مقدمة : (( ان المؤتمر الشعبي كاسم غير موجود،لكن هناك رجل واحد اسمه الترابي، يقول لهم اذهبوا شرقاً أو غرباً فيذهبوا)) ((هذه دماء مسلمين ونحن نبرأ لله من دماء المسلمين ومن كل ما يعمله الترابي)).((كان في زول شيخنا وزعيمنا لكن لقيناه راجل كضاب ومنافق ، هناك أناس هم أعداء للوطن وأعداء للشعب السوداني لا يريدون للحرب أن تتوقف أو للموت والدمار أن يتوقفا )) ((هم يريدون أن يمزقوا البلد ويحرضوا المسلمين لقتال بعضهم بعضا ؟ ما هو حكم من يحرض على قتل المسلم ويتسبب في سفك الدماء؟)) (( الغريب أن هذا الرجل قضى كل عمره في غش الناس ينادي بالشريعة ، واليوم قال لا أريد الشريعة والخمر كانت في مدينة الرسول. هل سمعتم بمثل هذا الحديث؟ وهل سمعتم انه كانت هناك مريسة تباع في مسجد الرسول. والبارات التي أغلقها نميري قالوا أنهم يريدون فتحها في الخرطوم )) (( لا اله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الترابيون .. ولو كره المنافقون)) عمر البشير – صحيفة الأيام 5 أبريل 2004
بهذه الكلمات كان البشير يخاطب احتفال سكر النيل الابيض يوم 4 ابريل 2004 . ويبدو منها خطابا سياسيا موغلا في الوثوقية ، وهو خطاب ظل البشير يطلقه بلا هوادة منطلقا من خلفية المعتقدات التى تفسد الخطاب السياسي وتجعل منه مادة دينية او عقيدة لاتساورها دخيلة الشك او التحليل، وهما الآليتان اللتان تطورا عالمنا اليوم وتقدماه وتاخذاه كل مرة فى اتجاه اكثر ثقة ودراية ، اقله فى باب العلوم والتكنولوجيا. لكن حديث البشير عن كلام الترابي وافعال الترابي لايمكن قراءتها فقط بكلماتي عن الوثوقية والشك ، بل يجب قراءتها من باب القرب والبعد من مكامن القرار. ولك ان تتخيل ان هذا أكبر سياسي فى هذه البلاد الكبيرة بحكم انه ظل رئيسا لها لأكثر من 27 عاما . يتحدث هذا السياسي بهذه الطريقة وتستقي من حديثه طريقة تفكير واضحة مفادها ببساطة (لا تخطيط ولاتفكير فقط اتباع التيار وبتخبط). ويتجلى هذا التفكير في قراءة سريعة منذ ايام ( هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه) وايام ( امريكا روسيا قد دنا عذابها ) وصولا الى مساعي تحسين العلاقات مع امريكا وتطبيعها مع اسرائيل وغني المسئولين فى الدولة واتجاههم نحو (هي للسلطة هي للجاه) . هذا يوضح انه لاعقل قد اصاب النظام فى سعيه تجاه العلاقات الدولية ولا بصيرة أتتهم من السماء ، بل سياسة رزق اليوم باليوم وتخبط فيها كما اسلفنا وعدم قدرة شديدة لمطابقة شعار العقيدة مع الواقع والامر المعاش .
حوار الوثبة وخارطة الطريق : أطلق البشير قبل اعوام مبادرة للوثبة كما اسماها وهي مبادرة حوار وطني منقوصة ومفصلة لكي تكون حدثا براقا أو كهرم خوفو فى لاس فيغاس (ليس أصلياً ولكنه حقيقي المثول كالأصل) وهي مصممة للمجتمع الدولي فى اعقاب هبة سبتمبر المجيدة ومحاولة ابقاء للسلطة وقتل للحراكات المضادة فى مهدها . لكن الحوار تمخض فأرا خصوصا بعد مقاطعة كبيرة وجدها وقبول شديد من راغبين فى السلطة وحالمين جميلين وانتهي الحوار قبل ايام بمؤتمره العام الذي قدمنا قراءة في فعاليته ووعدنا بهذه. تلا الحوار توقيع الأمس من قوي أربعة هي حركة تحرير السودان جناح مناوي و العدل المساواة بقيادة جبريل ابراهيم و الحركة الشعبية شمال وحزب الأمة ممثلاً فى الإمام الصادق المهدي. ورغم وعورة هذا الطريق فى تحليله والدفع بها للسطح فإن الكثير من نقص المعلومة يعتري هذه الخطوة ، خصوصا عن خلافات قوي الاجماع وماحصل فعلا فى اديس المرة الفائتة وبرلين وباريس . لكن يمكن القول أن خطوة توقيع الخارطة ما هي الا خطوة فى مسار طويل سمته القوي الدولية قبل عام بالهبوط الناعم كنظرتها الوحيدة للتغير فى السودان ووافقتها الأحزاب القديمة وبعض الجديدة وفوق منظور أبعد قليلا من الاسم فقط.
الهبوط الناعم : لا اظن بوجود سياسي متزن يرفض هذه التسمية ومحملوها الضمني ، من تغيير يصيب البلاد وحال حكمها وسياساتها واقتصادها بدون الحوجة الى اراقة دماء المصارعة الحرة التى ينادي البعض بضرورتها. بل ان المفهوم ربما يشكل دافعا لسياسي راغب فعلا فى التغيير وليس الانتصار لرغبته وتصورة عن التغيير . لكن المحزن فعلا ان المفهوم بتفصيلاته الداخلية يحمل مصيبة وهي مشاركة النظام فى سلطة تدفع تجاه تسمية الحقوق الاساسية كمنهج للدولة وتسمية الاعتراف بالاخر وحقه فى الحكم والحياة والمشاركة وايقاف الحرب و توصيل الحاجات الانسانية للمتضررين و التحاور حول مستقبل البلاد . وقد تبدو هذه الكلمات براقة وخادعة فدعنا نفندها في ضوء مايحصل :
o الاتفاق المبرم بين رباعي سياسي /حركي والحكومة كطرفين وسوف يواصل هكذا وصولا الى مؤتمر سوف يقدمون فيه (هم) الدعوات ويحددون من هو- سياسي /حركي ومن هو حكومة ومن ليس هذا ولا ذاك. وهذا يعني بالضرورة نفس الشئ اي نفس الاطراف. o ايقاف الحروب يعني ببساطة انه بعد هذا لا يحق لأي كان ان يسمي نفسه حركة مسلحة الا بحسابات ميدان مختلفة عن ماهو ماثل ، واذا لم يفعل فسوف يواجه من كل الاطراف - سياسي/حركي ، حكومة - كمارق ويحاربه الكل بالسلاح والاعلام . هذا لايعني فعليا توقف الحرب بل يعني توحد المتحاربين فى صف واحد دفاعا عن مصلحة سوف يتفقون عليها في مقبل الأيام ضد اي متحارب جديد واحتكار حق النزاع بالسلاح لأنفسهم وللأبد المرتجي لحين نهاية الاتفاقية بحرب جديدة او تغيير شامل. o ايصال المساعدات للمحتاجين يعني ان المحتاجين سوف يقوم بتحديدهم نفس الثالوث عاليه، وبالتالي اذا لم تكن مساندا بارزا لاحدي هذه المجموعات فإنك لست بانسان او محتاج وهذا يعني تقسيم الناس كقطعان وفرقان. ويمكن ان نرى نفس الحادثة التى حصلت عندما عاقبت حركة مسلحة (وقعت من قبل والان) عاقبت سكان منطقة بدارفور فقط لأنهم كانو يساندون حركة مسلحة منافسة لهم وحاصروهم بالرشاشات وقتلوهم واحرقو ديارهم. كذلك فإن التحاور حول مستقبل البلاد – وكلي مني وأماني أن لايتم وفق ما حصل في نيفاشا –، وهو تكريس الحقوق لأطراف التوقيعات وبالتالى قبل ان تقوم بأي شئ يجب ان تقدم فروض الولاء والطاعة وتعلن دعمك للإتفاق الاخير واعترافك بحق كذا فى كذا و...الخ كما كان يتم فى نيفاشا وتقديم فرض الاعتراف باتفاقية السلام الشامل والعمل وفق بنودها ودستورها الانتقالي والتقسيم الجغرافي للسلطة. واذا حصل مثل هذا فانما هو تمهيد ل 2011 جديدة واشتعال حروب جديد وقتل ودمار وانهيار اخر ربما لن يحتمل السودان كلفته ويتمزق أكثر.
ان ربطي لكل نقطة بمثال هو تقريب لوجهات النظر وانتقالها بين ماهو مصطلح جامد ومفهومي الى ماهو واقعي وحادث بين الناس ويمشي بينهم. بالرجوع الى الإقتباس عاليه من كلام البشير وربطة بالظرف الزماني الماثل بعد مشاكوس وترتيبات التوقيع النهائي وقتها ، ثم ربطها من جديد بخطابات البشير بعد 2011 ودعواته لحرب وكنس التمرد وال(حشرة الشعبية) وهي نفس الحرب التى قال فى الاقتباس اعلاه انها حرب مرفوضة لديه واستعمل قتال المسلم كمبرر. وهو نفس المبرر الذي لم يردعه طوال فترته فى الحكم ان يقتل ويسجن ويعذب المسلم والمسيحي واللاديني. وبالاف الاحداث التى وقعت فى الاعوام السبع وعشرون يتأكد للناظر أن هذا النظام مشبوه جدا بما يعني إن العمل المشترك معه مجهض مسبقا بدعاوي الانقضاض عليه وليس بدعاوي التنافس الطبيعية. هذا طبعا اذا سلمنا ان احد الجوانب الموقعة الخارطة بالامس ضد القتل والتعذيب والحرب والظلم كمبادئ ، وليس كتكتيك ومرحلة وترى ان هناك مايجيزها في بعض الأحيان . ويمكننا ان نجرد وقائع للحركات او الامام وهو فى السلطة لاتقل بشاعة عن افعال نظام البشير لكنها لاتفوقه عددا حيث فاز بهذه النظام.
ماذا نستفيد من الخارطة : كقوي معارضة فان الفائدة الوحيدة التى يمكن أن نجنيها من الاتفاق هي زيادة الهامش الضيق لحريات للعمل ، لكنه نفسه سيتم التضييق عليه داخل البروبغاندا التى ستعمل لتجميل وجه الاتفاق(الذي سيحدث) واطرافه وتلميعهم وتوجيه آلة الاعلام نحوهم . هذا يعني نقصان الفائدة السياسية من هامش الحريات الذي زاد ، فضلا عن خسران مواقع المعارضة كلها لصالح التحالف الجديد وبداية تشكل تحالفات جديدة بينه وبين المعارضة تصب كلها فى خانات التمكين الجديد باليات اكثر خفاء وخجلا واقل سوءة. ها أنا اعترف بأنها اقل سوءة ، ولقدر ماحاولت تقبلها فقط لأنها ليست بفظاعة فعل النظام لكن شيئا لايزال غير مستقر بداخلي نحوها ، بنفس القدر الذي كلما تفائلت بأن بعض النازحين سيجدون حقوقا فإن المحزن ضياعها عن البعض الاخر بل وزيادة ظلمهم فى احيان آخرى وهو امر لايمكن الاحتفال به ونحن نعرف معناه الكامل والكامن بجانبه المظلم. ما لم يسفر التوقيع عن حملات معارف وتدريب وتعليم وتفكيك لجهاز الأمن وانهاء كامل لمليشيات النظام وجمع السلاح عاجلا شرط ان يدعم ويشترك مانحو الاتفاق فى تنفيذ هذه الترتيبات ، فإن لاجديد حقيقي سيحدث ، فقط كمشاهدة فيلم لأول مرة. تعرف الحبكة والسناريو وتفاجئك المشاهد وفق اتفاق السينما القديم الذي يقول فى حوار المنتج والمشاهد :
المنتج للمواطن : (دعني اخدعك) المواطن للمنتج : (اوافق ان تخدعني)
د/ابراهيم النجيب الرئيس المكلف / الحزب الليبرالي 9/8/2016
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة