وجهت سؤالاً لبعض الشباب.. إذا وجدت من يمنحك تمويلاً بمبلغ عشرة ملايين دولار.. فما هو المشروع الذي تحلم به، وتستخدم هذا التمويل لتحقيقه؟. الإجابات كانت.. الأول قال لي إنه سيشتري (أسطول ركشات) يوزعها في الخطوط المناسبة.. ليجمع حصادها آخر اليوم. شاب آخر قال لي إنه سيفتح مخبزاً.. ثالث قال لي.. أسطول (هايسات).. يوزعها في خطوط الكلاكلات والحاج يوسف. كل أمنيات الشباب الذين سألتهم حامت في هذا المدار.. أحلام ليست صغيرة فحسب.. بل مقعدة بلا سيقان. حكومتنا- الآن- مثل هؤلاء الشباب المغلوبين على أحلامهم.. أقصى ما تبشرنا به (أن لا تنهار) بسبب الأزمة الاقتصادية.. هذا هو البرنامج المطروح من خلال تصريحات وزير المالية والقطاع الاقتصادي. أتعلمون حقيقة هذه الدولة التي تحلم بـ (أن لا تنهار).. فترفع الأسعار، وتجلس بكل ثقلها على قلب المواطن تشاطره اللقمة والأنفاس؟. دولة السودان تملك موارد لا تتمتع بها أوروبا كلها.. الأرض والماء والثروات الحيوانية، وقبل كل ذلك تملك ثروة (الطاقة الشمسية)، التي بدأت بعض دول أفريقيا (المغرب مثلاً) تصديرها إلى أوروبا.. وفوق كل هذا تملك ثروة إنسانها النبيل المستنير. هذه الدولة بكل هذه الخيرات.. أقصى أحلام وزير ماليتها.. (أن لا تنهار اقتصادياً)، تصوروا!. برنامجها الاقتصادي مؤسس على فقه (إدارة الأزمة).. لا على أحلام الترف والرفاهية التي نملكها ولا نملكها.. نملكها واقعاً بين أيدينا.. ولا نملكها بضآلة أحلامنا وتصوراتنا.. مثل الشاب الذي يحلم أن يستثمر تمويلاً بعشرة ملايين دولار في شراء (أسطول ركشات). في تقديري.. برنامج الحكومة الاقتصادي هو (خطاب إشهار الفشل).. ولا يتوقع عاقل أن ينجب مثل هذا البرنامج إلا فشلاً مؤكداً.. لماذا ننتظر رؤية الذيل لنتيقن أنه حمار بعد أن أطل برأسه. ما الذي ننتظره في مشروع موازنة الدولة للعام الجديد؟، ما دام أن العقلية الاقتصادية تحلم بـ (أسطول ركشات).. هذا محض إهدار لعمرنا الوطني في انتظار بلا طائل.. الأجدر أن نعيد التفكير في كل شيء.. نعيد هيكلة الدولة السودانية كلها على أسس ومفاهيم جديدة. من يخطط لبناء ناطحة سحاب.. لا يتصور أن يبنيها على قواعد بيت قديم ضعيف الأعمدة.. لا يمكن أن نبني دولة عصرية على برامج اقتصادية مبنية على فقه (أن لا تنهار الدولة)!، فقه الحد الأدنى من الأحلام والعشم- فقط- في البقاء بأقل ما تيسر.. وعلى رأي شاعرنا أيليا أبو ماضي: (هو عبء على الحياة ثقيل من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا). الانتظار لا يجدي.. فليعوضنا الله في (60) عاماً من الاستقلال ضاعت سدى.. لنبدأ- الآن- بناء دولة بمقام إمكانياتنا.. لا بأحلام (أسطول ركشات)!؛ فالذي نفسه بغير (حلم) لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة