في سنة 1972 بدأت ثورة دستورية في مصر اتباعا للنهج اللاتيني الفرنسي وما رسخ في نظام القانون العام وهو عدم تحصين أعمال السلطة التنفيذية من الرقابة القضائية سواء كانت أعمالا مادية أم قانونية ، وبمفهوم بسيط فلا يجوز أن يتم الطعن ورفع دعوى إدارية ضد قرار صادر من السلطة التنفيذية ابتداء من رئيس الجمهورية-ماعدا أعمال السيادة- وانتهاء بقرار أصغر موظف في الهيكل الوظيفي للمرفق العام أو الهيئة العامة. والسبب في عدم دستورية أي تحصين للقرارات الإدارية هو أن ذلك يستلب حق المواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي في كواجهة قوة السلطة العامة وخاصة السلطة التنفيذية. من ناحية ثانية يؤدي تحصين القرار الإداري إلى الانتقاص من سلطات القضاء لحساب السلطة التنفيذية وثالثا لأن التحصين يعني أن القضاء فقد أهم سلطاته وهو الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وهذه الرقابة جزء من آليات مبدأ الفصل بين السلطات. برلماننا العزيز وافق (بالإجماع) على تحصين قرارات الرئيس الإدارية وبالتالي فإن الرئيس يستطيع أن ينزع مال وممتلكات أي مواطن دون أن يستطيع هذا المواطن اللجوء إلى القضاء لوقف التعسف والإستبداد السلطوي للرئيس. البرلمان الذي يجيز أي شيء يملى عليه وافق وبال (الإجماع) دون حتى أن ينهض أحد من البرلمانيين من أصحاب الثقافة القانونية ويعترض على هذا الأمر الاستبدادي والذي يقوض الاتجاهات الدستورية الحديثة . ويستمر البرلمان في تحصين قرارات السلطة التنفيذية الإدارية عن جهل أو عن تجاهل وهو يمنحها تركيزا شديدا للسلطة. بل أن هذا التحصين لا يستلب فقط من سلطات القضاء بل يستلب من البرلمان نفسه سلطاته التشريعية حين يتحول الرئيس إلى مشرع عبر القرارات الإدارية التي تأخذ قوة القانون بل وتتجاوز الرقابة الدستورية فتكون فوق القانون. أي برلمان هذا؟؟ وأي برلمانيين هؤلاء، إنهم إما جهلاء أو مرتزقين أو الإثنين معا. في عام 2008 كان العراق هو آخر الدول العربية التي تمنع من تحصين القرارات الإدارية للسلطة التنفيذية من رقابة القضاء وتبقت دول قليلة لا تكترث للحقوق الدستورية ولا إلى مبادئ الفصل بين السلطات وغيره من مبادئ قانونية وللأسف السودان أحد هذه الدول المتقهقرة. 18 نوفمبر2016
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة