على المستوى الاقليمي، مع ربطها بما يجري على المستوى الدولي.. كما نتوقع ألا تخفى عليهم الاسقاطات التي لا مناص من أن تنجم عن تحركات جون كيري، وزير الخارجية الأمريكية، هنا و هناك.. و المعنيون في قوى نداء السودان لا يحتاجون إلى من يحذرهم من الفخاخ المنصوبة لهم في الطريق إلى الحوار بعد أن دققوا في المتاريس الموضوعة في ( خارطة الطريق).. و على أحزاب المعارضة الأخرى ألا تقف بمنآى عن ما يحدث من تقلبات في المشهد السياسي الذي يشي بأن وراء الأكمة ما وراءها من تقلبات لا قِبل لنا بها..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة