(1) أولا: إنتفاضة أم ثورة؟ لكي نعرف ماذا نحتاج (إنتفاضة أم ثورة)، وأيهما مهيئة الأجواء لإستقباله، دعونا نقوم بتعريف مقتضب لكليهما: الإنتفاضة: بشكل عام هي تحرك شعبي عفوي وغير منظم، إحتجاجا" علي أوضاع إقتصادية، أو قرارات حكومية طارئة. الإنتفاضة لاتهدف إلا أبعد من الإحتجاج والضغط علي النظام الحاكم، للتراجع أو إلغاء قرار ما أو معالجة إشكال ما. إن تجاربنا السياسية السابقة تؤكد تماما" أن الإنتفاضة ليست سوي (إقتلاع نظام فاسد بالقوة، ليحل محله نظام فاسد آخر. إن إنتفاضة أكتوبر 1964 علي نظام عبود ومارس 1985 علي نميري، شواهد تؤكد ذلك. وهتف الناس في أكتوبر (نحن الشعب صنعنا الثورة..نحن الشعب سنحمي الثورة)، ولكنهم في الحقيقة ماصنعوا ثورة لكي يحافظو عليها، بل فقط أزاحوا هذا ليأتي ذلك. الثورة: هي تحرك شعبي، مشابه للإنتفاضة ولكنه يختلف في بداياته ونهاياته عنها. الثورة في بداياتها، عبارة عن وعي مسبق للشعب بالأزمة. وعي تساهم فيه الطبقة المثقفة، ترسم صورته بشكل متكرر في أذهان الشعب علي مدي فترة زمنية طويله، وتخلق نوع من الوعي بالبدائل لحل الأزمة، فيصبح لايمتلك_الشعب_الحل المطلق، ولكن يمتلك صورة عامة عن مايجب أن يكون. يقول إريك هوفر في كتابه "المؤمن الصادق: ((لاتصعد الحركات الجماهيرية، عادة، إلا بعد أن يتم تعرية النظام الحاكم القائم. وهذه التعرية لاتجيئ عفويا" نتيجة أخطاء النظام وسوء استغلال السلطة، بل عن طريق عمل متعمد يقوم به رجال الكلمة الذين يحملون ظلامات ضد النظام)). ويقصد هوفر برجال الكلمة (كل طبقات المثقفين، سواء كانو اعلاميين، كتاب، طلاب...الخ). إذن بغياب دور المثقف، لايمكن تصور قيام ثورة. يقول هوفر ((لايمكن أن يطول بقاء عهد ما، برغم عدم كفاءته، إلا إذا كان هناك غياب كامل للطبقة المثقفة، أو كان هناك تحالف وثيق بين الحاكمين ورجال الكلمة))، ومن المطمئن، أن (الفيس بوك) أصبح بدوره أكبر منصه مفتوحه لرجال الكلمة والمثقفين، وحتي وإن تحالف بعضهم مع النظام، أو عجز البعض عن القيام بدوره، فالغالبية موجودة بفعالية، وخارج نطاق أي قيود. يهيأ المواطن_من قبل هؤلاء المثقفين_ للثورة قبل أن ينتفض، وعندما تنطلق الشرارة، يبدأ الساسيين القدامي، والمثقفين، والناشطين "الإجتماعيين والسياسيين"، وهيئات المجتمع المدني وحتي الطلاب في رسم صورة الوضع بعد التحول الجديد، بعد أن تكون قد رسمت ملامحه_مستلهمة الدروس من نمازج سابقة، كثورات الربيع العربي مثلا"_منذ فترة زمنية سبقت تفاقم الأوضاع. الثورة لاتكتفي بإقتلاع النظام الحاكم فقط، بل تذهب بهيئاتها الشعبية الي المشاركة السياسية، بفرض نفسها، ويقوم بقية الشعب بالرقابة علي النظام الجديد. أيضا"، ترتبط الإنتفاضة والثورة بالوعي الجمعي للشعب بالحاضر والمستقبل. ففقدان الثقة بالحاضر يمكن أن يكون سبب من أسباب الإنتفاضة، أما الثورة فتطلب ثقة في المستقبل. نلجأ إلي الإنتفاضة لأنها تمثل الطريق المختصر، ولكنها ليست الخلاص. (2) الدواعي والدوافع.. "لايذهب الإنسان إلي أبعد مدي إلا حين يجهل إلي أين هو ذاهب" أوليفر كرومل.. ونظام الإنقاذ يستطيع أن يذهب بالسودان إلي أبعد مدي، لأنه في حقيقة الأمر لايدري إلي أين يذهب. يقول إيريك ((عندما تستهدف الحركة تحرير الأمة من الطغيان، الداخلي أو الخارجي، أو صد إعتداء، أو تحديث مجتمع متخلف، فمن الطبيعي أن تنتهي مع نهاية الصراع مع العدو، أو إعادة تنظيم المجتمع. من الناحية الأخري، عندما يكون الهدف إيجاد مجتمع مثالي تسوده الوحدة الشاملة والتضحية بالذات، سواء كان مجتمعا دينيا" أو شيوعيا" أو دولة حربية كدولة هتلر، فإن المرحلة الديناميكية لاتنتهي عند حد. عندما تعد الوحدة والتضحية بالنفس أمرين ضروريين لبقاء المجتمع، فإن النتيجة هي قدسنة الحياة اليومية، أي تحويل القضايا العادية إلي قضايا مقدسة، أو عسكرة المجتمع))، وهذا تفصيل دقيق علي مقاس سياسسات النظام الحاكم الآن، فثورة الإنقاذ جاءت بشعارات، منها: ="مواطني الشرفاء: لقد تدهور الوضع الإقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف هذا التدهور ناهيك عن تحقيق أى قدر من التنمية فإزدادت حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم إما لانعدامها أو لإرتفاع أسعارها مما جعل كثيرا من أبناء الوطن يعيشون على حافة المجاعة وقد أدي هذا التدهور الإقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطل الإنتاج وبعد أن كنا نطمح أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمة متسولة تستجدى غذائها وضرورياتها من خارج الحدود وإنشغل المسؤولين بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة وكل هذا مع استشراء الفساد والتهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراء يوما بعد يوم بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في ضبط الحياة والنظام.." ="..تحركت قواتكم المسلحة اليوم لإنقاذ بلادنا العزيزة من أيدي الخونة والمفسدين لا طمعا في مكاسب السلطة بل تلبية لنداء الواجب الوطني الأكبر في إيقاف التدهور المدمر ولصون الوحدة الوطنية من الفتنه السياسية وتامين الوطن وانهيار كيانه وتمزق أرضه ومن اجل إبعاد المواطنين من الخوف والتشرد والشقاء والمرض.." شعار الإنقاذ الأساسي كان هو إنقاذ الوطن من أزماته الخانقة في وقتها، ولكن "كيف"؟ فقد غابت الكيفية بصورة متعمدة من البيان، لأن الكيفية تعني برامج وأدوات وفترة زمنية. لقد استعاض عن الكيفية بالمهمة المقدسة، وهي (إعلاء كلمة لا إله إلا الله)، استعاض عنها ب(المشروع الحضاري)، وبذلك يكون قد أعد العدة لأن يطيل فترته الديناميكية والتي من سماتها أنها فترة "تتحجج" بإستمرار معالجة الأوضاع الموروثة من النظام أو الأنظمة السابقة. فهي ليست مرحلة بناء جديد بعد معالجات. وعندما تأزمت الأوضاع_السياسية والإجتماعية والإقتصادية_أكثر فأكثر، لجأ النظام الي "تحويل القضايا العادية إلي قضايا مقدسة"، فصرح بأن (الأزمة الإقتصادية هي إبتلاء من الله) وأن علي الشعب (أن يرفع أكفه بالدعاء) وأن يكثر من (الإستغفار). وعلي الصعيد السياسي، أكد النظام الحاكم علي أن الدولة تتعرض لهجوم عالمي بسبب (إسلاميتها)، ودواعي محاربة الإسلام. وعلي الجانب الآخر عمدت إلي "عسكرة المجتمع"، فأنشأت (مليشيات مسلحة)، داخل وخارج العاصمة، وأجهزة قمعية قوامها الطلاب، والدفاع الشعبي وموظفين حكوميين وغير حكوميين. هذا بالضبط ما أشرار إليه هوفر في الفقرات المقتبسة السابقة. وبالتالي، أصبحت استمرارية النظام في السلطة، أكبر عائق أمام نهضة الدولة وتقدمها. وهذا بدوره يمثل أكبر داعي من دواعي الثورة. إذا؛ نأتي الي السؤال الآخر المهم، وهو: ماهي الدوافع الحقيقية للثورة؟ تدهور الأضاع الإقتصادية والسياسية، وبنينة التركيب الأخلاقي للمجتمع، والوضع الصحي، ومستوي ومؤسسات التعليم، ووو، كل ذلك قد يخلق نوعا من التذمر وعدم الرضا، ولكن لايخلق دافع للثورة. قد يصنع رغبة في التغيير، لكن تظل هذه الرغبة في حيز الصدور وبعد التفلتات هنا وهناك. وإن قلنا أن حصاد ذلك التدهور في مجمله، هو فقر المجتمع من كل النواحي، فالفقر وحده لايكفي ليكون أيضا دافع للثورة. فالفقير الذي يعيش صراع يومي في سبيل حصوله علي متطلباته اليومية من توفير لقمة العيش، واحتياجات المدارس للأبناء، والعلاج، وإيجار السكن، كل ذلك يجعل حياته خالية من الفراغ. ليس لأغلب الفقراء أهداف تتجاوز هذه الإحتياجات اليومية.((الصراع اليومي للبقاء علي قيد الحياة يحفز علي الجمود، لا علي التمرد))..((الفقراء فقرا مدقعا يرهبون محيطهم، ولاتروادهم رغبة في التغيير. تبدو الحياة خطرة عندما يتهددنا البرد والجوع. ومن هنا نجد عند الفقراء نزعة محافظة بعمق النزعة المحافظة عند الأغنياء، وهذه النزعة لدي الطرفين عامل مهم في إبقاء الأوضاع القائمة))..إيريك هوفر إن الدافع الحقيقي يكمن في الإحساس والشعور ب(الحقارة والإستحقار)..نعم الحقارة!! = إن ثورة الربيع العربي اشتعلت في تونس_ليس بسبب الأوضاع الإقتصادية المتأزمة_بل تعاطفا مع البوعزيزي الذي أحرق نفسه تعبيرا عن غضبه في مصادرة عربته التي يبيع عليها من قبل "شرطية"!! وإزدادت حدة الشارع عندما أطلق إبن علي علي الثوار عبارات علي شاكلة (العصابات الملثمة والمناوئين المأجورين) وفي نهاية المطاف قال لهم (نا فهمتكم..إيه نعم فهمتكم).. = ثورة مصر استلهمت قوتها وشجاعتها من جارتها في تونس. ولم يطلق حسني مبارك أي وصف علانية علي الثوار، ولكن تسرب تصريحه الخاص (شوية عيال تجمعوا على فيسبوك). واشتدت الثورة بعد معركة الجمل، فكانت هذه المعركة أكبر استفزاز ووجه به الشعب الثائر، فأتي بالقاضية. = وفي ليبيا، اشتد أوار الثورة وهاج الثوار أكثر حينما وصفهم رئيسهم بأنهم (############ان وقطط..وفئران التي تنقز شارع إلى شارع في الظلام..ويتناولون حبوب الهلوسة لتخريب البلاد..وسنلاحقهم بيت بيت دار دار زنقة زنقة..من أنتم). = ولم يسلم الشعب اليمني من الإستحقار والإستفزاز أيضا، حينما وصف علي عبدالله صالح الثورة ب(ثورة البلاطجة..والتخلف وأصوات النشاز والإرهابيين..وفاتكم القطار). الشعب السوداني يمتاز بكل الصفات الحميدة من العقل والحكمة والكرم والشهامة، ولكن بمجرد أن يتعرض أي سوداني "لحقارة" أين كان مصدرها، فإنه يتحول إلي شخص شرس ذو مخالب حاده. الشعب السوداني وإن قبل الجوع والعطش والمرض فإنه لايقبل الاستحقار في نفسه. وقد كادت تصريحات الرئيس أن تلحقه بسابقيه لولا حكمة يعلمها الله ولا نعلمها نحن. فقد وصف المتظاهرين في سمبتمبر من العام السابق بأنهم (شوية شذاذ آفاق وناس محرشين) و(العاوز يسقط النظام يلحس كوعو)، ولم يسبق لحكومة من الحكومات التي تعاقبت علي حكم السودان أن من رئيسها علي شعبه بأن علمهم (أكل الهوت دوق)، أو إقترح مسؤول حكومي علي الشعب (أكل الضفاضع لأن لها فوائد وفيها بروتينات)، أو (الرقيص للنساء) كوسيلة للعلاج. وهذا يفسر لنا العقلية التي ترفع "العصا" فوق رؤوس الشعب في كل مخاطبه جماهيرية، فهي عقلية تتعامل مع الشعب كرعاع، ونابع سلوكها هذا من تفسير داخلي لوعيها الباطن، بأن الشعب عبارة عن أغنامي "وأهش بها غنمي".. الخطاب المستحقر والمستفز من النظام الحاكم، والأمل في المستقبل، هما الدافع والعاملين الرئيسيين في تقديري في الإطاحة بالنظام. (3) الشرارة والأدوات إنطلاق الشرارة بات أمر شبه مؤكد، وعاجلا" أم آجلا" سيجد النظام نفسه عاريا" أمام الشعب، حتي وإن خلع بعض لباس السلطة للحوار الوطني. أما الأدوات فهي العنصر الفعال في الثورة. أدوات الثورة القديمة والتقليدية لن تجدي نفعا" في الإطاحة بهذا النظام المتجزر في العمق. إن الأداة المركزية، الثابته في معادلة التغيير، هي البشر، المواطنين الفاعليين الحقيقيين في إحداث الثورة. وهؤلاء ليسو هم أصحاب الخطابات الرنانة والداعين الي الثورة من خلف (الكيبورد)، بالرغم من أن هؤلاء يهيؤون لها، إلا أنهم هم (المحبطين والمنبوذين والمهمشين) هم وقود الثورة الحقيقي. يقول هوفر ((إن السبب الذي يجعل الغوغاء يؤدون دورا مهما في مسيرة الأمة هو أنهم لا يكنون أي احترام للأوضاع القائمة. إنهم يعدون حياتهم فاسدة بلا أمل في العلاج، ويحملون النظرة نفسها إلي الأوضاع القائمة. ومن هنا فإنهم علي استعداد، دوما لتحطيم كل شيئ ولنشر الفوضي والقلاقل. يتوق الغوغاء إلي صهر أنفسهم، التي يعدونها بلا معني، في مجهود جماعي خارق، وإلي الإنخراط في عمل جماعي موحد. إن الغوغاء دوما" في مقدمة الأتباع، سواء كنا بصدد ثورة أو هجرة جماعية أو حركات عرقية أو قومية..)). وهذه هي الحقيقة التي يجب أن نواجه بها أنفسنا. وهي الحقيقة التي تفسر أن الدعوات من خلف "الكيبورد" الي الخروج والي الثورة، لم تلقي استجابة، الكل ينتظر الآخر للخروج، ولكنهم لايدرون بأنهم يوجهون خطابهم للشخص الخطأ. هذا لايعني بالضرورة أن تكون باقي الطبقات_المثقفة، السياسية، هيئات المجتمع المدني والطلاب_بعيدا عن الحدث. وقد يتخلل هذه الطبقات نفسها مجموعة من المحبطين والمنبوذيين والمهمشين، ولكن يظل الدورالفعال والقدح المعلي في أن تصبح الثورة واقع ماثل، هم الغوغاء. أما أدوات الثورة الأخري المتمثلة في العصيان المدني، الأنقلاب العسكري، والتظاهرات الشعبية كل تلك أصبحت من أدوات الماضي التقليدية. ونتائجها أثبت التاريخ أنها وخيمة. فالنظام لن يتهاون في ردع أي منها بكافة الوسائل والسبل. ولقد أعد العدة لذلك مسبقا، فيقول المفكر الراحل أبوالقاسم حاج حمد في كتابه (السودان..المأزق التاريخي وآفاق المستقبل)، يقول ((غير أن النظام الحاكم كان قد عمد مسبقا لمصادرة هذه الأسلحة الثلاث، وذلك (1_تصفية الخدمة المدنية بالآلاف بمنطق الولاء قبل الكفاءة) (2_تصفية القوات المسلحة بنفس المنطق بداية من التصفيات الدموية أثر أي إنقلاب يفشل) ثم (3_إنشاء قوي الدفاع الشعبي_مليشيات_لمواجهة تظاهرات الشارع السوداني وكرديف لأجهزة الأمن المكثفة)..)). هكذا جرد النظام الحاكم الشعب ومعارضيه من تلك الأدوات، ولم يبقي كما قال حاج حمد ((سوي خيار واحد هو "الخيار العسكري"، وليس عبر الإنقلاب_كما أوضحنا_ولكن عبر "ثورة شعبية مسلحة"))، وهذا بحد ذاته هو الكارثة العظمي التي تجعل السودان نسخة من مآساة الحرب الأهلية في رواندا التي سبحت في بحر من الدماء في الصراع بين التوتسي والهوتو. (4) ردة فعل النظام الحاكم إن النظام الحاكم كما أوضحنا سلفا، لن يتهاون في إخماد أي محاولة لأي من أدوات الثورة، ولو كان ذلك علي حساب أرواح الشعب أجمع. إن القائد الذي يؤمن بأنه خليفة الله في شعبه وأرضه، وأنه ماضي في طريق السماء ومصطحبا شعبه الي الجنة، مبررا مآسيهم وآلاهم في الدنيا بأنها إبتلاءات وإمتحان إلهي، ذلك القائد كما يقول هوفر ((علي استعداد لتدمير بلاده وشعبه قبل أن يستسلم)). ولا أعتقد أن فرد من أفراد الشعب يجهل كيف قدس هؤلاء وجودهم والقضايا. وخير لي أن يبقي أخي بجواري، من أن يحصده رصاص الغدر، فيسقط. وليته يسقط ويقف الوطن، ولكنهم يسقطون في آن واحد، الوطن وأخي. (5) ولكن..أي ثورة نريد؟؟ "المعبد لن ينهار علي شمسون وحده" حاج حمد.. هل نريد ثورة نقدم فيها المحبطين والمهمشين والمنبوذيين كبش فداء؟ يقول هوفر ((يشعر المحبط بالرضا عن الوسائل العنيفة التي تتبعها الحركة الجماهيرية أكثر من شعوره بالرضا من أهداف الحركة. إن فرح المحبط بالفوضي وبسقوط المحظوظين والميسورين لاينبع من إحساسه أنهم بهذا السقوط يفسحون المجال لقيام مدينة مثالية، بقدر ماينتج عنه إحساس بالشماته. عندما تعلو صرخة المحبطين المتشنجة تطالب "بكل شيئ أو لاشيئ" فإنهم في حقيقة الأمر، يتطلعون إلي لا شيئ)). وبغض النظر عن السلوك المتولد نتيجة الإحباط وغيره، والذي يجعل من الفرد اليائس شخص يريد تحطيم كل شيئ، حتي نفسه، فأنا وإن كان أخي محبط ومهمش ومنبوذ، لا أقبل أن يكون هو وقود الثورة وأحد أدواتها. إن هذا المحبط واليائس والمهمش في أمس الحاجه الي اليد التي تنتشله من مأزقه، لا إلي اليد التي تلقي به الي التهلكة. وكل الأحزاب الحالية، من أيمنها الي أيسرها، تريد أن تلقي بهؤلاء الآن في الجحيم، من أجل أن تصعد هي علي أجسادهم. وأي صعود بهذه الشاكلة هو مأزق آخر من مأزقنا الممتد منذ أمد وحتي الآن. لانريد ثورة يسقط فيها الوطن والمواطن. نريد ثورة ترتقي بهما الإثنان، وذلك لا ولن يتم إلا إذا اقتبسنا من سلمية غاندي في النضال، وإصرار لوثر في الإستمرار. فماذا نفعل؟ أنا أري بأن يتحول الشعب كله الي شعارات متحركة، بمعني أن تتحول ملابسنا وأدواتنا ومنازلنا وسياراتنا الي يافطات مطبوعة، يعبر فيها كل محتج علي طريقته، وبمصطلحاته الخاصة. قد تبدو هذه الفكرة (غبية)، وقد تلاقي استنكار بعضهم لممارستها. لكن إن بدت بها قلة، سوف يري الآخرون مدي التفاعل معها. فقط تحتاج الي أحد الشخصيات القوية أو الملهمة أو المؤثرة بصورة عامة لتبنيها وتطبيقها، ومن ثم سوف تكون واقع حقيقي يفرض نفسه في الساحه، تتناوله وسائل الإعلام بمختلف أجهزتها، يتفاعل مع الحدث القاصي والداني، فالمشهد مشهد شعب يتحرك في الشوارع والمراكب وهو يرسم صورة مظلمة للنظام والحاكم، ويرفض إلا أن يواجهه بهذه السلمية. نريد ثورة تشارك فيها كل القوي السياسية مع الشعب، ولاتسقط فيها قطرة دم واحدة. ولانغفل أن أصحاب المآرب الخاصة قد تتدخل أيديهم لتشويه الصورة السلمية، بإضافة عنصر اغتيال البعض تحت أي ستار، وإتهام جهات أخري بالجريمه. فلا بد إذن أن ننتبه لذلك، ونتجاوزه الي الهدف. (6) وبإفتراض صادق أن الثورة نجحت، السؤال؛ كيف نحافظ عليها؟ إن التغيير الممكن الحدوث في بنية الحكومة الجديدة، لن يخرج بأي حال من الأحوال من الأشكال التاريخية القديمة في تكوين الحكومات البرلمانية. ومن المؤكد أن القوي الإجتماعية الحديثة المتمثله في النقابات العمالية والمهنية لن تفسح المجال للأحزاب التقليدي_والتي كانت جزء من أزمة السودان_ بأن تنفرد هي ومجموعة من الأحزاب الوليدة والناتج معظمها من الإنقسام الثنائي البسيط، وسوف تشارك في صياغة وتكوين الحكومة الجديدة. وهذه المرة سوف يكون الضامن الوحيد والحارس الأمين لثورة الشعب، هو فيما اقترحه المفكر حاج حمد "عليه رحمة الله"، وهو ((قيام مجلس مواز لمجلس النواب يطلق عليه بحكم تكوينه ومهماته "مجلس النقض الفئوي" وهو بمثابة الرقيب علي الدستور والحامي لمؤسساته)) ويتكون هذا المجلس من تلك القوي الحديثة التي قادة النضال، "السلمي" طبعا. وبهذا نكون قد وعينا الدرس من محيطنا، واستفدنا من التجارب، وبتحقيق المطلوب وبالطريقة السلمية، نكون قد ضربنا أروع الأمثال للشعوب. وبهذا نؤكد أن الثورة الدموية مستحيلة، لا من حيث التحقق، بل من حيث النتائج. أما الثورة السلمية مع الإصرار، فهي متحققه مضمونا ونتائج. }إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى {صدق الله العظيم والله الموفق..والله من وراء القصد.. بقلم: صهيب عبدالله عبدالسيد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة